من يوم وزارة الثقافة إلى يوم وزارة الخارجية
د. جورج جبور
سعدت بالاستجابة السريعة لاقتراح أسمعتُه وزير الثقافة يوم 4 أيلول 2014، لدى زيارتي له في مكتبه مهنئاً بالمنصب الوزاري. مؤدّى الاقتراح: اعتماد الوزارة تاريخ تأسيسها يوماً لها. وبالفعل، فقد أقام الوزير عصام خليل يوم 23 تشرين الثاني، وهو يوم تأسيس وزارة الثقافة عام 1958، احتفالية في دار الأسد للثقافة والفنون، وأحسن صنعاً إذ وجه المراكز الثقافية في سورية لكي تدعو إلى محاضرات تُلقى ظهيرة يوم 23 تشرين الثاني تحت عنوان واحد هو «المصالحة الوطنية»، وحصل. أليس من البديهي أنّ للثقافة دوراً بارزاً في تكريس وتعزيز المصالحة الوطنية وفي إيصال المبتغى منها؟
لم تكن تلك محاولتي الأولى لإقناع الأصدقاء من الوزراء بتحديد يوم في العام يُسمّى يوم الوزارة، وأشهد أنّ كلاً منهم واتته الحماسة حين سمع الاقتراح. لكنني أشهد أيضاً أنني لا أعلم أنّ أحداً منهم تابع. كذلك اعترف أنني لم أحاول التذكير بالأمر، فالوزير شخص مسؤول كثير الأعباء، ونسيانه ما يقوله له صديق أسهل من نسيانه ما يأمره به من هو في مقام أعلى من مقامه.
تحديد يوم لكلّ وزارة أو مؤسسة أمر غير ضارّ، بل هو على الأرجح مفيد. كما أنّ يوم مولد كلّ منا مناسبة تذكُّر من جهة، وتخطيط من جهة ثانية. كذلك يُستحسن أن يكون يوم الوزارة أو المؤسسة يوم مراجعة للذات ونظر إلى المستقبل. قد يُقال: هذه المراجعة وذلك النظر ينبغي أن يكونا عملاً يومياً لدى الوزير أو المدير العام، بل لدى كلّ عامل في الوزارة أو المؤسسة، وهذا موقف سليم. إلا أنّ تحديد يوم في العام للمراجعة والنظر، موقف أسلم وأجدى وهو يخلق لدى العاملين شعوراً أقوى بالانتماء إلى ثقافة مهنية واحدة جامعة لهم.
في الدولة المستقلة وزارتان سياديتان لا يماري أحد في سياديتيهما، فإذا غابتا غابت السيادة. هاتان الوزارتان هما الدفاع والخارجية. الدولة الواقعة تحت الاستعمار لا وزارة دفاع لديها، فجيشها جيش المستعمر وليس لها حقّ التصرف في شؤونها الخارجية. هي دولة شريانها الخارجي موصول بجهة واحدة فقط هي الدولة التي تمارس الاستعمار عليها. كلّ وزارات الدولة هامّة ويُطلق على عدد منها اللقب المفخَّم: «وزارة سيادية»، إلا أنّ أحداً لن يماري في أنّ وزارتي الدفاع والخارجية هما الأسمى درجة في سلم السيادية.
بهذا التوجه الفكري، تابعت ذات يوم في الذكرى الخامسة والسبعين لحدث خطير جرى يوم 8 آذار 1920 في دمشق، وهو إعلان استقلال المملكة العربية السورية، مملكة فيصل الأول. تابعت تطور ظهور واختفاء وزارتي السيادة في سورية، وكان دليلي في المتابعة مراسيم تشكيل الوزارات السورية المتعاقبة. وكان كامناً في الذهن احتفالنا سنوياً، وعلى نحو مهيب، بيوم الجيش العربي السوري في الأول من آب.
إنّ النضال الوطني العنيف والصعب من أجل تسلم الجيش كان مبرّر تسمية الأول من آب «يوم الجيش». لم يكن ذلك التاريخ يوم تأسيس وزارة الدفاع التي أُسست ووزارة الخارجية في اليوم نفسه في 9 آذار 1920، أي في اليوم التالي لإعلان الاستقلال. إنّ في تاريخنا الوطني كذلك، يوماً لوزارة الداخلية هو «يوم قوى الأمن الداخلي» في 29 أيار، وفيه خلدنا ذكرى أولئك الأبطال من حامية مجلس النواب الذين رفضوا أداء التحية للعلم الفرنسي فاغتالتهم يد المستعمر الآثمة. تأسست وزارة الداخلية في وقت سابق لذلك التاريخ، لكنّ جلال موقف الحامية انتصر في تحديد يوم وزارة الداخلية على يوم تأسيس الوزارة. والشيء بالشيء يذكر. أسأل العارفين في وزارة الداخلية: متى بالضبط بدأ اعتبارنا يوم مجزرة مجلس النواب يوماً لقوى الأمن الداخلي وبالتالي يوماً لوزارة الداخلية؟
أعود إلى الجزء الثاني من عنوان المقال، أي عن يوم وزارة الخارجية. إليكم هذه المقتطفات مما ورد في صحفنا السورية.
المقتطف الأول: جريدة الأسبوع الأدبي الخميس 6 تموز 1995 «ليس لوزارة الخارجية يوم تحتفل فيه بعيد إنشائها. أقترح أن يكون يوم 9 آذار من كل عام يوماً للخارجية، يوماً تقف فيه الوزارة مع ذاتها، تستعرض فيه ما أنجزت وما عليها أن تنجز». انتهى الاقتطاف.
المقتطف الثاني: جريدة الثورة في 2 تشرين الأول 2002 «أقامت جمعية الصداقة العربية السورية بالتعاون مع المركز الثقافي الروسي والرابطة السورية لخريجي الاتحاد السوفييتي حفلاً في المركز الثقافي الروسي بمناسبة مرور 200 عام على تأسيس وزارة الخارجية الروسية . حضر الحفل الرفاق والسادة… وعدد من مديري الإدارات في وزارة الخارجية». انتهى الاقتطاف.
المقتطف الثالث: جريدة البعث 30 كانون الثاني 2012 ثمة مقال رئيسي بعنوان «هل من المفيد أن يكون للديبلوماسية السورية يومها»؟ صاحبه كاتب هذه الأسطر، وفيه: « ما هو التاريخ الأفضل ليومنا الديبلوماسي؟ قد يقول قائل إنه اليوم الذي ولدت فيه وزارة مستمرة معنا حتى اليوم، أي في 20 أيلول 1941. لا أوافق، فاليوم الأفضل عندي هو التاسع من آذار. فيه عنفوان وتحدٍّ وهو عنفوان ميَّز الديبلوماسية السورية في كلّ مراحلها وحتى الآن، وفيه تذكير بشمل تبعثر، ومن الواجب التقليل من شأن تبعثره من دون المسّ بحساسية أحد. ألا يذكرنا اختيار فلسطيني وكيلاً للخارجية بأنّ دمشق كانت ولا تزال العاصمة العربية الأولى في تحمّلها مهمّة التصدّي لوعد بلفور؟» انتهى الاقتطاف.
واضح الهدف من إيراد المقتطفين الأول والثالث. أما المقتطف الثاني، فلإيراده سبب أقلّ وضوحاً ولكنه أعمق دلالة يعبّر عنه التساؤل التالي: ألم يخطر في بال أحد من مديري الإدارات في وزارة الخارجية الذين حضروا الاحتفال، أنّ من المناسب أن يكون للديبلوماسية السورية يومها؟ قد يكون خطر على البال ما سألت عنه، وقد يكون أحد منهم أو بعض أو أكثر قد داعبته فكرة تسمية يوم للديبلوماسية السورية. فمن حضر من المديرين أعلم مني، وقد يكون لدى أي منهم توضيح، وقد ترحب هذه الجريدة بنشره، إلا أنّ ذاكرتي تفتح نافذة على موضوع مشابه. فمنذ إنشاء منظمة الفرنكوفونية ونحن نحضر احتفالات بيومها في بلادنا العربية، لكنّ الصوت الأول الذي نادى بإعلان يوم للغتنا العربية لم يرتفع إلا في عام 2006. ومن شاء المزيد عن هذا الموضوع، بإمكانه العودة إلى كتاب البعث الشهري رقم 66 وعنوانه «يوم اللغة العربية».
ويبقى السؤال: هل ستدرس وزارة الخارجية أمر إعلان يوم للديبلوماسية السورية ؟ وهل لنا أن نأمل بأن نحتفل في 9 آذار 2015 بالذكرى الخامسة والتسعين لصدور صكّ رسمي سوري يشير إلى أننا أسمينا فلسطينياً وكيلاً للخارجية السورية؟
رئيس الرابطة السورية في الأمم المتحدة