الوطن

الرئيس برّي قيادة إقليميّة لتعطيل «صفقة القرن» في لبنان!

ينتقل رئيس المجلس النيابي نبيه بري في رسالته التي وجهها الى الحركيين خصوصاً واللبنانيين عموماً لأداء دور إقليميّ، لأنه يتنبأ بآثار «صفقة القرن» على الداخل اللبناني. فيخاطب حركيّيه بأن انتبهوا إنهم يدبّرون فتنة مذهبية وطائفية واجتماعية في لبنان لكي يدمروا البلد في محاولة لتمرير «صفقة العصر» في إحدى ساحات المقاومة للانطلاق منها الى باقي الساحات.

هذا الدور اللبنانيالإقليمي لرئيس حركة أمل ليس غريباً عنه وهو القائد المُلمُّ بكل تفاصيل المؤامرات والاستثمار في الشارع لتفجير لبنان وسورية والأردن ومختلف البلدان العربية، لذلك ينطلق من هذه التعليمات لمناصريه لكي يعطل محاولات تفجير الساحة اللبنانية كمقدمة لتطبيق صفقة ترامبنتياهو التاريخية على أساس تدمير الكيان السياسي اللبناني وتفتيته وجعله ملجأً للتوطين والتقسيم. فرسالة بري عميقة المضامين وأشبه بخطاب يدعو فيه كل اللبنانيين للتنبه ولتحصين الجبهة اللبنانية والاستعداد النفسي والسياسي والوطني والعسكري للمواجهة الضارية المقبلة مع أصحاب الصفقة الأميركية الإسرائيلية، ومنع استخدام الشارع والحراك كما تفعل جهات لبنانية داخلية تلبية منها لتوجيهات أميركية.

فرئيس البرلمان يُجيد فنون القراءة لطالع لبنان والمنطقة بعيونه الثاقبة وخبرته الطويلة في الأزمات الإقليمية والمصالح الدولية وبقدرته على استقراء الداخل ومحاولات الخارج لتفجير الوضع اللبناني، رابطاً بين إعلان الصفقة والأحداث الإقليمية وبين استهداف لبنان وبعض قياداته وحركاته المقاومة. بقوله: «إن لبنان تدبر له فتنة عمياء، أنتم الأجدر والأولى مع كل اللبنانيين المخلصين، العمل على وأدها في مهدها، وبانتظار اللحظة التي باتت قريبة لكشف مدبّريها».

وبحسب معلومات «البناء» قد توافرت قراءة لدى بري لكل ما يجري في المنطقة. فرجل العروبة والقومية لا يُفرق بين الأحداث الجارية في الساحات العراقية واللبنانية واستهداف إيران وليبيا والمنطقة برمّتها، وبحسب مطلعين فإن «الرئيس بري لا يتهم الحراك الشعبي بإشعال الفتنة، بل جزء منه يمتلك المشروعية والمطالب المحقة، لكن ما توفر من معطيات أمنية وتحليل سياسي وتتبع بعض الاحداث المتلاحقة في لبنان والمنطقة، تكشف بما لا يرقى للشك بأن بعض الحراك يسعى لإرباك الساحة في لبنان وافتعال الصدام الداخلي لضرب هيبة المؤسسات الأمنية وتفريغ المؤسسات الدستورية لتكوين أرضية خصبة لتطبيق مندرجات صفقة القرن».

 لكن المفارقة أن مَن يتتبع أحداث الأسبوع الماضي تحديداً يكتشف ترابطاً واضحاً بين الاستهداف المنظم والممنهج لبرّي ولحركة أمل باستحضار وخلق مجموعة من الملفات في آن معاً وإطلاق استفزازات لجرّ مناصري الحركة الى شارع مقابل شارع وتقليب قسم من البيئة الشيعيّة على أمل تحت عناوين مطلبية واقتصادية وملفات فساد، وبين إعلان صفقة القرن، ما يقود الى أن منطلقات وأسباب الحملة السياسية والإعلامية و»الحراكية» على بري ليست محلية صرف، بل ذات أبعاد خارجية مرتبطة عضوياً بالشق اللبناني لصفقة القرن.

وهنا تجدر الإشارة الى أن نجاح الأميركيين والإسرائيليين في فرض صفقة القرن في لبنان لا سيما في توطين اللاجئين فيه، يعني ارتفاع فرص تطبيقها في دول أخرى إن في الأردن وسورية وحتى تسهيل تطبيقها داخل فلسطين نفسها لا سيما في ما يتعلّق بمشكلتي اللاجئين والحدود

وتجزُم مصادر حركية لـ»البناء» بأن «الحركيين ملتزمون بتعليمات رئيسهم ولن ينجرّوا الى أي شكل من أشكال الصراع والاشتباك الداخلي لا مع الحراك ولا مع أي حزب أو تنظيم»، مضيفة أن «الحركة لا تعيش عقدة الاستهداف او عقدة تخلّي البعض عنها، فهناك الكثير من القيادات سقطت من هذا المشروع الحركي ومن يستهدف الحركة اليوم سيفشل».  

ما يدعو للتساؤل: لماذا استهداف الرئيس بري؟

من نافل القول إن رئيس البرلمان يُمسك بمفاتيح اللعبة الداخلية اللبنانية، وفي الوقت نفسه يرتبط اسمه ودوره بعناوين صفقة القرن في الساحة اللبنانية

فبرّي هو صمام أمان الوحدة الوطنية اللبنانية، وهو الذي كان وما زال ضامناً للسلم الأهلي وقاطعاً لأعناق الفتنة، كلما اشرأبت بين الفينة والأخرى وما زال يُمسك بنار الفتنة بيديه وصدره ويعمل على إطفائها بحوارات تناوب على عقدها بين عين التينة وبعبدا وبين حزب الله وتيار المستقبل، علاوة عن دوره المحوري في رأب الصدع بين مختلف الأطراف والأحزاب اللبنانية.  

من المعروف أن بري هو المفاوض الرسمي الشرس والخبير في إجهاض المناورات والخطط الأميركية في ملف الحدود مع فلسطين المحتلة. فهو حارس حدود الوطن وثرواته المائية والنفطية ومزارعها وتلالها في شبعا وكفرشوبا وخط الدفاع الأول عن لبنان، فمتى خرقه الأميركيون والإسرائيليون تسللوا الى العمق اللبناني

إن صفقة القرن ستُلغي حدود فلسطين المحتلة مع الدول المجاورة ومنها لبنان، وبالتالي ستعمل «إسرائيل» بتغطية أميركية لقرصنة جزء من حدود لبنان ومياهه ونفطه وغازه. وهنا تجدر الإشارة الى دور أساسي يضطلع به بري في مسألة اشتباك وتنافس خطوط الغاز في الشرق الأوسط بين المحاور الإقليمية والدولية لا سيما أن «إسرائيل» تخطط لمد خط أنبوب غاز الى قبرص وتركيا وأوروبا له ممرّ إجباري في لبنان.  

لم يعُد خافياً دور رئيس المجلس النيابي في تأمين المخارج للأزمات التي تعصف بلبنان دوماً، لا سيما أن دوره مؤخراً في إخراج الحكومة العتيدة الى النور وانتزاع غطاء «السعد» لها، وكما بتوفير ظروف انعقاد الجلسة التشريعية الأخيرة لإقرار الموازنة والرهان معقود عليه أيضاً لانتزاع الثقة النيابية للحكومة ومساعدة رئيس الحكومة للخروج من الواقع الاقتصادي والمالي الصعب.

يتمتع برّي بفروسية فلسطينية تجعله مالكاً مفاتيح السلم الأهلي داخل المخيمات الفلسطينية إن بين الأخوة الفلسطينيين واللبنانيين، وإن بين الأشقاء داخل «البيت الفلسطيني الواحد»؛ فبرّي هو سياج لبناني لمنع العبث بأمن المخيمات وتحويلها الى مصدر تهديد للامن اللبناني لإحداث حالة فوضى يدفع اللبنانيون والفلسطينيون ثمنها بتوطينهم على أرضه، فعلاقته المتينة مع القيادات الفلسطينية في غزة ورام الله و»مونته الأبوية» على ممثلي الفصائل الفلسطينية في لبنان تجعل المخيمات عصية على الاستثمار الأميركي الإسرائيلي لتصريف صفقتهم في لبنان. فبري هو آخر رجال الدولة اللبنانيين الذين يتقنون فن كشف المؤامرات وشحذ الساحات والهمم ولم الشمل ولأم المختلفين لإجهاض المخططات الخارجية، لذلك كان ولا يزال وسيبقى بري هدفاً لكل العاملين على إسقاط الهيكل اللبناني.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى