خدمة العلم… سجال حامٍ بين محبّذيها ورافضيها!
تحقيق عادل حاموش
هل يعود العمل بقانون خدمة العلم الملغى في أواخر عام 2004 بعدما نخرت «سوسة» الطائفية المذهبية عقل بعض الشباب اللبناني؟ وهل الجيش جاهز للتنفيذ في حال قرّرت السلطة السياسية إحياءه مجدّداً؟
بعض صفحات التواصل الاجتماعي ومواقعه أيّدت عودة هذه الخدمة، حتى أنّها رفعت شعاراً عنوانه «خدمة العلم حقّ لنا فأعيدوها».
في أواخر عام 2004، عدّل مجلس النواب اللبناني قانون خدمة العلم أو ما يعرف بالتجنيد الإجباري، هذا التعديل شمل تخفيض مدة الخدمة الإجبارية من سنة إلى ستة أشهر، تمهيداً لأن يكون قانون الإلغاء النهائي نافذاً بعد سنتين، ليصبح قانون خدمة العلم مع بدايات عام 2007 بحكم الملغى.
الإلغاء كانت له تبريرات عدّة، من بينها أن خدمة العلم تشكل عبئاً على خزينة الدولة وغيرها من التبريرات.
قيادة الجيش
بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية، توضح قيادة الجيش أنّ إلغاء خدمة العلم كان بقرار سياسيّ، وأنّ إعادة التجنيد الإجباري تكون بقرار سياسيّ أيضاً، مؤكّدةً أنّها على أتمّ الاستعداد للقيام بما تقرّه السلطة السياسية في حال أقرت إعادة القانون، فهي نفذت ما هو أصعب من ذلك وفي أحلك الظروف.
أمّا آراء أهل السياسة والعسكر والمجتمع المدني، فتفاوتت في ما خصّ مسألة التجنيد الإجباري.
شربل
وزير الداخلية والبلديات السابق العميد مروان شربل، رأى أنّ لخدمة العلم منافع عدّة منها الانصهار الوطني والاستعانة بالاحتياط عند الحاجة ككلّ جيوش العالم، لا سيما العربية المحيطة بلبنان. ويقول للوكالة الوطنية للإعلام: «حتى جيش العدو الصهيوني لديه خدمة إجبارية، وجيش احتياطي رديف للأساسي».
ويضيف شربل: «لخدمة العلم حسنات وسيئات، ففي حال لا تستطيع الدولة تغطية التكاليف ـ ولبنان بلد مديون ـ فإن إقرار خدمة العلم سيكون صعباً». وأشار إلى أن فوائد خدمة العلم كبيرة، لأنها تزيد من عديد القوى العسكرية الفاعلة، إن في الجيش أو في القوى الأمنية الأخرى. ولا شك أنها لو طبقت فهي مهمة جداً، لكن إلغاءها في تلك الايام اعتمد على بعض السلبيات المتمثلة بأن المواطن أو الطالب الذي يريد أن يؤدّي خدمة العلم، سينقطع سنة كاملة عن الجامعة أو المدرسة، واعتبر البعض أنه لا يستطيع أن يلتحق بالوظيفة التي يريدها، وكانت هناك إشكاليات أخرى أدّت إلى إلغاء هذه الخدمة.
وأعلن شربل إلى أن خدمة العلم المعتمدة في البلاد تستدعي زيادة تسليح الجيش والاعتماد على التقنيات الحديثة التي أدّت إلى الاستغناء عن الكثير من الأمور اللوجستية. فمثلاً سلاح الطيران تطوّر وأصبح دور الطائرات من دون طيار يؤدّي عمل الطائرة مع طيار.
وأكّد شربل أنّ تسليح الجيش اللبناني أهم بكثير من زيادة عديده، فخدمة العلم تزيد العبء على الموازنة، والأفضل تأمين السلاح النوعي، ثمّ زيادة العديد والاحتياط.
وعمّا أشيع أنه بدلاً من تخصيص موازنة لتمرين حوالى 22 ألف متطوّع لخدمة العلم، فلتصرف الاعتمادات لتطويع ثمانية آلاف جندي، قال شربل: «إن كانت لدينا القدرة المالية، ولا ينعكس الأمر على موازنة الدولة، فإن التطويع وخدمة العلم يتكاملان، خصوصاً أنّ لخدمة العلم أهمية في تحقيق الانصهار الوطني. فالجيش من خلال هذه العملية يخلق نوعاً من الاحتكاك بين الفئات الشبابية من مختلف الأطياف الدينية والمذهبية، ما يعزّز الوحدة واللُحمة بين أبناء الشعب اللبناني.
ويقول شربل: «أحبّذ أن يتطوّع العنصر ويبقى موجوداً في الخدمة الفعلية لمدة طويلة لا لسنة واحدة فقط، وأن يبقى متابعاً التدريبات المستمرة والتعرّف إلى مرؤوسيه وعناصره. هنا، تكون خدمته أنجح من أن يخدم لسنة، ثمّ ينقطع لمدة زمنية طويلة ليعود يوماً ما ويُستَدعى للاحتياط، حينذاك تبرز تكاليف وأعباء جديدة لجهة إعادة تأهيله وتدريبه ليتأقلم مع الحياة العسكرية. أما إذا استطعنا تحقيق التطوّع وتعزيز الاحتياط عبر خدمة العلم، فهذا أمر جيّد جدّاً، ولكن إن لم نستطع فيكون اللجوء إلى التطويع ضمن الإمكانيات المتوفرة. والأهم من كلّ ذلك تسليح الجيش بأسلحة نوعية وتكنولوجيا متطوّرة ما يؤمّن الاستغناء عن أعباء العددية».
وشدّد شربل على التنسيق بين الأجهزة الأمنية كضرورة لتقاطع المعلومات لننتقل إلى مرحلة العملية الاستباقية لضرب مخطّطات الإرهاب والقضاء عليه.
صالح
أمّا عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب عبد المجيد صالح، فرأى أنه بخدمة العلم يتعزّز الجيش اللبناني، وبذلك يصان الداخل كما الحدود، خصوصاً في هذه المرحلة العصيبة التي يمرّ بها لبنان، لا سيما مع تقاطع الخطرين التكفيري والصهيوني.
وقال: «إننا اليوم بأمسّ الحاجة الوطنية لإعادة العمل بقانون خدمة العلم وإحيائها، لأن المخاطر التي تتهدّدنا في وطننا جسيمة، ولا تحارَب إلّا بوحدتنا».
وأوضح أنّ خدمة العلم حالة انصهار وطني تساعد الجيش أكثر من التطويع، وللأسف في لبنان التطويع يتأخر نظراً إلى وجود معاناة ومشكلات وتقسيمات ومحسوبيات. أما التجنيد الإجباري فلا يخضع لهذه التعقيدات والروتين الإداري.
وقال: «عادةً، تعتبر خدمة العلم ضريبة من ضرائب الأوطان وعلى جميع المواطنين أن يبذلوا الجهود لحماية الوطن. واليوم، في المرحلة الخطِرة التي نعيشها في لبنان، وتقاطع الخطرين الصهيوني والتكفيري، وتعاظم أطماعهما، فإننا بأمسّ الحاجة لتعزيز بنيان الجيش اللبناني، وأفضل وسيلة لذلك تكمن في خدمة العلم».
ورأى صالح أنّ هناك محاولة لضرب الجيش، لأنه، وعلى رغم قلة عديده وعتاده، انتصر في غالبية المعارك التي خاضها، فهو جيش مقدام ويحتل المرتبة الرابعة بين الجيوش العربية المحترفة. مؤكداً أنّ حماية الجيش تتكلّل بتعزيز جهود الشباب وانصهارهم حوله. فالجيش اللبناني بنيته العائلة الوطنية الواحدة.
وقال: «كان للرئيس العماد اميل لحود الفضل في إعادة بناء ألوية الجيش ودمجها، وقد حضّ أولاده على أن يخضعوا لخدمة العلم. من هنا، فإن الدعوة إلى عودة خدمة العلم، هي من أجل صون الوطن».
وختم صالح قائلاً: «للجيش عقيدة قتالية وثقافية عالية، وعلينا تقويته، وإعادة خدمة العلم تزيد من قوّته». معتبراً أنّ الأكثرية الساحقة مع هذا الطرح وتؤمن بأنّ قوّة لبنان في قوّته لا في ضعفه.
زهرمان
عضو كتلة «المستقبل» النائب خالد زهرمان، رأى أنّ لخدمة العلم دوراً رئيساً في ظل الانقسام الحاصل في لبنان. وقال: «الأهم من خدمة العلم أن تكون هناك تربية وطنية شاملة في المدارس، وعلينا البحث عن حلول أخرى، فبدلاً من أن تكون مدة خدمة العلم سنة فلتكن لستة أشهر مقسّمة على عطلتين صيفيتين كي لا تتأثر السنة الدراسية للطالب أو عمل المواطن. أنا في المبدأ مع خدمة العلم، مع الأخذ في الاعتبار آلية أخرى لا تكون عائقاً أمام الشباب». معتبراً أنّ خدمة العلم خطوة من الخطوات لترسيخ الوحدة الوطنية.
يعقوب
النائب السابق حسن يعقوب، أسف لأنّ عملية التفرقة والفتن والخلافات المذهبية في أوجّها في هذه المرحلة. وأكّد أنّ خدمة العلم مفتاح أساس للتقريب بين أبناء الوطن وصهرهم في بوتقة وطنية واحدة تحت علم لبنان وأرزة الجيش اللبناني.
واعتبر أنّ فكرة إعادة خدمة العلم في هذه المرحلة ممتازة جدّاً، وأن إلغاء هذه الخدمة في الأصل كان خطأً كبيراً وربما يندرج في إطار ما وصلنا إليه الآن من تفرقة بين مكوّنات الشعب اللبناني.
وقال يعقوب: «إنّ الشباب الفتيّ أحوج ما يكون في هذه المرحلة إلى تعبئة وطنية موحِّدة، وإلى خطاب جامع. وتستطيع مؤسسة الجيش اللبناني من خلال خدمة العلم أن تثقّف أبناء الجيل اللبناني الصاعد. وطبعاً هذا يفيد في تخفيف الأعباء عن الموازنة التي تتكبّد التكاليف العالية للقوى الأمنية. أما خدمة العلم فهي غير مكلفة وتسدّ ثغرة عديد العسكر الذي يحتاج إليه الجيش».
وأكّد يعقوب أنّ عودة خدمة العلم مسألة مهمة وضرورية في وقتنا الحاضر، وتخلق بوتقة وطنية واحدة بعيداً عن المذهبية والطائفية التي تعمل كل القوى المعادية للبنان على خرقها ونشرها في الداخل اللبناني. وقال: «أمّا الذين يطالبون بعملية تخفيف الأعباء المالية عن الموازنة بإلغاء خدمة العلم فهم مخطئون، نحن تابعنا من خلال لجنة الدفاع والداخلية حسابات كثيرة تؤكّد أنّ الأعباء التي يتكبّدها لبنان في ما يتعلّق بخدمة العلم قليلة جدّاً، مقارنة مع فعاليتها وتأثيرها وسدّها ثغرات كثيرة وكبيرة على مستوى عديد الأمن والجيش مقارنة بالتطويع، لأنّ خدمة العلم لا تتطلب تعويضات ولا ترتّب على الخزينة أيّ أعباء لاحقة تؤثّر في وضع الموازنة».
وكرّر يعقوب دعوته إلى إعادة إحياء خدمة العلم لأنّها مهمة للأجيال الصاعدة، وهي الوجه المعاكس لمؤامرة الفتنة القائمة في لبنان.
آراء عسكرية
عسكرياً، كانت الآراء متفاوتة بين عدد من الضباط المتقاعدين بالنسبة إلى إعادة خدمة العلم ، منهم من رأى أنها تجربة فاشلة، وآخرون لمسوا فيها ضرورة وطنية، ومنهم من ابتدع حلولاً جديدة.
وبرّر من يرى أن التجنيد الاجباري «تجربة فاشلة»، بأن ذلك يزيد من الواسطات والمحسوبيات، فيما اعتبر متقاعد آخر أنّ المهم أن تكون «النيّة سليمة»، والتجنيد السياسي أهم من الصواريخ العابرة للقارات.
أحد الضباط المتقاعدين رأى أنّ التجنيد الإجباري في وطن ولاء ابنائه لطوائفهم قبل وطنهم، يصبح مدمراً لهذا الوطن، وأكبر مثال ما حصل عام 1973 عند فرض التجنيد الاجباري، وعام 1975 عند اندلاع الحرب الأهلية. «ومن استلم المسؤوليات العسكرية من جميع الأطراف كانوا ممن خدموا في التجنيد الاجباري».
ويقول ضابط متقاعد آخر: «أنا مع خدمة العلم بالتساوي والمساواة بين المواطنين وبأعمار مختلفة، كي لا تكون عائقاً أمام طموح الطلاب الذين يتابعون دراستهم، ولمهلة زمنية تحدّدها المؤسسة العسكرية وفقاً لحاجاتها والامكانيات المالية المتاحة، وببرنامج تدريبي يسمح بدمج الطبقات اللبنانية كافة حول فكرة الوطن والجيش والولاء، لكي تتحرّر الأجيال الجديدة من الأفكار المخزية والعقليات التي ورثوها منّا نحن الآباء والأجداد، وبذلك تكون النتائج مشرقة لا تشبه نتائج خدمة العلم في ما مضى من محسوبية وطائفية وغيرها».
ضابط متقاعد آخر، لفت إلى كثرة الحديث في الآونة الاخيرة عن إعادة خدمة العلم التي ألغيت تحت الضغوط السياسية والنيابية بعدما أُفرغت من مضمونها بعد تعديلات عدّة تناولت قبل إلغائها مواضيع الإعفاء، إذ فُصّلت على مقاس أبناء النافذين، ما أفشل مشروع خدمة العلم.
وقدّم ضابط متقاعد اقتراحات حول موضوع خدمة العلم، ومنها: إبقاء العمل بمشروع التعاقد مع الراغبين بالخدمة العسكرية الطوعية وإخضاعهم لفترة تجريبية لمدة سنة قابلة للتمديد، اقتراح إصدار منهاج تربوي واحد بالتنسيق بين وزارتَيْ الدفاع والتربية وتعميم ذلك على كل المعاهد والمدارس، إعادة العمل للتدريب العسكري الإلزامي للشباب في المدارس والمعاهد.
«أنصار الوطن»
مدنياً، اعتبرت جمعية «أنصار الوطن» التي تعنى بتقريب وجهات النظر بين المؤسّسة العسكرية والشباب، وبإقامة نشاطات مع أفواج الجيش اللبناني وألويته، أنّ خدمة العلم تساهم في بناء مجتمع أفضل بعيدٍ عن الطائفية، فعندما ينصهر شباب الوطن من مختلف المناطق والفئات، فإنّهم يتعرّفون إلى بعضهم أكثر فأكثر، وعندئذٍ لا يستطيع المغرضون أن يبثّوا سموم المذهبية والطائفية بين أبناء الوطن الواحد.
ورأت اللجنة الإعلامية في الجمعية أنّ حياة العسكر توحّد الشباب بدمائهم. وخدمة العلم مصلحة وطنية تحمي الساحة اللبنانية من الاقتتال والفتن، لذا يجب العمل على إعادتها.
إعادة خدمة العلم هل تعيد الشباب اللبناني إلى رشدهم الوطني وتبعدهم عن الانغماس في غياهب الطائفية والمذهبية، وتصهرهم في بوتقة وطنية وتخلّصهم من براثن الطائفية البغيضة؟ كلنا للعلم كلّنا للوطن.