الحروب المخفية… سلاح فيروسي
} فاديا مطر
لا تزال سيدة الحروب في العالم تستنفر كلّ جهودها في حروب العسكرة والتهجير ونشر الإرهاب وغيرها من أنواع الحروب التي تعوّم سياستها كوسيلة لتغيير موازين القوى مع المناوئين لها، ولكن انتشار الفيروسات التي اجتاحت بعض الدول في ما مضى وما يحدث في الصين المنافسة للولايات المتحدة الأميركية حالياً، اعتبرته بعض الأوساط السياسية لا يبتعد كثيراً عن مجريات حرب الاقتصاد والعسكرة المنتشرة في العالم من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
فقد اتهم رئيس الحزب الليبرالي وعضو مجلس الدوما الروسي فلاديمير جيرينوفسكي عبر موقع «سيفيتبريس» الروسي في 26 كانون الثاني الماضي الولايات المتحدة الأميركية بالوقوف خلف خلق ونشر فيروس «كورونا» في الصين وعبر العالم، لدوافع اقتصادية تجاه الصين وعدم القدرة على مجاراة الاقتصاد الصيني.
وقد كانت الحرب البيولوجية والجرثومية أحد أهمّ الحروب التي ضلعت فيها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا عبر التاريخ القديم والحديث من حروبهما، فقد قامت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بتجربة فيروس «الجمرة الخبيثة» في العام 1943 في جزيرة «جيرنارد» الإسكتلندية بعد التوقيع في العام 1925 على معاهدة جنيف لمنع إستخدام الغازات السامة والبكتيريا خلال الحروب، وهو الشكل الذي استمر في الولايات المتحدة عبر تكثيف الأبحاث الجرثومية والبيولوجية في مختبرات سرية تتحفظ واشنطن حتى على ذكرها في الصحافة والإعلام، وفي العام 1969 قامت الولايات المتحدة الأميركية بإعلان وقف التجارب البيولوجية والجرثومية من طرف واحد في محاولة للضغط على الإتحاد السوفياتي آنذاك للتوقيع على معاهدة وقف التجارب وتطوير الأسلحة البيولوجية كخطوة استباقية تخفي وراءها واشنطن اهتمامها بتلك الأبحاث، فهي أسلحة أقلّ تكلفة وتعقيداً من تطوير الأسلحة العسكرية وتقنياتها المكلفة، وهي صعبة الكشف وسريعة الإنتشار والفاعلية، فالولايات المتحدة صاحبة سجل حافل في استخدام الحرب البيولوجية ضدّ البشر بحسب ما كشفت بعض المصادر الصحافية الأميركية في عام 1979 ومنها صحيفة «واشنطن بوست» بأنّ واشنطن استعملت الأسلحة البيولوجية بعد التوقيع على المعاهدة التي تمنع هذه الأسلحة في العام 1972، والتي كانت قد استعملتها في الحرب العالمية الثانية وما بعدها، مستخدمة بذلك الأبحاث التي تعنى بالهندسة الوارثية البشرية وتطوير فيروسات تصيب الحروب بداخلها ليس فقط العسكري بل البشري أيضاً، هذا وقد كانت الوكالة الرسمية الهندية قد ذكرت في العام 1981 أنّ هناك معلومات تفيد بوجود تجارب جرثومية أجرتها وحدات تابعة للجيش الأميركي في محيط مدينة لاهور الباكستانية، وقد لاقت تلك المنطقة أمراضاً مجهولة أدّت الى وفيات مبهمة السبب، فقد نشرت سابقاً صحيفة «نيويورك تايمز» في العام 1984 تقريراً عن رغبة الرئيس الأميركي رونالد ريغان والمحافظين الجدد في عهده بتطوير السلاح البيولوجي والجرثومي بعيداً عن الإعلان عنه بحجة مساسه بالأمن القومي الأميركي وحفاظاً على سرية تلك الأبحاث، وتابعت الإدارات الأميركية المتعاقبة تطويرها لتلك الأنواع من الحروب التي كان الباحث الأميركي وإستاذ القانون الدولي فرانسيس بويل واضع مسودة قانون مكافحة الإرهاب حول السلاح الكيماوي قد قدّم شكوى ضدّ الرئيس الأميركي جورج بوش والسيناتور الأميركي ديك تشيني كمجرمي حرب بعد خروج عدد من مؤلفاته عن السلاح الكيماوي والبيولوجي الأميركي إلى العلن، وكانت بعض تسريبات أبحاث البرفيسور الأميركي جارث نيكلسون تحدثت عن استعمال واشنطن أنواعاً جرثومية في العام 1991 في حرب الخليج والتي أصابت بعض الجنود الأميركيين بعوارض إصابات عصبية ودموية وقد تمّ التكتم عليها بداخل القيادات الأميركية لعدم إنتشارها ووصولها للمساءلة لحماية الأمن القومي الأميركي، فالحرب الجرثومية التي طوّرت منها واشنطن وبعض الدول الأوروبية والكيان الصهيوني نسخاً متطوّرة لا تحتاج الى منظومات إطلاق ولا إلى قواعد مجهّزة بمعلومات عسكرية ولوجستية، باتت الحرب البديلة عن استعمال الخيارات العسكرية التي لا تتيح التوغل والسيطرة في مناطق من العالم التي ترى واشنطن وحلفاؤها ضرورة ملحة لتكون فيها، وقد شهدت العراق أمثلة كثيرة بعد احتلالها في العام 2003 وسيطرة الجيش الأميركي عليها، وما تزال الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية تعمل على تجنيد تلك الأنواع من الحروب بغية فاعليتها في مشاغلة الدول التي تحاربها ولفت نظرها عن الحرب الحقيقية والتفرّغ لمكافحات الفيروسات التي تقودها «الحروب المخفية».
هنا لا يقف كلام رئيس الحزب الليبرالي الروسي موضع «مجرد كلام» بعد تصريح الاتهام للولايات المتحدة، بل هناك وراء كلّ دخان نار بحسب ما تتابعه مراكز الأبحاث والدارسات التي تناوئ واشنطن في حروبها المخفية أو المستعارة، فهل سيتقدّم الحديث عن تطورات بعد تمكن الصين من إيجاد حلول جذرية لمكافحة الفيروس فيها؟ وهل ستتقلب الأيام القادمة عن تكشف من كان ولا يزال يقف خلف هذه الحروب المبيدة في الصين وغيرها؟ هو ربما يكون سبباً مضافاً لجملة أسباب تنامي الحرب العسكرية والإقتصادية التي تعترض طريق واشنطن عبر كلّ بقع حروبها في العالم.