حكم أردوغان: الانحدار إلى الأسفل
حميدي العبدالله
منذ وصوله إلى الحكم في عام 2002 كان العمود البياني، يشير إلى تصاعد شعبية حزب العدالة والتنمية ونفوذه. وعلى الرغم من أنّ السبب في هذا التصاعد، رغم نفوذ المؤسسة العسكرية والأحزاب العلمانية، كان قوياً جداً في السنوات العشر الماضية يعود إلى سياسية «صفر مشاكل مع دول جوار تركيا» ومكافحة الفساد، والعمل على تغيير القوانين لتعزيز الديمقراطية، إلا أنّ العامل الحاسم في نجاح حزب العدالة والتنمية واحتفاظه بالحكم لثلاث دورات انتخابية، كان الفضل الأساسي فيه للإنجازات الاقتصادية. فسياسية صفر مشاكل مع دول جوار تركيا، أدّت إلى تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع سورية وعبرها إلى لبنان والأردن ودول الخليج، وتعزيزها أيضاً مع العراق وإيران، حيث سجلت علاقات التبادل التجاري حوالي 19 مليار دولار، وروسيا حيث ارتفعت إلى 32 مليار دولار، وحقق الاقتصاد التركي معدّل نموّ عند مستوى تراوح بين 7 و8 وتعاظم إجمالي الناتج القومي التركي ليصل في عام 2013 إلى 32 مليار دولار.
لكن السياسات التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية بعد الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية ابتداءً من مطلع عام 2011 قلبت المسار في تركيا وحوّلته إلى مسار انحداري. فالتدخل في الشؤون العراقية الداخلية أثر سلباً على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، ودعم الجماعات المسلحة الإرهابية في سورية قاد إلى إغلاق البوابة السورية إلى المنطقة العربية، إضافةً إلى خسارة تركيا لثلاثة مليارات دولار سنوياً، وهو المستوى الذي بلغته العلاقات التجارية بين البلدين قبل اندلاع الحرب على سورية.
وتباطأت وتيرة تطوّر العلاقات التجارية والاقتصادية بين تركيا وإيران على خلفية الخلاف في سياستها إزاء سورية والعراق، ووقفت عند الحدود التي وصلت إليها في سنوات الانفتاح وهي 19 مليار دولار، وتقهقرت الاستثمارات التركية في ليبيا ومصر بفعل الاضطرابات السياسية والأمنية ومواقف الحكومة التركية وتدخلها في الشؤون الداخلية لمصر ودول عربية أخرى. كما تراجعت محاربة الفساد التي كان لها دور كبير في تدفق الاستثمارات الخارجية إلى تركيا، وأدّى ذلك إلى تراجع الثقة، حيث تأثرت الاستثمارات الخارجية سلباً في ضوء الدفاع الصريح عن الفساد من قبل الرئيس أردوغان، وقد لحظت أحدث دراسة صدرت عن صندوق النقد الدولي أثر ذلك على الاقتصاد التركي، فقد أشارت هذه الدراسة إلى أنّ الاستثمار الأجنبي المباشر تراجع في الأشهر التسعة من عام 2014 مقارنة مع ما يقابلها في عام 2013 من 6.438 مليار دولار في عام 2013 إلى 4.913 مليار دولار في عام 2014، أيّ بتراجع بلغت نسبته 24 وهذا معدل كبير جداً، كانت له تأثيراته الحادة على الاقتصاد التركي حيث انكمش الناتج القومي لأول مرة في عهد حكم حزب العدالة والتنمية، فبعد أن بلغ هذا الناتج عام 2013 822 مليار دولار تراجع في عام 2014 إلى 810 مليارات دولار، وانعكس ذلك سلباً على متوسط دخل الفرد، كما انعكس على ترتيب تركيا، حيث تراجعت مكانتها من المرتبة 17 عالمياً إلى المرتبة 18 . ويقدر لهذا المسار الانحداري أن يتسارع في ضوء توتر العلاقات التركية مع الغرب على خلفية الموقف من محاربة «داعش»، إضافةً إلى علاقاتها المتدهورة مع جيرانها ومحاباة حكم حزب العدالة لمواقع الفساد، والتغطية عليها، حيث عاد الفساد للعمل بقوة على النحو الذي كان عليه قبل وصول الحزب إلى الحكم.