محمد طرزي في «النبوءة»: مُغامِرٌ يبحثُ عن ذاكرتنا
} نبيل مملوك
مع أول رواية تقرأها لمحمد طرزي ستدرك أنَّه اختارَ الماضي حصاناً يحمله إلى مدينة البوح والسّرد تحديدًا، ففي رواياته الستّ (وهي مجمل أعماله حتى اليوم) يحضر التاريخ وحقائقه ليتمّما وصفه الجميل، وإن وقع في بعضها في شرك التكثيف العلمي، فيما انسابت المعرفة في بعضها الآخر انسيابَ النهر.
في باكورته «النبوءة» الصّادرة عن دار الفارابي عام 2010 يعود بنا إلى زمن الحملات الصليبيّة على الشرق، متكئاً على كتاب «الكامل في التاريخ» لإبن الأثير كمرجعٍ لبناء هيكل الرواية الموجزة سرداً والصّاخبة بسلاسة أحداثها وترابطها رغم كثرتها. وقد أضافَ الكاتب إلى هذه العناصر عبرةً وخلاصة، الأولى تجلّت حين أيقنا كقراء أنّ القدر لا يصنعه سوى صاحبه وليس العكس. وهذا ما توضحه رسالة فرنسوا للبابا في الفصل الأخير من الرواية.
أما الخلاصة – وهي ليست غريبة عن الكاتب – فهي رغبته بتعريفنا إلى شكل من أشكال الحرب النفسيّة التي استخدمها الغرب لتحفيز جنوده، وما عنوان الرواية «النبوءة» إلا دليل على جنوح الغرب منذ القدم إلى ربط الأسطورة بالدين ليضمن الانتصار، ففرنسوا الفارس الباريسي الشجاع لم يكن ليصدّق نبوءة عثوره على الصليب المقدّس ولم يكن ليمنح طمعه أو طموحه فرصة التحكم بقراراته وميوله لو لم تكن النبوءة صادرة عن راهب يُدعى «باتان»، ولم يكن ليصدّق أكثر لو لم يتحدّث البابا إليه وإلى آلاف الجنود عن مدى أهميّة المعركة وبُعدها الإلهيّ حين أولاهم مسؤوليّة منع صلب المسيح مرّة أخرى. كلها عوامل تؤكد أنّ الشقّ الدينيّ كان منذ الأزل مؤثراً على بوصلة المرء وحكمه، ففرنسوا قرّر الحكم بانفعاله وقلبه وغريزته على حساب التعقل والتساؤل. ولو لم يتبيّن له لاحقاً أن عرّافاً إسبانياً تنبَّأ بالنبوءة ذاتها لسواه لما كانت رجفة العقل وحمّى المنطق قد داهمته في خيمة البابا.
بعيداً من انتصار فرنسوا وزواجه من الأميرة الجميلة «هيلانة» دون أن يكون عالماً بهويتها الحقيقية، وتحقيقه لما يصبو إليه بملء إرادته لا إرادة النبوءة، فإنّ طرزي ذكرنا بعبارة قالها الناقد د.علي نسر في إحدى محاضراته: «نحن نقدّس الماضي أكثر من كوننا نحترمه»، وأننا «المغامرون بلا ذاكرة» كما قال ياسمينا خضرة في روايته «سنونوات كابول»، فها نحن نعيد تمسكنا كما الكاتب بمعالجة أعراف الماضي دون قدرة على الهرولة نحو عُرفٍ مستقبليّ جديد.