عروض لبننة الفراغ: جعجع مقابل رحمة إلا إذا حسمها المستقبل لعون أو الجميّل! بري: الأربعاء يوم الحشر وكشف النوايا
كتب المحرر السياسي
القصف الجوي لمواكب مسلحة هاربة من سورية باتجاه الأردن، بعدما كان قد سهّل مرورها بالاتجاه المعاكس، والحسم النهائي لإحالة أمير الاستخبارات السعودية وقبطان سفينة الحرب على سورية وإيران بندر بن سلطان إلى الاستيداع، وتكريس الخروج من تحت العباءة «الإسرائيلية» في التعامل مع الحرب على سورية بوهم النصر القريب، والاكتفاء بالتموضع سعودياً وأردنياً في خانة أميركية منفتحة على المتغيّرات ولغة التفاوض، تعابير عن حاصل التوازنات الإقليمية والدولية التي ستتظهّر أكثر فأكثر مع قادم الأيام، كما تفيد تقارير «البناء» الواردة من العواصم الصانعة للسياسة في المنطقة والعالم، لينعزل الصوت الفرنسي تدريجاً كصوت نشاز عاجز عن استيعاب السياسة، لعقل خشبي أدار برمجته المنتمية لحقبة الخمسينات لحساب مشاريع استعمارية في القرن الواحد والعشرين.
الزبداني وحمص تترجمان القراءة الواقعية للقيادة السورية للمتغيّرات وللزمن الأوكراني الحاكم للسياسة، حيث يتجه الجيش السوري إلى التزاوج بين الضغط العسكري الجدي والحاسم مع التفاوض الذي يتوقع المتابعون عن قرب أن تظهر نتائجه قبل يوم الأحد في كليهما.
في الشمال السوري يتصرّف الجيش وفقاً لمعادلة تثبيت زمام المبادرة بين يديه بعد امتصاص اندفاعة المسلحين الوافدين، الذين يشكلون آخر دفعات الجنون التركي، والتعامل بمقدار من الهدوء سمح له بفتح طريق حلب دمشق وتأمين المحروقات والتموين للمدينة، والسيطرة على مجريات القتال في محاور حلب وريفها ومحيط كسب.
لبنان المرتبك بغياب ساعة التوافقات والتفاهمات وكلمات السر المعتادة، يملأ الوقت الضائع بلبننة الفراغ الرئاسي حتى الآن، حيث يتفنن الجميع بملء عروض المرحلة التي تسبق صناعة الرئيس العتيد.
رئيس مجلس النواب نبيه بري حدّد الأربعاء المقبل موعداً لأول جلسة لانتخاب الرئيس وفقاً لصلاحياته الدستورية، بعدما كانت مصادر مقربة منه تتحدّث عن تحديد الأربعاء الذي يلي أيّ الثلاثين من الشهر الجاري وفقاً لروزنامته المقدرة لمناقشة سلسلة الرتب والرواتب، لكنه وفي ضوء تطورات جلسة السلسلة التي حدّدت مهلة خمسة عشر يوماً للجنة المراجعة، ما يعني افتراضاً أن يكون الأربعاء المقبل موعداً ممكناً للعودة إلى السلسلة، وما يعني أيضاً أن لا شغل للمجلس فيها في الأربعاء المقبل، لكن ما يعني قبل هذه وتلك أنّ المستعجلين في الحسابات الرئاسية على حساب التشريع يستحقون من يقول لهم تفضلوا لنلعبها مكشوفة وليكشف كلّ أوراقه بدلاً من المناورات السرية، فإذا كانت الوعود الرئاسية تجمّد السلسلة فقد آن أوان تظهيرها إلى العلن، وهذه هي فرصة كشف مصداقيتها قبل أن تطيح ما هو أهم من السلسلة.
وفقاً للمصادر نفسها يقول بري أمام زواره: «الأربعاء هو يوم الحشر وكشف النوايا» فمن يريد تطيير النصاب سيظهر، ومن لديه وعود بمنحه أصوات كتل ونواب سيكتشف الحقائق من المناورات.
السؤال الرئيسي عن سيناريو الأربعاء يبدو في شأن النصاب محسوماً لصالح حضور غالبية نيابية تقارب الإجماع، حيث يتوقع حضور أكثر من مئة وعشرين نائباً لتكون الجولة الانتخابية الأولى تمريناً على فرصة انتخاب رئيس بغالبية الثلثين، وهو خيار يبدو مستحيلاً بالنسبة لمؤيدي المرشح سمير جعجع، وممكناً بالنسبة للعماد ميشال عون الذي سيضع تفاهمه مع تيار المستقبل على المحك، ليتسنّى له من دون أن يعلن ترشيحه تقييم حدود اللعبة الرئاسية، التي تقول مصادر مقربة منه أنها لا تستهويه بذاتها إذا كان ثمنها التحوّل إلى سياسي تقليدي يبيع ويشتري، فأمام رئيس تيار المستقبل فرصة لترجمة ما عبّر عنه للعماد عون من نية بتكريس أعراف ميثاقية بعيداً عن اللعبة السياسية، تقوم على تولي الأكثر قوة في التمثيل الشعبي والنيابي ضمن طوائف الرئاسات الثلاث هذه الرئاسات، لإنشاء استقرار ميثاقي يؤمّن للدولة بعداً تمثيلياً يسمح للتوافقات التي قد تحتاج وقتاً للولادة لكنها ستسلك طريق التنفيذ بمجرّد بلوغها، بينما كلّ بديل آخر مصطنع بقوة الأصوات النيابية المجيّرة من طائفة لانتخاب منصب محسوب لطائفة أخرى، لن ينتج إلا اللاإستقرار.
رئيس المستقبل سعد الحريري مضطر إلى كشف نواياه تجاه العماد عون، كما تجاه الرئيس السابق أمين الجميّل، الذي تقول مصادره إنه مرشح دائم للرئاسة من دون أن يترشح، ويقول وزيره سجعان قزي أنّ المهم أن تختار كتلة الرابع عشر من آذار من يستطيع جلب أصوات كافية من خارجها لتوفير فرص الفوز، في إشارة واضحة للدعوة إلى استبعاد تبني ترشيح جعجع المحسوم فشله بكسب أيّ صوت من خارج الرابع عشر من آذار، هذا إذا ضمن تصويتاً كاملاً من داخلها، والدعوة الكتائبية واضحة لصالح تبنّي ترشيح الجميّل الذي بيده وعد من النائب وليد جنبلاط بدعم وصوله إلى الرئاسة إذا حاز الترشيح الرسمي لأصوات الرابع عشر من آذار، لكن تبنّي ترشيح الجميّل الذي يبدو مستحيلاً بالنسبة لتيار المستقبل تجاه الجولة الأولى، التي تبدو محسومة ولو من باب إبراء الذمة تجاه جعجع، يبقى وارداً للجولة الثانية، خصوصاً أنّ ترشيحه للجولة الأولى لا يحقق له الفوز الذي يحتاج إلى ثلثي أعضاء مجلس النواب، بينما وجود فرصة تحقيق غالبية نيابية تدعم ترشيحه يجعله مرشحاً محتملاً للجولة الثانية.
إذا سارت الأمور كما هو متوقع فجعجع سيحظى بترشيح الرابع عشر من آذار، والعماد عون لن يعلن ترشيحه، ولن يطلب التصويت له في الجولة الأولى إلا إذا ضمن تصويت تيار المستقبل خلال اتصالات الأيام التي تفصلنا عن الأربعاء.
من سيقابل جعجع من طرف الثامن من آذار ما لم يكن مطلوباً منح الأصوات إلى العماد ميشال عون؟ طالما أنّ الوزير سليمان فرنجية لن يقبل بطرحه للمناورة السياسية خصوصاً في وجه جعجع، وضرورة أن تتقدم الثامن من آذار بمرشحها؟
ترجح مصادر في الثامن من آذار أن ترتفع أسهم ترشيح النائب أميل رحمة للجولة الأولى مقابل جعجع، وهو القاسم المشترك بين العماد عون والوزير فرنجية، متوقعة أن ينال رحمة أصواتاً تفوق الأصوات التي سيحصل عليها جعجع.
تساؤلات حول تطيير السلسلة
أما داخلياً، فعلى رغم انتقال الملفّ الرئاسي إلى واجهة الاهتمامات الداخلية مع تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة الانتخاب الأولى يوم الأربعاء المقبل، إلا أن الهمّ الحياتي الاجتماعي بقي الأول عند معظم اللبنانيين، خصوصاً الفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود، انطلاقاً من «التهريبة» التي لجأ إليها بعض الكتل النيابية في جلسة مجلس النواب أول من أمس، وأدت إلى تعطيل إقرار سلسلة الرتب والرواتب بل إدخالها في المجهول، لا سيما في ظل التحالف الواضح بين بعض السلطة والنافذين وأصحاب الرساميل والمصارف والشركات الكبرى. بحيث أظهر هذا التحالف الإصرار على استمرار الاحتكارات وسرقة أموال اللبنانيين، والتمنّع عن أجزاء بسيطة من الأرباح الخيالية لهؤلاء.
لا بل إن ما حصل في مجلس النواب من تحالف هجين ضد المعلمين والموظفين والعسكريين سينعكس من دون شك على الاستحقاق الرئاسي لناحية إدخال البلاد في مزيد من التعقيدات والانقسامات، ما سيصعّب من إمكان الوصول إلى توافق حول شخص الرئيس الجديد، على رغم أن التحالف الذي ظهر ضد إقرار السلسلة وفي الحد الأدنى بين بعض أطرافه له علاقة بالانتخابات الرئاسية.
هيئة التنسيق تضرب وتتوعد بالتصعيد
وقد ردّت هيئة التنسيق النقابية على المماطلة والتسويف التي دُفعت إليها جلسة مجلس النواب أول من أمس بتنفيذ إضراب عام في القطاع التربوي الرسمي والخاص وفي الإدارات العامة، وإن كانت لم تلتزم المدارس الخاصة كلّها بالإضراب. ونفذت الهيئة اعتصاماً قبل ظهر أمس، أمام وزارة التربية في الأونيسكو واعتصاماً ثانياً بعد الظهر في رياض الصلح. وألقيت خلال الاعتصامين كلمات نددت بالمنطق التسويفي الذي لجأ إليه بعض الكتل النيابية وتحالفها مع أصحاب الرساميل الكبرى والاحتكارات. وفنّد رئيس الهيئة حنا غريب في كلمته بالأرقام الأرباح الخيالية التي تجنيها المصارف والشركات والريوع العقارية والشركات المضاربة كلها، ما ينسف مزاعم كل أصحاب هذه الاحتكارات.
كذلك نُفّذت اعتصامات في الأقضية والمحافظات كلها تنديداً بتغيير السلسلة.
وهددت هيئة التنسيق بالذهاب نحو الإضراب المفتوح والتظاهر ومقاطعة الامتحانات بعد الأعياد إذا لم يُصَر إلى بتّ السلسلة سريعاً من دون إنقاص في الحقوق.
شكوك حول مهلة الـ15 يوماً
وقد شككت مصادر وزارية بأن تتمكن اللجنة النيابية التي جرى التوافق عليها بين الكتل التي طيّرت الجلسة العامة من فعل أي شيء خلال إعادة درس السلسلة في مهلة الـ15 يوماً التي أعطيت لها. وأوضحت أن نصف المهلة ستكون عطلة الأعياد بينما سينهمك مجلس النواب بعد العطلة بالاستحقاق الرئاسي، ما سيؤدي إلى ترحيل السلسلة إلى العهد الجديد في الحد الأدنى، ولاحظت المصادر أن لجوء الكتل النيابية إلى طلب مهلة الأسبوعين غير منطقي، بل إن هذا القرار من شأنه أن يحمل الكثير من المخاطر ليس على السلسلة فحسب، بل على الوضع الداخلي أيضاً لناحية إدخال البلاد في أزمة اجتماعية مفتوحة، خصوصاً أن هيئة التنسيق وكل المعنيين بالسلسلة ذاهبون نحو التصعيد والإضرابات المفتوحة.
السلسلة تخيّم على جلسة مجلس الوزراء
وفي السياق ذاته، عقدت جلسة مجلس الوزراء أمس على وقع الإضرابات والاعتصامات التي نفذتها هيئة التنسيق النقابية. فأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أن «السلسلة حق ويجب إسهام الجميع في حمايته»، لكنه رأى أن ما حصل من تعديلات عليها في اللجان النيابية «أربك السلسلة وأرهقها». وقد ردّ رئيس لجنة المال النائب ابراهيم كنعان على سليمان مؤكداً «أن المشروع كما أحيل من الحكومة كان مسخاً عجيباً يتضمن نقصاً فاضحاً بالإيرادات وخطأ جسيماً في النفقات».
وزير التربية يحذّر من الخطر على الامتحانات
وعصر أمس، اجتمع وزير التربية الياس بو صعب مع وفد هيئة التنسيق، إذ أكد الوزير بوصعب «ضرورة حل موضوع السلسلة خلال الأسبوعين المقبلين، وإلا سيكون هناك خطر على العام الدراسي والامتحانات الرسمية. بينما شدّد رئيس الهيئة حنا غريب على أن «لا تفاوض على الحقوق، وأن هناك إضراباً كبيراً في 29 الجاري إذا لم تقرّ السلسلة».
دعوة بري إلى جلسة الانتخاب تسرّع الاتصالات
أما على صعيد الاستحقاق الرئاسي فقد بادر الرئيس بري أمس، كما وعد فور الانتهاء من الجلسة التشريعية إلى الدخول في الاستحقاق، داعياً إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ظهر الأربعاء المقبل. ومن المنتظر أن تسرع هذه الدعوة في حركة الاتصالات والمشاورات على غير صعيد، أولاً تحضيراً للجلسة المقررة وثانياً لرسم الحسابات السياسية والانتخابية لهذا الاستحقاق.
ووفق مصادر مقربة من رئيس المجلس فإنه انطلق بالدعوة التزاماً بما أكده سابقاً ـ وهو الدعوة إلى الجلسة قبل نهاية الشهر الجاري. وأضافت المصادر أنه في ضوء المشاورات والاتصالات التي أجرتها لجنة التواصل التي كلفها الاتصال بالكتل النيابية والمرجعيات، فمن المتوقع أن يتأمّن نصاب الثلثين في الجلسة الاولى، غير أن ذلك مستبعد في الدورة الثانية لأسباب تتعلق بالتحالفات الانتخابية والسياسية وعدم التوافق على مرشح واحد.
والجدير بالذكر أن الرئيس بري شدد على لبننة الاستحقاق الرئاسي، ودعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى انتخاب رئيس الجمهورية «صنع في لبنان»، لكن المعطيات المتوافرة تفيد أنه لن يتمكن أحد من المرشحين المحتملين من الحصول على ثلثي أصوات مجلس النواب، خصوصاً أن هناك عدداً من المرشحين المتنافسين. وفي حال لم يتأمن النصاب في الدورة الثانية في الجلسة فإن الرئيس بري سيدعو إلى جلسة ثانية بعد فترة قصيرة وسيكرر ذلك حتى انتخاب رئيس جديد.
خطوة استعراضية جديدة لجعجع
وفي هذا الإطار، لجأ رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى خطوة استعراضية أمس، سعياً لفرض أمر واقع على حلفائه في «14 آذار» من خلال عقد مؤتمر صحافي في معراب أعلن فيه برنامجه للانتخابات الرئيسية.
وفيما اجترّ جعجع بعض البديهيات في ما يتعلق بمسار الدولة إلا أنه حاول إعطاء نفسه بعض الخصوصية بقوله: «إن المرحلة التي نمر بها لا تحتمل أنصاف الحلول ولا أنصاف رؤساء»، مهاجماً من وصفهم بـ»الوسطيين». وألمح إلى موضوع سلاح المقاومة، مكرراً معزوفته حول «حصرية السلاح بيد الدولة»، لكنه تناسى بالكامل أطماع العدو «الإسرائيلي» وعدوانه ضد لبنان وباقي الدول العربية، إذ لم يأت ولو بكلمة واحدة عن «أطماع «إسرائيل» وعدوانيتها»، وتناسى ما قامت به المقاومة من تحرير ليس للجنوب فحسب، بل لكل لبنان من الاحتلال «الإسرائيلي» وهيمنته».
الغياب النيابي صدمة لرئيس «القوات»
وفيما لاحظت مصادر متابعة أن الحضور اقتصر بمعظمه على المحازبين وبعض المدعوين من داخل البيت، قالت إن مشاركة بعض نواب كتلة «المستقبل» لم يضفِ الهالة التي كان يريد رئيس «القوات» أن يعطيها لمؤتمره الصحافي، إذ كان يأمل حضور عدد كبير من النواب من «المستقبل» وحلفائه في «14 آذار» لكن هذا الحضور القليل من النواب مثّل صدمة كبيرة له، بما في ذلك غياب نواب الكتائب وآخرين.