مدارات تركيا بين بوتين وبايدن… تجديد للقناعات أم رفد للمسارات السياسية؟
خضر سعاده خرّوبي
تراوح تركيا في هذه الأيام بين الضغوط والإغراءات، ويركز المراقبون على زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن باعتبارها جزءاً من حملة الضغوط عليها لتغيير موقفها من محاربة «داعش» ودفعها إلى مشاركة ودعم حملة «التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب».
في الدوائر المغلقة، هناك من تكلم عن لهجة توبيخ أميركية كانت وراء الصرخة الجنونية لأردوغان في وجه بايدن. توبيخات جلها يعود إلى حقيقة أنّ تركيا باتت كثيراً ما تعترض من دون أن تنفذ، وآخر فصول اعتراضاتها لواشنطن، هو عدم موافقتها على المشاركة في جهود التحالف المذكور. فالأميركي، بحسب مراقبين، وبعد إعطاء الآجال الممدّدة والممتدة للحليف التركي لسنوات خلت، من دون أن ينجح في تحقيق المراد منه على الأرض السورية، لم يعد مقبولاً لديه أن يكلمه التركي كـ»حليف» أو كـ «شريك قرار»، وهو يعود تدريجياً إلى طريقة الإملاءات، التي كثيراً ما يُعامل بها من يصفهم بـ «الحلفاء والشركاء»، تحت ضغط حراجة المرحلة والحاجة إلى التخفيف من «الأخطاء القاتلة» التي راهن عليها الأميركي وضرب بها، عبر حلفائه، في سورية.
ومع العلم بأنّ الولايات المتحدة شكلت القاطرة لكلّ ما جرى وما زال يجري هناك، فقد سمعنا كلاماً في فترة سابقة، ومن نائب الرئيس الأميركي بايدن نفسه، يحمّل فيه الأتراك مسؤولية انتعاش الإرهاب على امتداد المنطقة، مشيراً إلى ما اعتبره عدم انضباط أنقرة في ضبط حدودها.
فشلت تركيا وسواها من القائمين على «المخطط الجهنمي» في سورية، وهؤلاء لم يتمكنوا طوال أعوام ثلاثة وما يزيد في إثبات أنهم «حلفاء موثوقون» لواشنطن، إذ تُسمع في الكواليس الأميركية هذه الأيام مقولة: «خاب الرهان مجدّداً على الحلفاء». رهان خائب يذكِّر بآخر إبّان العدوان «الإسرائيلي» على لبنان صيف عام 2006 لضرب المقاومة.
لا جديد إذا قلنا أنّ محور «أعداء سورية» يقف في الوقت الراهن على أرض غير صلبة ويغوص في جدال محوره تقاذف الاتهامات بشأن المسؤولية عن الفشل الذريع و«التنبؤات الواهمة» حول ما أرادوا من خلاله إسقاط الدولة والدور السوريين، فكانت النتيجة أن انقلب السحر على الساحر في لعبة الإرهاب. فالأتراك يريدون جرّ الجميع خلفهم إلى التحرك في سورية، فيما يلحظ الأميركيون لدى حلفائهم في أنقرة تناقضاً واضحاً بين التصريحات والسياسات، ويتهمونهم ودول الخليج بعدم الكفاءة في اللعب بـ»ورقة الإرهاب». في حين تعكف الأخيرة على انتقاد الطرفين، لا سيما الأميركي واتهامه بـ»التردّد» و«عدم الجدية»، وهي توصيفات كثيراً ما سمعناها في أعقاب تراجع الرئيس الأميركي باراك أوباما عن ضرب سورية صيف عام 2013.
على ما يبدو، فإنّ الإدارة الأميركية لا تتقبل فرض الشروط من تركيا ولا تقبل لها أن تغرد خارج السرب الغربي والأطلسي، وهي تتخوف من « النفَس الاستقلالي» الذي يحاول أردوغان أن يتحلّى به من وقت إلى آخر، كما رأينا في قضية النظام الصاروخي الصيني، وسياسة «التصادم المصطنع» مع «إسرائيل». وما زيارة الرئيس الروسي لتركيا إلا استغلالاً لهذا «الفضاء الحر» الذي يحاول الرئيس التركي أن يحفظه لبلاده، وسعياً نحو تقارب في المواقف من بعض القضايا السياسية، تبقيه مصادر ضمن حدود المعقول، فيما يرجحه محللون ضمن دائرة الممكن.
ومن الواضح أنّ الأتراك سمعوا عكس لهجة بايدن المفعمة بالضغوط، خلال زيارة فلاديمير بوتين الذي تحدث بلغة ملؤها إغراءات غازية وخرائط نحو الطريق لتثبيت حلّ سياسي في سورية. ففي ملف الغاز والتعاون الاقتصادي، دشن الرئيسان طموحاتهما عن حجم التبادل التجاري المرغوب فيه لجعله يصل إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2020. أما في ما يتعلق بمدى تقليص حجم الفجوات في المواقف من القضايا السياسية المتفجرة من سورية إلى أوكرانيا، فليس هناك حتى الآن ما يمكن أن يشير، على نحو حاسم، إلى استجابة تركيا سلباً أو إيجاباً، سواء في ما يتعلق بلهجة الضغوط التي سمعتها من بايدن، أو سلة العروض التي حملها بوتين.
وفي مطلق الأحوال، وبغضّ النظر عن السيناريوات المتوقعة لما بعد زيارة الرئيس الروسي أنقرة، فإنّ الأتراك في فم الاختبار مجدّداً لناحية مواقفهم في سورية، لما تراه كل من موسكو وواشنطن «حلاً سياسياً». وإذا ألقينا نظرة بسيطة على خريطة تركيا، سنجد أنها تقع على خطوط تماس بين محورين، وهذا ما يفسِّر كونها تاريخياً محلّ تجاذبات دولية، كما هو واقعها اليوم.