أردوغان يحاول إعاقة المرحلة الجديدة في المنطقة
ناصر قنديل
– تتطابق الحسابات التركية الخاصة بالتطلع لدور إقليمي أكبر من حجم ما يمكن تحقيقه من خلال البقاء في منطقة وسط بين محور تقوده واشنطن وآخر تقوده موسكو، مع حسابات واشنطن للتحوّلات الجارية في المنطقة والتي تؤذن بدخولها مرحلة جديدة، تستعدّ خلالها إيران وقوى المقاومة لإحداث تغييرات جذرية في موازين القوى في مواجهة واشنطن، تأسيساً على النجاح بتفادي أزمات حكوميّة في لبنان والعراق، وإنجاز تغيير جذري في المشهد السياسي الإيراني من بوابة الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي تمّت تحت شعار برلمان قاسم سليماني، للبدء بتطبيق الخطة التي أعلنها الإمام علي الخامنئي باعتبارها المرحلة الثانية من الثورة بعد إنجاز المرحلة الأولى وعنوانها الاقتدار، وبتحويل التحدّي الناجم عن اغتيال القائد قاسم سليماني وإطلاق صفقة القرن إلى فرص لتفعيل المواجهة مع واشنطن، لتصعيد المقاومة في فلسطين ونقل الصراع إلى مرحلة نوعية جديدة يصعب كسرها، وتصعيد الحملة السياسية والعسكرية لإخراج القوات الأميركية من أفغانستان والعراق وسورية تحت شعار إخراج الأميركيّين من المنطقة.
– تركّزت الحركة الأميركية ولا تزال على محاولات إعاقة حكومتي العراق ولبنان، لإرباك قوى المقاومة فيهما، وعلى محاولة تسريع التفاوض مع طالبان للتوصل إلى وقف للنار، تعرف أنه بيد حلفاء إيران تعطيله، لكنها تسابقهم في مسعى صناعة تفاهم بين الحكومة الأفغانيّة وطالبان يبقي على نوع من الوجود الأميركي في أفغانستان، حيث يبقى شعار حلفاء إيران من الأفغان رحيلاً كاملاً للأميركيين وإلا لا تسويات ولا تفاهمات ولا وقف للنار؛ بينما في العراق توضح المواقف المعرقلة لولادة حكومة الرئيس محمد توفيق علاوي، وارتباطها بتوافقات سياسية بين أصحابها على رفض الانسحاب الأميركي تحت شعار منع التفرّد الإيراني، ومواجهة خطر داعش المتجدّد، موقع الأميركيين منها، فيما يشكل موقع وموقف السيد مقتدى الصدر الذي مثّل بعد المرجعية الصوت الحاسم في تشكيل بيئة المواجهة مع داعش، ويصعب اتهامه بالتبعيّة لإيران، طعناً في صدقية القوى التي تراهن عليها واشنطن، طالما يتصدّر الصدر القوى الداعمة للحكومة والمنادية برحيل الأميركيين.
– تشكل سورية حلقة حاسمة في هذه المواجهة، ففي سورية تخاض المواجهة مع تعقيدات وتشابكات إضافية، حيث الدور الروسي المرجعي والحاسم، والقدرة الإسرائيلية على التعطيل، والدور التركي المراوغ الهادف من اللعب على حبال التوازنات لتجميع أكبر المكاسب. وتحتلّ معارك بسط سيطرة الجيش السوري على أرياف حلب وإدلب موقعاً فاصلاً في تهيئة شروط فتح معركة إخراج الأميركيّين من سورية. وهنا يقع الدور التركي في منتصف الطريق عائقاً، ويشكل رأس الحربة في الرهانات الأميركيّة على تعطيل المسار الذي يبدو منطلقاً بزخم في كل الساحات لبلوغ لحظة المواجهة، ومثلما ظهر الدور الإسرائيلي مسقوفاً بغارات موسميّة تدرك تل أبيب عجزها عن تخطي سقوفها القابلة للاحتواء، شكل حسم الموقف الروسي عنصر تفوّق لمحور المقاومة وأسقط الكثير من الرهانات والأوهام، بينما شكلت الانتصارات العسكرية للجيش السوري المحققة ميدانياً وصولاً لفتح طريق دمشق حلب إنجازاً لنصف المطلوب. وجاء التدخل العسكري التركي المباشر بالنيابة عن محور واشنطن وتل أبيب لتعطيل النصف الثاني المتمثل بفتح طريق اللاذقية حلب، الذي يعني حصر الدور التركي في مدينة إدلب، بانتظار نضوح الحلّ السياسي، وهو وجود يمكن التعايش معه محاصراً ومنزوع الأنياب، خلال مرحلة فتح ملف الوجود الأميركيّ في سورية.
– الزجّ بالأوروبيّين ممثلين بفرنسا وألمانيا في مفاوضات وقف إطلاق النار، تحت التهويل بعملية عسكرية تركية واسعة، والدعوة لقمة رباعية روسية تركية فرنسية ألمانية، لن يفيد الموقف التركي ولا الحسابات الأميركيّة، ما لم تكن واشنطن مستعدّة لخوض معركة شاملة، وهو ما يبدو مؤكداً أنه خارج الاحتمالات. فالموقف الروسي ومن خلفه الموقف السوري والإيراني، قوي جداً بوضع مسألة الإرهاب وخطرها على أوروبا على الطاولة، وربط وقف النار بتطبيق التزامات تركيا بإنهاء الجماعات الإرهابيّة وفصل المعارضة عنها، وهو طلب ثبت أنه أقرب للخيال،. وسيجد الرئيس التركي أن خياراته محدودة بين خوض المعركة العسكرية الخاسرة منفرداً، أو الاستجابة لتسهيل فصل معركة إنهاء الجماعات الإرهابية والانكفاء بعيداً عن المواجهة، والاكتفاء بتحييد مدينة إدلب لمرحلة لاحقة، بعد اشتراط نزع السلاح الثقيل منها، وتأمين إيواء النازحين فيها، واعتبارها رمزاً لسلامة المدنيين، ونشر دوريات روسية تركية فيها، بانتظار الحل السياسي.
– وصل الأميركيون بسبب عدم امتلاكهم شجاعة الإقدام على الإقرار بالتحوّلات الكبرى في المنطقة لصالح محور المقاومة، وعجزهم عن أخذ خيار المواجهة الشاملة المكلفة والميؤوس من نتائجها، إلى جعل حروب الوكالة التي يخوضونها مجرد محاولات لشراء الوقت.