الشعب رهينة السلطة والمصارف ووعود الحكومة
} علي بدر الدين
الإفراج عن البيان الوزاري بصيغته النهائية وتصاعد دخانه الأبيض في جلسة مجلس الوزراء المقرّرة اليوم إذا لم تحصل مفاجآت في الربع الساعة الأخيرة تطير الجلسة والبيان اللذين ينتظرهما اللبنانيون بفارغ الصبر علهم يتنفسوا الصعداء مع أنهم سيتنشقون وعوداً وكوابيس جديدة وأحلاماً مع وقف التنفيذ، مع أنّ البيان الموعود بصيغته الأولية (المسودّة) جرى توزيعه وذاع صيته وتناقلته الألسن ووسائل الإعلام من دون أن يحدث ضجة او صدمة إيجابية يمكن التعويل عليها لمرحلة جديدة من التفاؤل والاطمئنان إلى حاضر لبنان ومستقبله بل ومصيره الذي بات على المحك، كما أنه لم يشكل النقلة النوعية المتوقعة التي قد تقلب الموازين والمعادلات التي أرستها الطبقة السياسية الحاكمة منذ ثلاثة عقود، وما يحصده اللبنانيون من نتائجها الكارثية التي يدفع أثماناً باهظة لها.
إنه بيان وزاري تقليدي ونسخة طبق الأصل عن البيانات الوزارية للحكومات السابقة في الشكل والمضمون من دون نقص أو زيادة، وحتى لا نظلم اللجنة الوزارية التي كلفت بصياغته، فإنّ تعديلات لفظية وتجميلية وبنوداً ووعوداً ورغبات واستراتيجيات أضفت إليه، لا تقدّم ولا تؤخّر وأنها من حواضر “البيت” والمستجدات على أكثر من صعيد والأهمّ الذي كان يجب أن يرد في البيان، لم يحصل حيث خلا من إقرار قوانين موجعة ليس للشعب، بل للطبقة السياسية وحيتان المال وناهبي الأموال العامة والخاصة، والقطاع المصرفي الرسمي والخاص المغطى من شريكته الطبقة السياسية، فأين قوانين الإثراء غير المشروع؟ ومن أين لك هذا؟ ومحاسبة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة والأملاك البحرية والنهرية؟ لماذا لم تجرؤ الحكومة في بيانها الوزاري الذي أعطيَ أكثر من حجمه على فتح أبواب الفساد الموصدة والدخول إلى مغارة علي بابا والحرامية الكثر. هل هو الوفاء لأولياء النعمة في التكليف والتوزير؟ أم هو الخوف من سوط الجلادين الذي لا يزال حامياً ومؤلماً؟ أو لأنّ الجهل لا يزال سائداً ويولد عبودية عمياء لا أمل بشفائها قريباً؟
انّ نصاب جلسة الثقة سيكتمل حتماً والحكومة ستنال الثقة من دون احتساب العدد، مع أنّ موعد انعقادها تأخر لبعض الوقت وقد يكون منتصف الأسبوع المقبل بعد عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري من مؤتمر عمان البرلماني الذي يشارك فيه. والحكومة أساساً، رئيساً ووزراء يمارسون نشاطهم اطلاعاً وجولات قبل نيل الثقة، لأنّ ثقتهم بأنفسهم كبيرة ولا يرتضون بإضاعة المزيد من الوقت وانتظار جلسة الثقة، ورئيس الحكومة تسلم الموازنة وحيداً من حكومة مستقيلة ومن دون مناقشتها مع وزرائه ومستشاريه لأنّ الوقت ثمين ولأنه واثق بالحكومة السابقة وموازنتها وإنجازاتها التي ساهمت بإغراق البلد وتراكم ديونه وإفلاسه.
البيان الوزاري ليس مقدّساً لا يجوز المساس به وليس ملزماً تنفيذه بحذافيره وهذا لم يحصل في أيّ حكومة، لأنه بعد أن تنال الحكومة الثقة تطوى صفحاته ويوضع مع بيانات مماثلة في جوارير الأرشيف أو يخزن في أجهزة الكمبيوتر للمحافظة عليه كإرث حكومي تاريخي ولا تعود له الحياة إلا عندما تستقيل أو تسقط الحكومة في الشارع أو عند الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والنيابية، حيث تحتاجه الحكومة الجديدة للاطلاع والإفادة، أنه في لبنان تحديداً لزوم ما لا يلزم وليس برنامج عمل منظم ويطبق وفق الأولويات، بل هو من عدة تشكيل الحكومة ولا بدّ منه لأنه يخضع لمناقشة ومساءلة الجهابذة من نواب الأمة وإظهار بطولاتهم وحرصهم من على شاشة التلفزة في مسرحية إعلامية هزلية ومزعجة أنه من صناعة مرجعياتهم وأحزابهم، وأنه لا يختلف أبداً عن البيانات الانتخابية المفتعلة من الضوابط السياسية والوطنية والدستورية والقانونية بعد أن حوّلتها الطبقة السياسية إلى أداة طيعة لخدمة مصالحها وإمساكها بقرار السلطة والنفوذ.
هذا النهج المتبع في تشكيل الحكومات حول اللبنانيين الى رهائن ثلاثية فساد الطبقة السياسي وسلطة القطاع المصرفي وإجراءاته الجائرة على المودعين ومصادرة أموالهم، ووعود الحكومة الجديدة التي تطالب والداعمين لها بإعطائها فرصة علها تنجح في فكّ قيود الطبقة السياسية عليها وتحمي اللبنانيين من تذبذب وطغيان قرارات حاكمية مصرف لبنان وأصحاب المصارف وتفرج عن أموال المودعين وتعيد الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية الى الحدّ الأدنى المقبول الذي يرفع كابوس الفقر والجوع والعوز عنهم. إنها آمال معلقة على هذه الحكومة التي وقعت قبل أن تبدأ بفتح الموازنة المهرّبة إليها وكأنها عبء على السلطة لتتخلص منها، وأنّ صمت رئيس الحكومة ووزير المالية حيال إجراءات المصارف والقيود على السحوبات وسداد الديون الذي يحين موعدها قريباً لا تبشر بالخير، ولا تفتح آفاق التفاؤل، لأنّ المشكلة ليست في الحكومة وحدها بل بالطبقة السياسية، التي ما اعتادت على البذل والعطاء، بل على النهب والفساد.
على رئيس الحكومة ألا يقع في المحظور لأنّ المتربّصين بحكومته بهدف إسقاطه بالنقاط والضربة القاضية. وهذا يعني الانزلاق إلى الآتي الأخطر، في ظلّ ما صرّح به رئيس الاتحاد العمالي العام حسن فقيه، من أنّ أكثر من 50% من الشعب اللبناني أصبح تحت خط الفقر وأرقام المهاجرين الى الخارج تتضاعف، والأرقام تشير منذ أسبوعين الى وجود 10 آلاف عامل مصروف من عمله و60 ألفاً خفّضت رواتبهم. وأمل فقيه ألا يدفع الفقراء ثمن السياسات المعتمدة منذ 30 عاماً.