صندوق النقد الدولي نقمة أم نعمة؟
علي بدر الدين
نجحت الطبقة السياسية الحاكمة في إشغال اللبنانيين عن معاناتهم وهمومهم المعيشية بإغراقهم في متاهات مصطلحات اقتصادية ومالية وأسماء منظمات وشركات نقدية دولية وصندوق النقد والبنك الدوليّين، لم يسمعوا عنها ولا تعنيهم لا من قريب أو بعيد، وليست من أولويات اهتماماتهم ليس لأنهم أغبياء أو جهلة كما تعتقد الطبقة السياسية أو تحاول إلصاق هذه التهمة بهم زوراً وعن سابق إصرار، بل لأنهم يبحثون عن عيش كريم يليق بهم كبشر لهم حقوق وعليهم واجبات ولم يتوقعوا يوماً أن تغدر بهم الطبقة السياسية وتؤزّم حياتهم وتأخذهم والبلد إلى الهاوية والى انهيار اقتصادي وإفلاس مالي ومصادرة الحقوق ونهب المال العام وتحويل مؤسسات الدولة إلى مزارع طائفية ومذهبية وملكيات حصرية. والأكثر خطراً أنها تجرّأت بتغطية حيتان المال وأصحاب المصارف والمصرف المركزي المؤتمن على أموال الدولة والشعب للسطو على أموال المودعين وإدخال اللبنانيين بمفاهيم جدولة الديون وهيكلتها وباليوروبوندز للخروج من المأزق الصعب الذي أوقعت لبنان فيه بفعل إدارتها السياسيه والاقتصادية والمالية الخاطئة والقائمة على نهج الفساد والمحاصصة.
انّ حكومة «مواجهة التحديات» ومن خلفها الطبقة السياسية بأفرقائها تنتظر الحلول السحرية من صندوق النقد الدولي وما أدراك ماذا يعني اللجوء إليه كخرطوشة أخيرة تكون بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على لبنان، لأنّ شروطه القاسية ستحوّل لبنان إلى رهينة له وتحت وصايته الكاملة وهو الذي يأمر والدولة تنفذ من دون نقاش او حتى مجرد سؤال.
إنّ الشروط التي يقدّمها صندوق النقد عند الإطلاع عليها يُصاب المواطن بالذعر والارتياب وهو المستهدف الأول منها وعليه أن يدفع ثمن عقود من الفساد والنهب والصفقات
وحرمانه من حقه في حياة آمنة وكريمة وهو ينتظر وعود الحكومة التي توزع في كلّ اتجاه من دون ان ينفذ منها ايّ وعد لغاية اليوم، وهي لم تثبت العكس لأنها لأشغلت نفسها والشعب بكيفية تأمين القروض والمساعدات الدولية من دون جهد، والتي ستحاصر فيها لبنان لأنّ هذه المنظمات والدول ليست جمعيات خيرية.
كما انّ الحكومة تنتظر تحديد مواعيد لاستقبال رئيسها في الدول الخليجية لطلب المساعدة، وقد لا تحصل عليها في المدى المنظور وقد تسبقها شروط وأثمان سياسية مكلفة على لبنان.
انّ الطبقة السياسية أمام عجزها المتمادي عن إيجاد الحلول المتواضعه لتحسين الأوضاع وعدم السقوط في المجهول فإنها تشغل نفسها وتلهي اللبنانيين وهي التي أغرقت لبنان بالديون وإفقارهم وتجويعهم بالبحث عن ملفات ومواضيع ليس وقتها كطرح إنتاج قانون انتخابي جديد يعيد إنتاجها ويزيد من غلتها، في حين أنّ البعض من هذه الطبقة يدعو إلى انتخابات نيابية مبكره وكأنّ البلد في أحسن أحواله ولا يعنيها ما يعانيه من أزمات وضغوط تهدّد المصير الوطني وتشكل خطراً وجودياً على لبنان.
إنّ الطريق مفتوح أمام الطبقة السياسية إذا ما أرادت ان تكفر عما ارتكبته بحق لبنان وشعبه على مدى ثلاثة عقود تبدأ بالإسراع في غصدار قوانين وقرارات إصلاحية باتت معروفة وبإقدام المصارف وأصحاب الرساميل الضخمة وزعماء الطوائف والمذاهب والطبقة الساسية الذين جميعهم يملكون المليارات من الدولارات المكدّسة في مصارف خارجية ان يقتطعوا جزءاً منها ويضعوها كوديعة في خزينة الدولة وهي تكفي وحدها لإنقاذ الوضع وتحريك العجله الاقتصاديه وإنقاذ العملة الوطنية على ان ترتبط بالإصلاحات التي يتغنّى بها السياسيون، واذا ما حصلت هذه المعجزة أو أضعف الإيمان المستحيلة فإنّ لبنان لن يكون بحاجة الى الاستجداء والارتهان السياسي والمالي والاقتصادي لدول عربية وأجنبية ولا للصناديق والمنظمات النقدية. فهل من يجرؤ ويبادر أولاً ام انّ هناك خشية من السؤال من أين لك هذا ولأن لا احد يريد أن يكشف المستور الذي قد يتحوّل إلى فضيحه بجلاجل.