من الولادة الى الشهادة… أنطون سعاده جدّد الحياة
} اياد موصللي
أنطون سعاده… ولد في الأول من آذار عام 1904 جسداً وروحاً… وولد في 16 تشرين الثاني من عام 1932… وعياً وفكراً وإيماناً.. فكانت ولادة العقل والفكر والروح هي طريق معرفتنا بأنطون سعاده زعيم ومؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي. ولد روحاً وفكراً وإيماناً يوم سقط جسداً في الثامن من تموز 1949.
فالأول من آذار ليس هو اليوم الذي فيه نتذكّر أنطون سعاده بمناسبة يوم مولده… الأول من آذار رمز بدأ موعداً لولادة جسد حضن روحاً متوثبة انطلقت مع ولادة هذا الجسد فكان بولادة الروح والجسد ولادة حقيقة حياة أمة أبت ان يكون القبر مقراً لها في الحياة…
الأول من آذار رسم طريق الحياة بكلّ سخائها.. بالعطاء الفكري.. بالدم يضخّ من أجل ان تبقى هذه الحياة متجدّدة..
الجسد والروح ولد في الأول من آذار وولد حياة خالدة في 8 تموز ولد حيث الموت طريق لحياة جديدة “أموت لأحيا” هكذا كان إيمانه وهو يجابه الموت ويدحره.
لقد جعل الحياة استمرار عطاء وبذلك صارت استمرار وجود “أموت لأحيا”، فالحياة استمرار روح وفكر وقضية تسقط أجسادنا أما حقيقتنا فقد فرضت نفسها على هذا الوجود”.
علّمنا سعاده هذا وعلّمنا أيضاً أن ننسى جراحنا لنذكر جراح أمتنا وهو الذي قال “انني أنسى جراح نفسي النازفة لأضمّد جراح أمتي البالغة”.
فمن فهمنا لما يجسّده الأول من آذار وما يمثله سعاده الإنسان الذي ولد في هذا اليوم عنواناً لولادة أمة آمنت بالحياة وبوقفة العزّ في هذه الحياة من هذا العطاء في ولادة الجسد والفكر وبولادة الروح التي انتصرت على الجسد لأنها صارت رمز القضية “أنّ موتي شرط لانتصار قضيتي وأموت لأحيا وحزبي باقٍ”.
احتفالنا بمولد الحياة واستمرارها من أول آذار و8 تموز هو احتفالنا بالجراح التي أعطت للأمة تاريخاً مجيداً جسّده سعاده بقوله ماذا يعني وجودي وماذا تعني حياتي غيركم أنتم أيها القوميون الاجتماعيون غير عزّ هذه الأمة ومجدها…”
نحن لا نحتفل بعيد ميلاد سعاده رجلاً نحب ونؤمن بتعاليمه.. ولا بسعاده الذي استشهد فمات كما يحسب الكثيرون نحن نحتفل بسعاده الحي ولادة في الأول من آذار وشهادة في 8 تموز.
انّ كلّ أيامنا عطاء وكلّ أيامنا سخاء وكلّ ما فينا هو لأمتنا حتى الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة متى طلبتها وجدتها. كان سعاده القدوة.
وجسّد تلامذته كلّ تعاليمه وأقواله تجسيداً إيمانياً حياً فإذا بهذه النهضة تثبت انّ الحياة في العطاء حيث يتغذى البقاء من دماء الشهداء الذين هم الفداء لحياة الأمة، نموت لنحيا والبقاء للأمة هذا هو دستور القومي الاجتماعي.. انّ ما قام به سعاده قبل تسليمه الى قتلته يعطي الصورة الواضحة عن عمق إيمانه بهذه الأمة”، انّ مصير الأمة مربوط بخفقات قلوبكم ودوران دمائكم ومتانة أخلاقكم. انها تنتظر سيركم الظافر.. “واثبت بالفعل”: نحن نصارع دائماً في سبيل غايتنا وكلما تراكمت علينا الصعاب تجدّدت قوانا وسحقت ما اعترضنا من صعاب”.. ماذا يعني وجودي ماذا تعني حياتي غيركم أنتم أيها القوميون الاجتماعيون غير عزّ هذه الأمة وكرامتها ومجدها..
هكذا قال وعمل سعاده وأثبت القوميون بتنوّع انتماءاتهم الروحية والجهوية انه يمكن لهذه الأمة ان تتوحّد وتغني التاريخ..
اليوم والبلاد تعاني آلاماً عظيمة، آلاماً لم يسبق لها مثيل في التاريخ وطريق المحن والنكبات ترسم أمامها بتخطيط “إسرائيلي” وتركي يجمع كلّ الأعداء لأمتنا من أجل تدمير قيمها ودفنها حية.. اننا نؤمن بأنّ طريقنا طويلة وشاقة لأنها طريق الحياة وأبناء الحياة ولا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة.. أما الأموات وطالبو الموت فيسقطون على جوانب الطريق.. لذلك عندما نتعرّض للنكبات نؤمن انه ليس عاراً ان ننكب بل العار كلّ العار ان تحوّلنا النكبات من أمة قوية الى أمة ضعيفة منهارة.. نحن رغم كلّ هذه المحن والمؤامرات التي تتعرّض لها أمتنا نؤمن بأنّ فينا قوة لو فعلت لغير مجرى التاريخ وبدّدت ما يُحاك من دسائس ومؤامرات…
في هذه الذكرى يجب ان يعود كلّ مؤمن ببلاده وحريتها وسيادتها الى فكر أنطون سعاده ونظرته الثاقبة الى الحياة وإدراكه المبكر الناضج الواعي للمخاطر التي تعرّضت لها والتي رسمت لمستقبلها مما نعانيه بوضوح الآن.. انّ أفكار سعاده التي جعلها ودستورنا وإيماننا تظهر اليوم الحاجة الى الإيمان بها وتطبيقها من أجل حماية الأمة والوطن من الأخطار المحدقة والمحيطة.
مبادئ تذكرنا كيف نبّه الأمة وحذرها مما يرسم ويخطط لها والذي نفذ بعضه في اللواء السليب الاسكندرون.. والذي جعل شعارنا الدائم في الكتابة والكلام أذكروا كيليكيا والاسكندرون.. وبقي في كلّ مناسبة يكرّر ويذكر بموقف الحزب من قضايا أمتنا.. وفي آذار 1940 حيث كان في المهجر قال:
“نحن جبهة العالم العربي وصدره وسيفه وترسه ونحن حماة الضاد ومصدر الإشعاع الفكري في العالم العربي كله. انّ موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي من العالم العربي مفصّل في شرح مبادئ الحزب وغايته ولم يغيّر الحزب موقفه من هذه الناحية. انّ هؤلاء السوريين المنادين “العروبة” لم يفعلوا شيئاً لا في سبيل أمتهم ولا في سبيل العالم العربي، انهم يدّعون باطلاً انّ الحزب السوري القومي الاجتماعي عدو العرب والعروبة. هم أعداء العرب والعروبة الحقيقيون بما يثيرونه ضدّ نهضة الأمة السورية التيهي في مقدّمه أمم العالم العربي.
اننا نحن السوريين القوميين الاجتماعيين نوجه كلّ قوانا في ما يختصّ بالمسائل القومية إلى مسائل أمتنا نحن. أما في ما يختصّ بالمسائل المتعلقة بالعالم العربي فإني أعلن أنه متى أصبحت المسألة مسألة مكانة العالم العربي كله تجاه غيره من العوائم، فنحن هم العرب قبل غيرنا. نحن جبهة العالم العربي وصدره وسيفه وترسه ونحن حماة الضاد ومصادر الإشعاع الفكري في العالم العربي كله.
عندما نستقبل اليوم آذار ونتذكر مولد سعاده فيه نعود الى الحياة التي رسمها لأمتنا عبر مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وما غرسته تلك المبادئ في نفوسنا.
لم يعرف التاريخ رجالاً ينذرون حياتهم بكلّ تفاصيلها من أجل قضية آمنوا بها كأنطون سعاده. هذا الرجل الذي لم يؤسّس فقط فكرة وحركة تتناولان حياة الأمة السورية بأسرها وحسب، بل تعدّى ذلك الى تأسيس نظرة جديدة الى الحياة والكون والفن تمثلت ببناء الإنسان الجديد، الإنسان المجتمع ليس غريباً ان يغتالوا أنطون سعاده وهو أول من حذّر من الخطر الصهيوني والخطر التركي، ولم يكن سوى في بدايات شبابه. ليس غريباً على أنطون سعاده ان يكون مشعّاً بالحضور على الرغم من غيابه، هذا الحضور المتمثل بالأجيال الجديدة التي آمن بها وآمنت به. (ما أشدّ اعتزازي بكم وما أروع النصر الذي نسير إليه).
في إحدى خطبه في الكورة عام 1937 قال:
“انّ العراك بيننا وبين القوات الرجعية والإرادات الأجنبية لم ينته ولا بدّ من ان يستمرّ فكلما ازددنا نمواً وتقدّماً ازداد الضغط واشتدّ العراك ولن تكون للقوميين راحة حتى يتمّ النصر.
انّ طريقنا طويلة لأنها طريق الحياة، انها الطريق التي لا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة أما الأموات وطالبو الموت فيسقطون على جوانبها.
القضية القومية المقدسة تنمو وتتقدّم متغلّبة على جميع هذه الصعوبات. فلا استمرار الحرب، ولا توالي المحن، ولا سقوط الفاشلين، يُزعزع مقدار ذرة من إيماننا بالنصر.
نحن القوميين الاجتماعيين، نفتخر بأننا حاربنا بشيء أساسي بوعينا لحقيقتنا وإيماننا بها، ولم نحتج الى الميعان للإبقاء على نفوسنا، اننا نعتقد انّ لنا نفوساً لا يمكن ان تذوب وتفنى، قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود. ولا يمكن ان تزول، وفي حربنا لم نستغث، في جهادنا لم نطلب نجدة ولم نستنجد، في جهادنا حملنا حقنا وسرنا مؤمنين. انّ النهضة القومية الاجتماعية قد وضعت على اكتافنا عبئاً كبيراً عظيماً، لأنها تعرف أنها أكتاف جبابرة وسواعد أبطال. انّ كلّ ما فينا هو من الأمة وكلّ ما فينا هو للأمة، الدماء التي تجري في عروقنا عينها، ليست ملكاً لنا، هي وديعة الأمة فينا طلبتها وجدتها.
لذلك نحن حركة صراع، لذلك نحن حركة قتال، حركة صراع بالمبادئ التي نحمل، وقتال بالدماء الحارة التي تجري في عروقنا، والتي سوف تحوّل أرض هذا الوطن الى وطن الزوبعة الحمراء المنطلقة لتحطيم كلّ نذالة وكلّ قبح، ولتصل بهذا الشعب الى المجد”.
تاريخ الحزب ليس مواقف سياسية لمجموعة تريد ان تصل إلى هدف سياسي مرحلي تحقق به ومن خلاله أهدافاً اقتصادية – اجتماعية لذلك تبذل جهدها كي تصل إلى الحكم باعتباره الوسيلة المثلى لتنفيذها… تاريخ الحزب هو تاريخ التضحية والجهد والجهاد لأنّ الحزب هو قضية، نهضة، رسالة وهذه الرسالة هي روح أمة أبت ان تدفن في تاريخ مصطنع وتكوين بعيد عن روحها وحقيقتها أرادت قوى متعددة ان تطمسه وتبعثره وتشتته، فجاءت النهضة السورية القومية الاجتماعية تعمل على بعث التاريخ الحقيقي بكلّ وكامل معطياته من أجل هذا كان عمل وعطاء المؤمنين بهذه النهضة سخياً ومن أجل هذا ارتقى الكثير من الشهداء ومن أجل هذا امتلأت السجون ومن أجل هذا خاض الحزب الثورات وقام بالانتفاضات لا سعياً للوصول إلى حكم بل سعياً لاستعادة هوية وكيان يعطي هذه الأمة الحيوية والقوة”…
لذلك نحن حركة صراع، لذلك نحن حركة قتال، حركة صراع بالمبادئ التي نحمل، وقتال بالدماء الحارة التي تجري في عروقنا والتي سوف تحول أرض هذا الوطن إلى وطن الزوبعة الحمراء المنطلقة لتحطيم كلّ نذالة وكلّ قبح، ولتصل بهذا الشعب إلى المجد.»
وقال سعاده: «لم آتكم مؤمنا بالخوارق، بلأاتيتكم مؤمنا ًبالحقائق الراهنة التي هي أنتم، أتيتكم مؤمناً بأنكم أمة عظيمة المواهب، جديرة بالخلود والمجد، نحن لسنا أمة صغيرة، قليلة العدد نحن ننتشر بعددنا وفكرنا ومساحة أرضنا فإذا فعلنا فإننا سنغيّر التاريخ، سننتصر…”