الموازنة مرّت… بـ«السبعة وذمّتها»
لم تمنع تحركات المنتفضين عند مداخل ساحة النجمة النواب من الوصول الى البرلمان، علماً أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري اعترف بحجم ضغط الثوّار على الأرض، بقوله في مداخلة داخل جلسة إقرار الموازنة «المجلس كان على أتمّ الاستعداد لمواكبة مطالب الناس في الشارع لكن «ما خلّوني كمّل اليوم اعملنا السبعة وذمّتها ودخّلنا الجيش لقدرنا نعمل الجلسة».
مرّ “أصحاب السعادة” الذين بلغ عددهم 73 نائباً بسلام على وقع الإجراءات الأمنية المشددة التي اتّخذها الجيش والقوى الأمنية في محيط المجلس، فمرت جلسة إقرار الموازنة بسلام ومهّدت الطريق لجلسة منح الحكومة الثقة.
لقد أقرّ مشروع موازنة حكومة الرئيس سعد الحريري بحضور رئيس حكومة الإنقاذ حسان دياب الذي حضر وحيداً من دون الوزراء الـ 19، بجلسة واحدة بعدما خفّض عدد الكلمات الى 6 لأسباب أمنية. فمنح 49 نائباً من كتلة الوفاء للمقاومة والتحرير والتنمية وتكتل لبنان القويّ فضلاً عن النائبين أسعد حردان وسليم سعادة من الكتلة القومية الاجتماعية والنائبين عدنان طرابلسي ونقولا نحاس أصواتهم لصالح إقرار الموازنة في حين صوّت 12 نائباً من تيار المستقبل والنائب فريد هيكل الخازن بـ ضد، في حين امتنع 8 نواب مثلوا اللقاء الديمقراطي عن التصويت.
وفيما غاب نواب تكتل «الجمهورية القوية» ونواب الكتائب ونواب مستقلون، قرّرت كتلة «المستقبل» الحضور في الدقائق الأخيرة بعدما عقدت صباحاً اجتماعاً في بيت الوسط برئاسة النائبة بهية الحريري، فأمنت في اللحظات الأخيرة النصاب للجلسة العامة مشترطة لحضور الجلسة الحصول على إقرار من رئيس الحكومة حسان دياب بتبنّي الموازنة، فحصل ما أردته. فأعلن دياب أنه يتبنّى الموازنة قائلاً: “لو لم أكن أتبنى الموازنة لما حضرت إلى هنا”، فتبنّى موازنة حكومة أسقطتها انتفاضة 17 تشرين. وأوضح دياب أن الحكومة في ظل وضعيتها الراهنة قبيل نيلها الثقة هي حكومة تصريف أعمال، ويفترض أن يكون عملها محصوراً بإعداد البيان الوزاري، وأكد أنه لا يمكن للحكومة استرداد الموازنة، أو أن تعرقل موازنة أعدّتها الحكومة السابقة، لافتاً إلى أنها تترك الأمر للمجلس النيابي.
وكان النائب سمير الجسر طرح والنائبة بهية الحريري مسألة دستورية الجلسة، فدخلا في مناظرة قانونية مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي استعان بالمادة 64 من الدستور لتثبيت دستورية الجلسة. وقال أيضاً: “المادة 32 تتكلم عن عقدين تماماً، كما تفضلت، العقد الثاني يبدأ يوم الثلثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول، وتخصص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر. هذا الموضوع ليس عندما أصبحت في كانون الثاني، فعادة إذا لم تنته الموازنة تنهيها في آخر كانون الثاني، لذلك أصريت على أن يكون في هذا الوقت”.
وأقر مجلس النواب مشروع قانون الموازنة المتضمن 42 مادة مع بعض التعديلات فأقر المادة 6 من الموازنة وفق تعديل لجنة المال والموازنة لجهة فرض الرقابة على القروض والهبات وفق الآلية التي تراعي الدستور وقانون المحاسبة العمومية، مع إضافة عبارة «بناء على اقتراح وزير المال وتتخذ بمرسوم في مجلس الوزراء».
ووافق المجلس النيابي على اقتراح نواب اللقاء الديمقراطي بإلغاء المادة السابعة والعشرين التي تُعفي الطوائف من الضريبة على الهبات. كذلك تحفّظ نواب اللقاء الديمقراطي على المادة 33. وألغيت المادة 32 المتعلقة بإجازة العمل، بناء على اقتراح النائب جميل السيد، وألغيت المادة 34.
الى ذلك، أقرّ المجلس المادة 36 وفق صيغة تنص على «تعلق حتى تاريخ 30/6/2029 مفاعيل البنود التعاقدية المتعلقة بالتخلف عن سداد القروض المدعومة من سكنية وصناعية وزراعية وسياحية وتكنولوجية ومعلوماتية وبيئية، بحيث لا تسري على المقترض أي إجراءات قانونية او تعاقدية بما في ذلك معدل الفائدة بسبب التأخر والتعسر في سداد القرض».
وأوضح النائب علي فياض أن هذه المادة في الموازنة «تحمي المواطنين او الشركات الذين حصلوا على قروض مدعومة في حالة التعثر عن السداد تمنع المؤسسات المصرفية الدائنة من أي اتخاذ إجراءات عقابية بحق هؤلاء»، موضحاً ان «المادة تغطي فترة زمنية تمتدّ من 1 تشرين الاول 2019 حتى 30 حزيران المقبل وهي بمفعول رجعي أيضاً»، مضيفاً هذه المادة لا تعفي المواطنين من السداد في اصل القرض اي انه بعد انقضاء فترة 30 حزيران واذا كانت الازمة الاقتصادية مستمرّة فسنتقدم بتمديد لمواكبة الأزمة وتخفيف آثارها عن المواطن، ولكن إذا تمكنا من الخروج من الأزمة. فإن المواطن غير معفيّ من القروض في هذه المرحلة ويجب أن يسددها لكن لا يترتب عليها أي إجراءات جزائية بما فيها رفع معدلات الفائدة».
وأشار الى أن هذه المادة هي بمثابة تشريع مبدئي وتحتاج الى آلية، لافتاً الى «أننا ندرس التشريع المناسب لحماية المواطنين الذين أخذوا قروضاً غير مدعومة.»
وألغى المجلس المادة المتعلّقة بإعفاء الجمعيات من الرسوم والضرائب بعد جدل. كما تمّ إقرار بند المساعدات التي تقدّمها وزارة الشباب والرياضة إلى الاتحادات والنوادي الرياضية بقيمة 4 مليارات و250 مليون ليرة. واعترض حزب الله على زيادة أي مبلغ إضافي على اسعار خدمة الكهرباء المقدّمة من المولّدات للمواطنين.
وبعد انتهاء الجلسة، أكد النائب إبراهيم كنعان أن الموازنة أفضل من لا موارنة، معتبراً أن ما شهدناه من هدر وعدم رقابة جاء بغياب السقوف والضوابط منذ الـ2005. واعتبر أن المطلوب بعد إقرار الموازنة خطة إنقاذية تضعها الحكومة ومستعدون للتعاون لانقاذ البلد. وقال: على المعارضة قبل الموالاة التعاون للإنقاذ. فالموازنة خطوة يجب ان تستتبع بخطوات أخرى. وأوضح أن المجلس النيابي أقرّ مبلغ 25 ملياراً رصدته لجنة المال والموازنة لتثبيت عناصر الدفاع المدني على ان يتأمن المبلغ المتبقي من الاحتياط.
وكان تحدث في بداية الجلسة 7 نواب. وأول المتحدثين كان النائب سليم سعادة الذي قال «إن وزارات الدولة تحتاج الى منجّم لمعرفة حجمها وآلية استيفائها»، وقال: «بوجود ثلاثة أسعار لصرف الدولار كل شيء يتغير والواردات تدخل في السعر الرسمي وتخرج بسعر السوق السوداء».
واشار الى ان العجز 7.5 مليار دولار فيما الدخل 9 مليارات دولار وهذا أمر غير موجود في لبنان، وان شهر عسل الطائف قد انتهى لا مال ولا عسل Honey no money No، وقال: «إن الدولة والحكومات السابقة راكبة على مصرف لبنان ومصرف لبنان راكب على المصارف الخاصة التي راكبة على ودائع اللبنانيين والمواطن يعيش في وهم أن كل شيء يسير على ما يرام، ولكن هذا الشيء قد فرط». واعتبر سعادة ان هذه الموازنة لا تتصدّر المشهد اليوم إنما هي ثانوية وهي لقيطة بلا أم وأب. وهناك مشكلة على صعيد الواردات والنفقات. وقال عندما سأل لينين عن الشيوعية أجاب: «هي دعم العمال، وحيث لا تكون هناك قطارات ولا سكك حديد، وبالتالي فإن حكومتنا تحارب القطاعات وسكك الحديد».
وقال النائب جميل السيد: «كنت أتمنى لو كانت لنا جلسة قبل هذه الجلسة حول الأوضاع الراهنة، هذا المجلس هو للناس لكن الظروف الميدانية منعت حصول جلسات، حتى يعلم من يمثل الناس أنهم يشعرون بوجع الناس في الشارع. لكن هذا المجلس والحكومات المتعاقبة لو أنهم تباعاً لمسوا ما يعانيه الناس لما وصلنا الى حدود الانفجار. الناس حمّلوا المجلس والحكومات المسؤولية، فلو كانت هناك محاسبة لكل المنظومة التابعة للسلطات لما وصل الوضع الى ما وصل اليه. اننا ندفع ثمن ما جنته أيدينا».
وأضاف: «هذه ليست حكومة جميل السيد، كما يُقال، وسأتحدّث عن الموضوع في جلسة الثقة. وجدت انه لم يعد هناك أمامنا مجال، نحن في حالة سوريالية فوضوية لا ينطبق عليها أي نص دستوري قائم، حكومة تصريف أعمال دخلنا في العقد الثاني، ونستعمل استقالة الحكومة وكأننا في عقد استثنائي، ولكن حتى لو أن فخامة الرئيس لم يمارس هذا الحق المنصوص عنه في المادة 86».
وتابع: «رئيس الجمهورية إن اراد ان يسترد المشروع والحكومة مستقيلة، ولا يمكن أن يسترده حتى لو اخذت الحكومة الثقة، فلا يمكن ان يصدرها بمرسوم. اذا «مسكرة» بالاسترداد وبالإعادة، باقرارها بمرسوم و»مسكره» بفتح دورة استثنائية قبل الثقة. واذا أخذتها الحكومة لا يمكن لها ان تستردها، ما عدا أمراً واحداً وهو حق النواب بحسب النصوص ان يطلبوا رد المشروع. هذا التشابك يضعنا في دور انه مهما فعلنا يجب ان تحضر الحكومة بشخص رئيسها لكي نغوص في المشروع لإنجازه».
ورأى ان «من البديهات ان تحصل الحكومة على الثقة وان تسترد المشروع، لأنه ليس لها، ونلبسها ثوباً مفصلاً على قياس حكومة الحريري، اذا تلبسها ثوباً ليس برضاها».
واعتبر النائب ألان عون أنه يجب على المصارف أن تستعيد الثقة، مشيراً الى أن هذا الأمر يتطلب اعترافاً بالمسؤولية المشتركة مع السياسيين بإيصال الواقع الى هذا المكان ويتطلب الانخراط بالخطة الإنقاذية وتحمل المسؤولية وحصة من الخسائر.
وأكد أن أولوية الحكومة الجديدة يجب أن تكون إعادة هيكلة الدين ومعالجة مشكلة الكهرباء. ولفت الى أن الوضع ليس مستحيلاً لكن الأمر يتطلب من مجلس الوزراء تغييراً جذرياً في كل المقاربات ويتطلب منا كنواب تحمل المسؤولية بعيداً من أي شعبوية.
واعتبر النائب نزيه نجم، في جلسة الموازنة، بأن «عدم إقرار قطع الحساب هو مخالفة قانونية ولا بدّ من إقراره قبل الموازنة». وتساءل نجم «ألم يكن من الأفضل لو أعدت الحكومة الجديدة دراسة كاملة تقدّمها مع البيان الوزاري عن الرؤية الاقتصادية؟». ما هي رؤية الحكومة لتفعيل الصناعة والزراعة وتشجيعهما وهل تشمل الموازنة أي تطمينات للمودعين وهل من خطة للـCapital Control؟».
ودعا النائب عدنان طرابلسي الحكومة الجديدة الى عدم الوقوع في ما وقعت به سابقاتها داعياً لوضع خطة إنقاذ حقيقية اقتصادية ومالية وبيئية. ونصح الحكومة، خلال جلسة مناقشة موازنة 2020، أن تكون جدية وتتحمل المسؤولية ونريد دعماً لقطاعات الإنتاج.