إيران «الثورة» ومواجهة مشروع الهيمنة الاستعمارية في المنطقة
} إبراهيم ياسين
يحاول البعض في لبنان والعراق وغيرهما في المنطقة تصوير الصراع الدائر على أنه صراع ضدّ الهيمنة الإيرانية، مصوّرين عن عمد بأنّ حزب الله في لبنان وفصائل الحشد الشعبي في العراق وقوى المقاومة في المنطقة على أنهم أدوات إيرانية. وتقوم بعض وسائل الإعلام المموّلة خليجياً في تسويق هذا الأمر لتعبئة الرأي العام في لبنان والعراق والمنطقة، بهدف أساسي هو تغيير المعادلات السياسية وإحداث انقلاب لمصلحة القوى المرتبطة بالولايات المتحدة الأميركية، في سياق خطة أميركية لإعادة تعويم مشروع الهيمنة الأميركية المتداعية على خلفية انتصارات محور المقاومة على القوى الإرهابية التكفيرية، وإحباط المخطط الأميركي الذي وقف وما زال يقف وراء هذه القوى الإرهابية لفرض هيمنته.
المشكلة مع هذه الأطراف التي تسوّق لمنطق التعبئة ضدّ الجمهورية الإسلامية، إنما تكمن في أنّ بعضها يتعامى عن قصد عن الهيمنة الأميركية ويسعى لحرف الصراع عن مساره الحقيقي الذي هو صراع بين مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة والمشروع التحرري الساعي إلى إنهاء هذه الهيمنة بكل أشكالها السياسية والعسكرية والأمنية والإقتصادية والثقافية… والبعض الآخر ينساق عن غير قصد في الحملة على الجمهورية الإسلامية، متأثراً بالحملة التي تُشَن ضدّها، ولذلك نشهد بأن بعض الأطراف التي تعتبر نفسها أنها تنتمي إلى الخط القومي واليساري تنساقُ في هذه الحملة، بما يتناقض جوهرياً مع القيم والمبادئ التحررية، مما يجعلها تصبّ في خدمة الأطراف التي لها مصلحة في حرف الصراع عن مواجهة الهيمنة الأميركية .
من المعروف عندما يكون الصراع الأساسي هو صراع مع قوى الإستعمار والهيمنة فإنّ ذلك يجب أن يُشكّل القاعدة والأساس والمرتكز الذي يَتمّ على أساسه الفرز، بين من يقف مع مشروع التحرر من هذه الهيمنة الإستعمارية، وبين من يتراصف مع قوى الإستعمار لتأييد هذه الهيمنة وتكريسها وهذا الفرز لا يتمّ على أساس إيديولوجي، إنما يكون على أساس الموقف السياسي من مشروع الهيمنة. لذلك نرى أطرافاً تحمل يافطات قومية ويسارية وإسلامية ووطنية تصطف في خندق المشروع الاستعماري، وأطرافاً أخرى أيضاً قومية ويسارية وإسلامية ووطنية تقف في خندق مقاومة هذا المشروع الاستعماري والقوى الداعمة له… إذاً الفرز يجب أن يكون على هذه القاعدة، من مع مشروع التحرر من «الإستعمار والإحتلال الذي يقف وراء تقسيم المنطقة وتفتيتها ونهب خيراتها لمصلحة الغرب الإستعماري»، وبين من هو مع مشروع التحرر من الإستعمار والنهوض بالأمة لاستغلال ثرواتها وتحقيق تقدمها وإزدهارها، وهو أمرٌ لا يمكن أن يتحقق في ظل إستمرار الهيمنة الإستعمارية على بلادنا.
في هذا السياق فإنّ الثورة الإسلامية التي أسقطت نظام الشاه في إيران ورفعت راية فلسطين ودعّمت قوى المقاومة ضد الإحتلال الصهيوني، إنما هي جزء أساسي من القوى التحررية التي تلعب دوراً أساسياً لتحرير بلادنا من براثن الهيمنة الإستعمارية.
وهي إذ يزداد حضورها ونفوذها في المنطقة، إنما لأنها تلعب هذا الدور التحرري، وليس لأنها تفرض هيمنتها كما يُصورها البعض. فهناك فرقٌ شاسعٌ بين من يسعى لفرض الهيمنة والسيطرة ونهب خيرات الأمة، وبين من يناضل ويكافح مع قواها التحررية للتخلص من السيطرة الإستعمارية بكل أشكالها التي هي السبب، والتي ما زالت تتسبّب في إفقارها وتخلفها وتمزقها وتفتتها.
إنّ إيران الثورة المستمرة صعوداً على المستويات كافة باتت تشكل رأس حربة في مواجهة الإستعمار والصهيونية، وكذلك في تحقيق النموذج الإستقلالي المتقدّم على المستويات الإقتصادية والبحثية وتكنولوجيا الصناعة النووية، وفي نفس الوقت طوّرت قدراتها العسكرية لحماية هذا الإستقلال وهذا التطور. وهي في نفس الوقت جعلت من قوتها العسكرية والإقتصادية والعلمية سنداً للدول المستقلة التي تقاوم الهيمنة الأميركية، وأيضاً سنداً قوياً لقوى المقاومة ضدّ الإحتلال الصهيوني، كما كانت ولا زالت سنداً ومُشارِكةً في الحرب على القوى الإرهابية التكفيرية في المنطقة التي شُكِّلَتْ كأدوات للإستعمار لتحقيق أهدافه التي عجز عن تحقيقها بواسطة قوته العسكرية الغاشمة.
لهذا كله يجري إستهداف إيران من القوى الإستعمارية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية العربية التابعة. لكنهم جميعاً باتوا اليوم عاجزين عن النيل من إيران الثورة التي باتت أكثر تحصيناً ومناعة، بفضل صلابة موقف قيادتها الثورية الأمينة على مبادئ الثورة «الخمينية» الظافرة والمستندة إلى دعم كبير وكاسح من الشعب الإيراني الذي نزل بعشرات الملايين إلى شوارعِ المدن الإيرانية لتشييع أحد أبرز قياداته الشهيد قاسم سليماني، الذي جسّد بإبداع وإقدام و»تضحية بلا حدود» مبادئ الثورة الإيرانية في نصرة المستضعفين، وبذلك وجّه رسالة قوية إلى كلّ هؤلاء الذين كانوا يحلمون يوماً ما بالنيل من مناعة الثورة الإيرانية، والاحتضان الشعبي لها ولقادتها.
وكما كان الردّ على جريمة اغتيال قائد فيلق القدس الشهيد قاسم سليماني بقصف قاعدة «عين الأسد» الأميركية في العراق بالصواريخ الباليستية وتوجيه صفعة قوية لجبروت أميركا وقوّتها وكسر شوكتها وهيبتها، فإنّ قرار العراق برلماناً وحكومة وشعباً ومقاومة بالردّ على اغتيال نائب رئيس الحشد الشعبي الشهيد أبو مهدي المهندس، بمطالبة القوات الأميركية بالرحيل فوراً من العراق وإلا واجهت مقاومة عراقية أقوى من أيّ مرحلة ماضية، وقادرة على إجبارها على الرحيل بذُلٍ وهوان.
وسيأتي هذا اليوم قريباً، لأنّ القرار على مستوى محور المقاومة قد إتخذ… و»على الأميركي أن يحمل عُكازه وينسحب».