قمة الخيارات الخليجية الكبرى
خضر سعاده خرّوبي
اختتمت قمة دول مجلس التعاون الخليجي أعمالها في العاصمة القطرية قبل أيام. خط الأزمات طويل وممتدّ في كلّ أرجاء المنطقة، ويستلزم البحث في حلوله وسبل مواجهته، وهو في صلب سعي دول المجلس لرأب التصدّعات وإطلاق مرحلة جديدة في ما بينها في كلّ المجالات، لا سيما أمنياً.
حتى وقت قريب كان جموح الطموحات القطرية يقارع مشيئة «الأخ الأكبر» في أكثر من ساحة على امتداد الشرق الأوسط، وهو ما تبدّى في طوره الأولي في سورية، قبل أن يأخذ شكله النهائي في مصر عقب سقوط حكم «الإخوان المسلمين»، حليف الإمارة الخليجية الصغيرة التي تعتبر بدورها الرافعة الإقليمية لـ»التيار الإخواني» إلى جانب تركيا.
في عودة بسيطة إلى الأرشيف، ومن غير عناء، يمكن لنا أن نلحظ الجذور التاريخية للخلاف السعودي القطري حول الحدود والحقول الغازية والنفطية، تُضاف إليها مسألة تأييد الرياض للمنامة بخصوص ادّعاءاتها في تبعية قطر تاريخياً للبحرين. أما بالنسبة إلى ملف علاقات دول مجلس التعاون مع أنقرة، ومع الأخذ في الاعتبار مساحات التلاقي القائمة على الجانبين كما هي الحال بالنسبة إلى «التحالف التركي القطري»، إلا أنّ موضوع التنافس على «الزعامة المذهبية» بين تركيا والدولة الخليجية الكبرى- والمقصود هنا السعودية طبعاً- يبقى «عارض التأزم» الأساسي فيها، خصوصاً أنّ أنقرة تتبنّى بشكل واضح تعميم «نموذجها الإخواني» على دول المنطقة، وهو ما يتوجّس منه الخليجيون الذين ما زالوا يتنافسون والأتراك على خلفية تدريب من يُسمّون بـ»المعارضة السورية المعتدلة» المنقسمة والمتوزعة بطبيعة الحال إقامة ورعاية بين الدوحة والرياض وأنقرة.
وعلى نحو أبعد من ذلك، فإنّ الأخيرة تبدو مستثناة إلى حدّ بعيد من مدّ «غيرة النشامى» الذي دبّ في نفوس واشنطن و»حلفائها» ممّن تورّطوا في دعم وتمويل الإرهاب، ليهبّوا على نحو طارئ بدعوى محاربته.
وفي الموضوع الذي يحتلّ الحيّز الأكبر في انقسام البيت الخليجي، تحاول معظم دول الخليج – باستثناء قطر- توظيف الحاجة المصرية للمؤازرة الاقتصادية بالاستثمارات والمنح كـ»سلاح استراتيجي» تحاول من خلاله أن توجه رسالة إلى من يعنيه الأمر والإيحاء بأنّ مصر سوف تأخذ بيدها «أمنياً» عند اللزوم وفي مواجهة أيّ طارئ. لا جديد يضاف تحت الشمس يمكن أن يشي بتجاوز سريع للخلافات القطرية السعودية. ويمكن تفسير الدعوة إلى إنشاء «انتربول» وقوة بحرية خليجية مشتركة وإجراءات أخرى اتخذتها الدول المنضوية ضمن أطر مجلس التعاون، إضافة إلى المساعي المبذولة لتقريب المسافة مع الموقف القطري، على أنها تستهدف الإيحاء بوجود موقف استراتيجي خليجي موحّد من كلّ التحديات الراهنة، بدءاً بالوضع في اليمن ولما يفسّره إرهاباً هناك، وفي سورية والعراق ومصر وفلسطين، وكذلك انخفاض أسعار النفط، وصولاً إلى بوادر حدوث اتفاق نهائي مع طهران تحدث عنه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن من واشنطن من دون أن ينسى التذكير بوجود «خلاف تكتيكي» مع تل أبيب التي تذهب التحليلات إلى وضعها في «حلف ضمني» غير معلن مع بعض أعضاء مجلس التعاون، خصوصاً بعد تصريحات أدلى بها أخيراً وزير النفط السعودي فُسّرت في هذا السياق، وذلك بالتزامن مع ما تواتر من أنباء حول قيام رحلات بين تل أبيب وبعض عواصم دول المجلس.
بناء على ذلك، فإنّ هذا الخلاف الأميركي مع «إسرائيل» لا شك سينسحب بالضرورة على مجلس التعاون أيضاً. وكما عبّرت «إسرائيل» عن صرختها بهذا الخصوص عبر الإغارة على سورية، يُنتظر ردّ «الحليف الضمني» للقول: نحن هنا. ومن اللافت أيضاً، توقيت إجراء مناورات عسكرية سعودية ـ فرنسية وأخرى بالاشتراك مع بريطانيا أواخر الشهر الماضي.
ولا تخلو الموافقة على تشييد قاعدة بريطانية في الخليج تضاف إلى نظيراتها الأميركية في كلّ من قطر والبحرين، وتلك الفرنسية في دولة الإمارات، من دلالات أيضاً. هذه الإجراءات «الدفاعية» على وقع «تعزيز الروابط» مع «الناتو» إضافة إلى صفقات التسليح الباهظة التي تعقدها دول خليجية عدة وبأرقام فلكية، تشير إلى قلق ما تعيشه على وجودها وعلى أمنها، وعينها تحديداً على الضفة المقابلة لها في الخليج. يبدو أنها تبحث عن «مظلة دولية» ما لحمايتها من تطوّرات متوقّعة لا تتمناها بخصوص الملف النووي الإيراني.
وأما السؤال لماذا إشراك فرنسا وبريطانيا وليس الولايات المتحدة وحدها في تأمين المظلة المذكورة؟ فالجواب أكثر جلاء، وهو على ارتباط وثيق بتضعضع «عنصر الثقة» في مفهوم النظرة الخليجية لـ»الحلفاء» في واشنطن. حتى الآن، هناك ما تخشاه معظم دول مجلس التعاون، وهو ما يعبّر عنه يومياً بتحركاتها على مستوى الإقليم. أما مشهد «التلاحم الأمني والعسكري» المتين الذي تحرص بعض الأطراف على إظهاره في «البنية التشاركية» لدول الخليج الخمس، فهو من أجل سدّ الطريق على ما يُخالف ذلك من تسريبات تطالعنا بين الحين والآخر عن أزمة محورها انقسام البيت الخليجي على نفسه، وهو للمناسبة ما تنفيه أكثر من عاصمة خليجية.
خليجياً، أسئلة اللحظة كثيرة، وهي لا شكّ ستطرح نفسها بشكل أو بآخر مع انتهاء فعاليات قمة دول «التعاون الخليجي» الأخيرة التي كان من المفترض أن تحمل إجابات أكثر وضوحاً عليها. المهمّ والأساسي هو أنّ قمة الدوحة محطة يعوّل عليها، وهي خطوة تؤسّس للخيارات الخليجية الكبرى.