لعبة حافة الهاوية في إدلب تتسبّب بمقتل عشرات الجنود الأتراك في صدّ الهجوم على سراقب المواجهة السوريّة الروسيّة مع تركيا تدخل العدّ التنازليّ… وأردوغان يستنجد بالناتو حملة تهوين الملف النفطيّ وتعظيم كورونا والتبشير بالانهيار تلفت السفراء الأجانب
كتب المحرّر السياسيّ
خلال الساعات التي مضت والتي ستأتي سيتقرر مصير العلاقة الروسية التركية، واحتمال الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، في ظل مواصلة الرئيس التركي رجب أردوغان في اللعب على حافة الهاوية أملاً بالحصول على مكاسب تتناسب مع الوعود التي قطعها بإعادة الجيش السوري إلى المواقع التي كان فيها قبل بدء تحرير أرياف حلب وإدلب واللاذقية، وتسارعت الأحداث يوم أمس مع محاولة اقتحام مدينة سراقب الاستراتيجية من حلف ثلاثي قوامه الجيش التركي وجبهة النصرة وجماعات المسلحين التابعين لسورية تحت اسم المعارضة السورية, وخلال هذه المواجهات التي حقق خلالها الهجوم بعض الاختراقات مستفيداً من قصف تركي مركز، ومن مواصلة الجيش السوري عملياته في ريف إدلب الجنوبي حاسماً سيطرته على عشرات البلدات والقرى، لكن الهجوم المعاكس للجيش السوري بدعم ناري روسي جوي نجح في صدّ الجيش التركي وجبهة النصرة والجماعات المشاركة معهما، وأصاب القصف السوري رتلاً تركياً ومواقع تمركز فيها الجنود الأتراك، أعلن الجيش التركيّ بعدها مقتل تسعة من جنوده، بينما تحدثت مصادر مقربة من الجيش التركيّ في المعارضة السورية عن سقوط عشرات القتلى ومثلهم من الجرحى، ما استدعى عقد أردوغان لمجلس الأمن القومي وبدء إجراء اتصالات تركيّة بحلف الناتو طلباً للدعم، بينما عبرت روسيا بقوة عن موقفها الذي يحمّل الرئيس التركي مسؤولية الإخلال بالالتزامات التي تعهّد بها في مسار أستانة واتفاقية سوتشي، وتقديمه التغطية والدعم للجماعات الإرهابية، مقابل التزام موسكو بدعم جهود الجيش الروسي فوق أراضيه في مواجهته للجماعات الإرهابية، وكان لافتاً إعلان تركي للمرة الثانية عن قمة تجمع الرئيس أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعقبها نفي روسيّ رسميّ بصورة بدت رسالة قاسية لأردوغان ونوعاً من الإعلان الروسي عن نهاية زمن التعايش مع المراوغات التي يدير عبرها أردوغان عمله السياسيّ. وبقي السؤال حول ترجيح احتمال الانفراج أم الانفجار معلقاً بلا جواب ليلاً، مع تصاعد الأجواء العسكريّة نحو المزيد من الاشتعال، واستمرار الاتصالات التي تشهدها أنقرة بين الوفدين العسكريين الروسي والتركي، دون التوصل إلى أيّ نتيجة.
الحدث السوريّ الذي عاد إلى الواجهة بقوة، لم يعُد سورياً مع فرضية المواجهة التركية الروسية، فهذا في حال حدوثه تطوّر دولي إقليمي كبير، ترصده أوروبا كما تتابعه واشنطن، ويهمّ إيران كما يفترض أن يشكل عنصر تأثير على التعامل العربيّ الرسميّ مع ما يجري في سورية، في ظل ما وصفته مصادر دبلوماسية باللحظة الذهبيّة لكل من مصر والسعودية والإمارات للتوجّه نحو دمشق واعتبار المعارك التي يخوضها الأتراك في شمال سورية عدواناً على الأمن القومي العربي، وانتهاكاً مرفوضاً لسيادة دولة عربية.
لبنان الذي تابعت القوى السياسية فيه الوضع شمال سورية، بقي موزع الاهتمامات بين ملفه النفطي الذي شهد تطوراً بارزاً مع بدء عمليات الحفر في البلوك رقم 4 التي رعاها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وشاركه رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب، وكانت لهما كلمات متفائلة بنتائج البحث ومبشّرة بدخول نادي الدول النفطيّة، وبدور ثروات النفط والغاز في مساعدة لبنان على النهوض، وبالتوازي بقي ملف «كورونا» شغل الناس الشاغل، لكن مع قدر من الاطمئنان لغياب الأخبار التي تخلق الذعر من تفشي الفيروس، كما بقيت المتابعة للملف المالي وخصوصاً الخطة التي تعدها الحكومة للتفاوض حول هيكلة الدين من جهة، وللنهوض الإصلاحي بالقطاعات الاقتصادية من جهة أخرى، لكن الجديد كان ما نقل عن ديبلوماسي أجنبي رفيع في لبنان، أبدى خلاله استغرابه من حملة مكثفة في الإعلام والسياسة عناوينها التهوين في الملف النفطي، رغم كونه ثروة واعدة لكل اللبنانيين، وصولاً لحد الإحساس أن البعض يتمنّى فشل عمليات البحث وخسارة لبنان لهذه الفرصة كيداً بالحكومة والعهد، وقال الديبلوماسي بالتوازي مع التهوين النفطي تعظيم لكورونا، رغم أن لبنان يُعدّ بين الدول التي نجحت بالتعامل الجدي مع الفيروس ونجا لبنان من تطورات دراماتيكية في هذا الملف، فأعداد المصابين والموجودين تحت الحجز الصحي قليلة، قياساً بدول مثل إيطاليا بعيدة عن منشأ الفيروس وانتشاره، من الصين وإيران، بحيث تحوّل العداء لحزب الله وإيران لدى البعض إلى دعاء أن يُصاب ويموت العشرات بالفيروس ليتم تحميل حزب الله وعلاقته بإيران مسؤولية التسبب بكارثة للبنانيين. ومثلها يقول الدبلوماسي الأجنبي الرفيع قضية الوضع المالي، فالتبشير بالإفلاس والانهيار والتحدث عن لاجدوى أي إجراءات أو خطط يشكل حديث العديد من الصالونات السياسية ووسائل الإعلام. وقال الدبلوماسي إنه لم يعرف بلداً كلبنان من بين عشرات الدول التي عاش فيها وعمل فيها تضيع فيه الحدود بين الوطنية والسياسة، بحيث يصير خراب الوطن مقبولاً إذا كان يمكن تحميل مسؤوليته للخصوم السياسيين، داعياً اللبنانيين لإظهار قدر من الحسّ الوطني البعيد عن التجاذبات السياسية التي تعرفها كل دول العالم، لكنها تبقى ضمن ضوابط تحددها المصالح الوطنية. وختم الدبلوماسي الأجنبي الرفيع، أن السفراء الأجانب في بيروت بمعزل عن مواقف دولهم المتباينة يتندرون في جلساتهم بسخرية بما يسمعونه من القيادات السياسية اللبنانية وما يكشفه من تغلّب الكيد السياسي على الحدّ الأدنى من الشعور بالوطن.
وأطلق رئيس الجمهورية ميشال عون بحضور رئيس الحكومة حسان دياب ووزير الطاقة ريمون غجر عمل الباخرة التي ستتولى حفر البئر النفطي في البلوك رقم 4. وجال عون ودياب على متنن الباخرة في البلوك 4 وأشار عون خلال حفل الإطلاق إلى “أنّ المجهود الذي قدّمناه في الاستطلاع والكشف لتأكيد وجود الموارد الغازية أو البترولية كان مهماً جداً. والأهم اليوم هو استخراج هذه الموارد وجميعنا تعاونا وعملنا لاستخراجها ونأمل أن يتحقق هذا الحلم اليوم الذي يعدّ يوماً تاريخياً”. وشكر عون شركات “توتال” و”ايني” و”نوفاتك” وتمنى أن يكون هناك تعاون معها في مجالات أخرى في المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان”. بدوره قال الرئيس دياب: «يوم تاريخي نبدأ فيه الحفر في البحر لتحويل لبنان الى بلد نفطي، لنحفر في البر مستقبل لبنان الجديد الذي نريده أن يعود مزدهراً». وأضاف: «اليوم سيذكره التاريخ وسيكون نقطة التحول في كسر نمطية الاقتصاد اللبناني وبناء أعمدة ثابتة لمستقبل الأجيال والبلد». وتابع: «من وسط الظلام، ستُفتح اليوم كوة نور كبيرة فتوسع دائرة الأمل بتجاوز لبنان الأزمة الاقتصادية الحادة التي تضيق الخناق على الواقع المالي والاجتماعي للبنانيين».
وأشارت مصادر اقتصادية لـ”البناء” الى أن “خطوة البدء باستكشاف بلوك 4 تشكل فرصة يجب استثمارها على المدى المتوسط والطويل لإنقاذ لبنان اقتصادياً ومالياً من خلال استغلال عائداته بشكل صحيح، كما أنها تعزز الثقة بلبنان، ولذلك على الحكومة وضع خطة لاستدراج شركات عالمية للاستثمار في قطاع النفط عبر بناء معامل ومصانع وبنى تحتية للتحضير لمرحلة استخراج النفط من ثم نقله وتصديره للخارج”، لكن المصادر حذرت من “ادخال قطاع النفط في دورة الفساد والمحاصصة المعتادة عبر الحكومات السابقة وتثمير العائدات المالية لبناء لبنان الجديد اقتصادياً وليس لحلّ المشكلات السابقة كمسألة تغطية الديون”.
واعتبر وزير الطاقة الأسبق سيزار أبي خليل في حديث تلفزيوني أن “الإنجاز ما كان ليحصل لولا جهد وتعب عشر سنوات”، موضحاً أن “هناك ثلاث قواعد للحوكمة في موضوع البترول تبدأ بوزير الطاقة ومن ثم هيئة إدارة قطاع البترول ومن بعدها مجلس الوزراء، وهذه المنظومة من الحوكمة من الأفضل عالمياً. وهذا الامر معترف به من كل الهيئات التي تراقب الشفافية”.
في غضون ذلك، يعيش لبنان سباقاً محموماً بين اقتراب استحقاق سندات اليوروبوند في 9 آذار المقبل والاتفاق على مسألة اعادة جدولة الدين العام.
وعرض رئيس الجمهورية العماد عون في قصر بعبدا أمس، مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، للوضع النقدي في البلاد وعمل مصرف لبنان.
ولفتت أوساط مطلعة على الاجتماعات الحكومية مع وفد صندوق النقد الدولي لـ”البناء” الى أن “لا علاقة بين قرار لبنان إعادة هيكلة الدين وتعرضه لعقوبات اميركية مالية، بل الخطورة تكمن بمقاضاة لبنان أمام المحاكم الدولية في نيويورك تنفيذاً لدعوى قانونية قد ترفعها الشركات الممثلة للدائنين على الدولة اللبنانية كما حصل مع دول عدة”، لكن المصادر طمأنت الى أن “القانون يحمي لبنان لجهة عدم قدرة اي جهة مالية خارجية على وضع اليد على احتياطات البنك المركزي وأصوله لاعتباره مؤسسة مالية مستقلة عن الدولة، لذلك فواشنطن تفرض عقوبات مالية لأسباب ومبررات أخرى لا علاقة لها بإعادة هيكلة الدين”. وكشفت الأوساط أن “صندوق النقد طلب في خلاصة النقاشات مع الحكومة ربط عملية إعادة الهيكلة بخطة إنقاذ اقتصادي شاملة لإقناع الدائنين وإلا تكون جدولة بل افق للحل”، مضيفة أن “الصندوق لم يفرض شروطاً للمساعدة التقنية، لكنه عرض على الحكومة المساعدة المالية مقابل الاشتراك مع الصندوق ببرنامج عمل مالي على مدى سنوات، لكنه تعامل مع الاستشارة التقنية ببرودة”، وخلاصة الاجتماعات بحسب الأوساط “اتفاق الجانبين على أن تُعد الحكومة خطة العمل الاقتصادية على أن يناقشها الصندوق ويعطي مشورته النهائية”. وأكدت أن “نيات الصندوق تظهر خلال برنامجه المالي وليس في المشورة التقنية”، مشيرة الى أن “خطورة الدخول في البرنامج المالي مع الصندوق في انه اذا فشلت العملية سترتد سلباً على الوضع الداخلي وعلى ثقة لبنان الخارجية”، مضيفة: “لبنان بحاجة الى دعم معنوي من الصندوق أكثر من مادي كضمانة للدائنين وبالتالي تغطية دولية لإعادة هيكلة الدين”. كما كشفت أن الحكومة أبلغت الصندوق “رفضها خيار سداد الديون من أموال وجيوب المواطنين وبالتالي رفض فرض أي نوع من الضرائب على ذوي الدخل المحدود نظراً لفقدان الثقة الشعبية بالدولة”.
وعلمت “البناء” أن “لبنان طلب تأجيل البتّ بالدفع 7 أيام إضافية لإفساح المجال للتفاوض مع الدائنين كما علمت أن “الحكومة ستتخذ القرار النهائي قبيل الموعد النهائي للدفع وبعد استنفاد التفاوض مع الدائنين، وذلك بهدف التخفيف من صدمة أي قرار على الوضع المالي الداخلي”.
وبحسب مصادر “البناء” فإن “حزب الله رفض الدخول في برنامج عمل مع الصندوق نظراً لأبعاده المالية والسياسية السلبية”. وأشارت مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ”البناء” الى أن “الامتناع عن دفع سندات اليوروبوند ليس فقط موقف الحزب، بل موقف أغلب المكوّنات الحكومية والخبراء الاقتصاديين لسبب عدم قدرة لبنان على الدفع وثانياً إذا دفع استحقاق واحد فعليه دفع الاستحقاقات الأخرى البالغة 4.7 مليار دولار، كما أن دفع الاستحقاق الأول والتخلف عن الاستحقاقات الاخرى نكون قد خسرنا مبلغ مليار و300 مليون دولار”، ولفتت الى أن “الحزب يحضر جملة اقتراحات إنقاذ لمناقشتها في اطار الخطة الاقتصادية التي تعدها الحكومة تشمل خفض الدين العام وكلفته وهيكلة القطاع المصرفي وخفض الاستيراد من الخارج وتشريع الكابيتال كونترول وتمويل بعض القطاعات الإنتاجية المهددة بالانهيار خلال ستة شهور اذا لم يتم إنقاذها بقروض مالية داخلية وخارجية كالقطاع الصناعي، اضافة الى اقتراحات اجتماعية كدعم الأسر الأكثر فقراً ومعالجة البطالة التي تزيد معدلاتها بشكل كبير”. واضافت ان “الحزب يرفض كل انواع الضرائب التي تطال ذوي الدخل المحدود والطبقات الشعبية الفقيرة”، موضحة ان “الهدف من الخطة الاقتصادية المقبلة إعادة تكوين الاحتياطات اللبنانية وليس تحميل المواطنين أعباء اضافية”.
وذكرت وكالة “رويترز” نقلاً عن مصدر حكومي “ان لبنان يعتزم طلب فترة سماح 7 أيام بخصوص سندات الدين الدولية التي تستحق في 9 الشهر المقبل”، ونفت مصادر السراي أن تكون الحكومة طلبت الاستمهال 7 ايام للبحث بموضوع سداد اليوروبوند، وأكدت أن القرار النهائي في ما خص الاستحقاق ستتخذه قبل 7 آذار.
واعتبرت مصادر في فريق المقاومة رداً على البيان الأميركي وقرار العقوبات الاخير أن “حزب الله لا يسيطر على الاقتصاد اللبناني ولا يريد ذلك، ولو كان هذا الامر صحيحاً لما وصلت الأمور الى هذا المستوى من الأزمات ولكان غيّر مجمل السياسات المالية والاقتصادية”، واشارت لـ”البناء” الى أن “القرار السياسي يتخذ بالمشاركة بين اطراف الحكومة وحتى مع الاطراف المعارضة وليس من قبل فريق واحد وخصوصاً بالمواضيع الاقتصادية التي يعتبر حزب الله الأبعد عنها لا سيما وانه خارج الدورة الاقتصادية التقليدية”، مذكرة بدعوة الأمين العام للحزب السيد نصرالله لجميع الأطراف التعاون لإنقاذ البلد”. وقللت المصادر من أهمية قرار العقوبات الاخير الذي يعبر عن يأس أميركي بإخضاع حزب الله والسيطرة على لبنان ولذلك انكفأت عن المس بالاستقرار السياسي والاقتصادي اللبناني”.
وفيما يستعد رئيس الحكومة للقيام بزيارة الى فرنسا، أعلن السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسيبكين أن “روسيا حريصة دائماً على التعاون اللبناني الداخلي وعلى لبنان التعاون مع جميع الدول لأن ذلك ينعكس إيجاباً على المصلحة الوطنية، وأن مساعدة روسيا للبنان لن تكون كبيرة مادياً لأن الوضع الاقتصادي الروسي صعب بسبب الضغوط العالمية، وإن الدعم الروسي سيكون معنوياً أكثر من المساعدة المادية”. ولفت زاسيبكين في حديث تلفزيوني، إلى أن «روسيا لديها مهام اقتصادية اجتماعية سياسية وأمنية في سورية وهو منفصل عن الوضع اللبناني”. معتبراً أن الهدف الأول لروسيا في سورية هو القضاء على الإرهاب”.
على صعيد آخر، سُجلت اصابة جديدة أمس، بمرض كورونا، وأعلن وزير الصحة حمد حسن أن لبنان يقوم بتعزيز الإجراءات على الحدود في مواجهة فيروس كورونا. وقال من مستشفى بعلبك الحكومي: “الإجراءات في المطار موضوع اشادة من الجهات الدولية، واذا حصلت بعض الهفوات لا يجب التعامل معها على أنها سلبية مطلقة، والوضع الصحي خط أحمر”. وجال حسن على مدارس المهدي في بعلبك للاطلاع على كيفية تطبيق الإجراءات الضرورية للوقاية في المدارس وأكد السيطرة حتى الآن على هذا المرض في لبنان وأن لا حاجة لإقفال المدارس حتى الآن في مدينة بعلبك بعد التداول مع وزير التربية مطولاً.