أخيرة

مدير الآثار والمتاحف السورية: تخريب 800 مدينة أثريّة و2000 كنيسة في إدلب

بعد تحرير الجيش السوري مدينة معرّة النعمان، جنوبي إدلب، التي خضعت لسيطرة التنظيمات الإرهابيّة لسنوات عدّة، سارع فريق من دائرة آثار إدلب لاستخراج كنوزها التي أخفوها عن أعين الإرهابيين قبل سنوات في قبو سريّ تحت متحف المدينة، وبالرغم من الفرحة العارمة بسلامة «الكنز» إلا أن المرارة مستمرّة مع استمرار الجرائم المروّعة التي ارتكبت بحق آلاف المواقع الأثرية السورية.

وقال الدكتور محمود حمود المدير العام للآثار والمتاحف في سورية لوكالة «سبوتنيك»: لقد قمنا بجولة في مدينة معرّة النعمان بعد سيطرة الجيش السوري عليها واطلعنا على مبنى المتحف الذي تعرّض لأضرار كبيرة وتصدّعات ودمار ببعض أروقته وقاعاته نتيجة الأعمال الإرهابيّة وحفر الأنفاق تحت بناء المتحف، في حين كانت اللقى الأثرية مخبأة بشكل جيد في غرفة تحت الأرض تحتوي على مئات القطع الأثريّة التي تمّ حفظها، إضافة إلى لوحات الموزاييك والفسيفساء التي تمّ حفظها منذ بداية «الأزمة السورية» وحمايتها بمواد عازلة ما أسهم في نجاتها جميعاً باستثناء لوحة واحدة.

وأوضح الدكتور حمود أن مدينة معرة النعمان تضمّ عدداً من المواقع والأبنية الأثريّة ومن بينها متحف المعرّة الذي يحتوي على الكثير من اللقى الأثرية وخاصة لوحات الموزاييك والفسيفساء التي تعود إلى العصور الرومانية والبيزنطية إضافة إلى الكثير من اللقى الفخارية والتماثيل وغيرها من الكنوز التي تعود إلى مختلف العصور منذ الألف الثالثة قبل الميلاد وحتى العصور الكلاسيكية.

وأضاف: في بداية الأزمة هاجم المخرّبون المتحف وسطوا عليه وسرقوا الكثير من محتوياته وبشكل خاص الحلي، ووقتها تمكّن المجتمع المحلي من التدخل بقوة لمنع هؤلاء من الإجهاز على بقية المتحف ومقتنياته، وبعد استعادة المدينة ومتحفها تم نقل ما بقي من المقتنيات إلى متحف حماة الوطني وهي بحالة جيدة في حين بقيت لوحات الموزاييك مكانها مع توفير الحماية اللازمة لها، «وسنباشر بأعمال الترميم للمتحف ولأجزائه المتضررة والمتصدعة، وهذا يتطلب بعض الوقت لإعداد الدراسات الهندسية اللازمة لذلك، وفي متحف حماة هناك ورشة ترميم جاهزة لإجراء عمليات الترميم للقى المتضررة».

وتحدّث الدكتور حمود لـ «سبوتنيك» عن مملكة إيبلا، الموقع الأثري الذي يعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد والذي اكتشف فيه أقدم أرشيف ملكي وكتابي في سورية يعود إلى الفترة الممتدة بين 2400 قبل الميلاد و2250 قبل الميلاد، مبيناً: «هذه المملكة هي مدينة مسوّرة ولها بوابات وأكروبول يحتوي قصراً وقلعة ومعبداً وأبنية عامة، وهناك 4 أحياء في إيبلا، أما القصر فاكتشف فيه 17 ألف رقيم مسماري تحمل موضوعات اقتصادية ودبلوماسية ودينية واجتماعية وغيرها. وهذا الموقع استمرّ في الألف الثانية قبل الميلاد وظل مزدهراً ومسكوناً حتى القرن السابع للميلاد أي لنحو 4 آلاف عام».

وأضاف: تعرّض هذا الموقع للسطو والتخريب والنهب والتنقيب العشوائي من قبل المسلحين وفي بعض أجزائه تمّ الحفر بواسطة جرافات بحثاً عن الكنوز، إضافة إلى بناء التحصينات فيه وتحويله إلى حقل للرماية والتدريب ما ألحق به الكثير من الضرر، وهو ما دفع العالم الإيطالي باولو ماتيه الذي اكتشف الموقع ليصرّح ويقول: يا ليتني لم أكتشف هذه المملكة»، بعدما سمع بعمليات التخريب هذه.

وأوضح الدكتور حمود أن محافظة إدلب تضمّ أكثر من 800 مدينة منسيّة في الكتلة الكلسية الممتدة من إدلب إلى غربي حلب، وجميعها يعود إلى الفترة بين القرن الأول والقرن السابع للميلاد «وجميعها تعرّض للسلب والنهب وبينها أكثر من ألفي دير وكنيسة أثرية تعرض الكثير منها للتخريب والتدمير أحياناً لبيع حجارتها ومنحوتاتها.

وأشار مدير الآثار والمتاحف إلى أن تركيا لعبت دوراً كبيراً في التخريب الذي تعرّضت له المواقع الأثرية في المناطق التي تقع تحت سيطرتها وسيطرة الجماعات الإرهابية التابعة لها في إدلب وحلب، مؤكداً أن تركيا وفّرت التغطية والحماية للمسلحين في عمليات التدمير الممنهج للآثار السورية وعمليات التنقيب العشوائي، بل وشاركت في ذلك بشكل مباشر «وهذا ما أثبتناه بالوثائق في تلال عفرين شمالي حلب حيث قام الجيش التركي بتدمير الآثار السورية بالآليات الثقيلة بحثاً عن الكنوز والتماثيل واللقى الأثرية وهو ما يقوم به في إدلب لإخراج الكنوز السورية شمالاً باتجاه تركيا ومنها إلى الأسواق العالمية، كما نمتلك وثائق تثبت قيام الجيش التركي وعملائه بتخريب أوابدنا الأثرية والتنقيب فيها وتدميرها ونهب محتوياتها، ومن بين ما تمّ نهبه فإن السلطات التركية صادرت أكثر من 30 ألف قطعة ورفضت إعادتها إلينا رغم كل مطالباتنا وشكاوينا إلى المؤسسات والمنظمات الدوليّة المعنيّة بهذا الشأن».

وأشار مدير مديرية الآثار العامة في سورية إلى أن 8 تجمّعات من المدن المنسية في إدلب وحلب تم تسجيلها في قائمة التراث العالمي عام 2011 نظراً لأهميتها وقيمتها الثقافية والعلمية والسياحية وهناك تواصل دائم مع اليونسكو لإطلاعها على ما تتعرّض له من دمار وتخريب وتنقيبات غير شرعية وأيضاً أعمال النهب والسلب التي تعرّض لها أكثر من 10 آلاف من مواقعنا الأثرية في مناطق مختلفة، «ولكن إعادة الكنوز الأثرية التي نهبت من سورية هي مهمة كل منظمات العالم، ولا تستطيع اليونسكو وحدها أن تفعل شيئاً ولذلك هناك تواصل جيد في هذا الشأن مع الأنتربول الدولي الذي يُخبرنا عن كل قطعة تتم مصادرتها أو التعرف إليها، ولكن حتى الآن لم تُعَد أي قطعة باستثناء بعض تلك التي أعادها لبنان الشقيق، وإضافة إلى ما تمتنع تركيا عن إعادته، فهناك مئات القطع الموجودة في دائرة الآثار الأردنية وقد وعدنا الجانب الأردني بإعادتها ولا نزال ننتظر أشقاءنا الأردنيين ليفوا بوعدهم».

وفي سورية ما لا يقلّ عن 10 آلاف موقع أثري تعرض الكثير منها للدمار والنهب والتنقيبات غير الشرعية، وهناك ما لا يقلّ عن مليون قطعة أثرية ذهبت خارج القطر عبر الحدود، خاصة التركية والفلسطينية المحتلة والأردنية، وهناك أبنية تاريخية تعرّضت إلى دمار كبير كما في حلب القديمة والأسواق والمدينة القديمة في دير الزور، وفي كثير من المواقع الأخرى.

وكانت ايرينا بوكوفا، مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) قالت في كلمة أمام مؤتمر عقد في العاصمة البلغارية صوفيا لبحث سبل محاربة نهب الآثار السورية في شهر أيلول من عام 2015 إن المواقع الأثرية في سورية تنهب «على نطاق مذهل»، وإن عوائد بيع هذه الآثار المنهوبة تمول التنظيمات الإرهابية، لافتة إلى أن الصور الفضائية أظهرت أن المواقع الأثرية في سورية تنخرها الآلاف من الحفريات غير القانونية مما يثبت أن أعمال النهب جارية على نطاق صناعي مذهل.

للمشاهدة من هنا:

https://youtu.be/RrzdtRoe5MQ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى