الانتفاضة الثالثة تطرق الأبواب
جمال الكندي
بعد استشهاد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير زياد أبو عين أمام عدسات الإعلام الذي ثبّت أركان هذه الجريمة، نسأل: ألا يزال الكيان الصهيوني في عيون الغرب شريكاً في إحلال السلام في المنطقة، أم أنّ النظرة الأميركية والأوروبية قد تغيرت تجاه بربرية هذا المسخ الصهيوني الذي زُرع في فلسطين؟
إنّ استشهاد الوزير الفلسطيني لن يغير شيئاً في المعادلة الأميركية تجاه «إسرائيل» التي تبقى بالنسبة إلى أميركا، الكيان المدلل والمحاط بالأعداء من كلّ جانب، وستفعل أميركا كلّ شيء معقول وغير معقول للحفاظ على وجودها من المسّ والأذى. لذلك فإنّ كلّ جريمة يقوم بها هذا الكيان الغاصب مبرّرة وتأتي «دفاعاً عن النفس»، فقتل الأبرياء وتهجير السكان الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم وهدم بيوتهم، تصبّ عند الأميركي في خانة الحفاظ على الوجود «الإسرائيلي» في المنطقة.
إنّ التحرك الفلسطيني تجاه هذه الجريمة في المحافل الدولية، لن يغير الكثير في المشهد السياسي الغربي ضدّ «إسرائيل»، لأننا سنكون أمام «فيتوات» تحميها وتبرّر عملية الاغتيال بأنها كانت «دفاعاً عن النفس»، أو أنها وقعت بخطأ غير متعمّد، وتُطوى الصفحة كما طُويت صفحات سوداء من تاريخ الإجرام الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني.
ولا بدّ من تذكير القارىء هنا، بمصير تقرير «غولدستون» الذي وثّق جرائم الكيان الصهيوني في غزة إبان عدوانها على القطاع أواخر عام 2008، والضغط الكبير الذي مورس على السلطة الفلسطينية لعدم إيصال التقرير إلى المحافل الدولية. وما العدوان «الإسرائيلي» الأخير على قطاع غزة، إلا دليل آخر على دموية هذا الكيان ضدّ أبناء الشعب الفلسطيني بكافة اتجاهاته، وعدم المبالاة بهدر دم الفلسطيني بل والمتاجرة به في مزاد الاستحقاقات النيابية القادمة في «إسرائيل»، لكسب مزيد من أصوات اليمين المتطرف.
إنّ الإجراء الأميركي القادم سوف يكون لتبريد بعض الرؤوس الثائرة في السلطة الفلسطينية، من أجل احتواء جريمة اغتيال أبو عين الذي يُعتبر من أبرز قادة العمل الثوري الفلسطيني وأحد أعمدة حركة فتح. سوف تتحرك أميركا سريعاً، ليس من أجل عيون الفلسطينيين ولكن من أجل «إسرائيل»، ومخافة فقدان شريك مهم في عملية التنسيق الأمني في الضفة الغربية، خصوصاً وأنّ هناك شخصيات فلسطينية بدأت تنادي باتخاذ هذا الإجراء، ردّاً على استشهاد أبو عين، والذي تعتبر أميركا أنه يشكل خطراً على عملية السلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين».
أمام هذه التطورات المتتالية، والتجاوزات الكبيرة للكيان الصهيوني في القدس والضفة الغربية، ومحاصرته الفلسطينيين في «كانتونات» صغيرة متحكماً في حركتهم ولقمة عيشهم، وأمام تعدّي قطعان المستوطنين على المسجد الأقصى، نتساءل: هل المنطقة مقبلة على انتفاضة فلسطينية ثالثة تقلب الطاولة على اللاعبين الأساسين والمتحكمين في مسار العلاقة الفلسطينية »الإسرائيلية»؟
إنّ الانتفاضة الثالثة تطرق الأبواب والممارسات «الإسرائيلية» ستعجّل في فتح هذه الأبواب، فماذا بعد التدمير الممنهج للدولة الفلسطينية طوال عقود من الزمن وماذا بقي منها؟ وإلى متى سيظلّ هذا الكيان الإرهابي يغتال ويدمّر بنية الدولة الفلسطينية من دون أن يعاقَب على جرائمه؟
سوف تأتي الانتفاضة الثالثة مهما طال الوقت، وسيُفتح الباب على مصراعيه أمامها لأنّ طارقي الباب أصبحوا كثراً، ولن تستطيع أي قوة منعهم، لأنّ جرائم الكيان الصهيوني لن تتوقف عند قتل شخصية فلسطينية معينة أو تدمير هنا أو هناك أو اقتحام المسجد الأقصى، بل ستتواصل إلى أن يهجَّر الفلسطينون من أرضهم وتُهوَّد كلّ فلسطين التاريخية، وهذا ما أفصح عنه وزير الخارجية المتطرف أفيغدور ليبرمان.
إنّ الشارع الفلسطيني يدرك أبعاد المؤامرة عليه، ويعلم ماذا تعني انتفاضة جديدة في فلسطين، وماذا ستحقق من نتائج، وآثارها على كيان العدو. إنه باب لا يريد الغرب الداعم لـ»إسرائيل» أن يُفتح أبداً. لذلك سيعمل الأميركي بكلّ الوسائل الديبلوماسية الماكرة لتبريد الرؤوس الثائرة وإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه، وعدم خسارة ورقة التنسيق الأمني مع «إسرائيل»، وهي خيار مطروح أمام السلطة الفلسطينية، لاحتواء الغضب الشعبي. إنّ الكلمة القادمة ستكون للشعب الفلسطيني، فهو الذي سيقرّر ما يفعل أمام جرائم «إسرائيل» التي لا تنتهي.
فمتى تدرك القيادات العربية أبعاد المخطط الصهيوني الذي نرى معالمه تتكشف يوماً بعد يوم، والتي لا تجد رادعاً عربياً أو دولياً سوى بيانات الشجب والاستنكار، فيما نرى الدولة التي هي على عداء دائم مع «إسرائيل» وتدافع عن الحقوق الفلسطينية وتستقبل على أراضيها الحركات الفلسطينية المقاومة كافة، تُستهدف من قبل مجموعات إرهابية تحاول، بدعم من «إسرائيل» وبعض عملاء أميركا تفتيت كيان هذه الدولة الوطنية؟
إنّ كلّ المعطيات تشير إلى أنّ الانتفاضة قادمة، وهذه المرة هي ليست فلسطينية فقط بل عربية وعالمية، لأنّ جرائم إسرائيل أصبحت ظاهرة لكلّ منصف وباحث عن الحقيقة ، والغربال الأميركي لن يغطي دموية «إسرائيل»، وهذا ما بات يدركه المجتمع الدولي وأميركا نفسها.