سراقب ترسم توازنات ما بعد الانسحاب الأميركيّ… وأردوغان يلتقي بوتين طلباً لمخرج دياب: دولتنا مكبّلة بالطائفيّة وينخرها الفساد… لكننا مصمّمون على حمل كرة النار مشرفيّة يفتتح التوجّه نحو دمشق في ملف النازحين… ورسائل سياسيّة بقطع الطرقات
كتب المحرّر السياسيّ
كل شيء في المنطقة يرتبط بكل شيء. فالتشابك الكبير بين المعارك وبين اللاعبين الكبار، يجعل كل تطوّر بارزاً بأبعاد متعددة. وهذا هو حال الاتفاق بين الإدارة الأميركيّة وحركة طالبان، وما أشار إليه من نيات أميركية لمغادرة المنطقة عسكرياً، فالذي يستعدّ للمواجهة مع إيران ويحتفظ لهذا الغرض بوجوده في العراق وسورية والخليج يدرك أن الخاصرة الأهم لهذه المواجهة، التي قرّر دخولها لهذا الاعتبار هي أفغانستان. والذي يغادر أفغانستان يستعدّ لمغادرة سواها، لكنه ينتظر تبلور الشروط المناسبة، ومثل تفاهمات أفغانستان، معارك إدلب وخصوصاً مصير مدينة سراقب حيث تتقاطع خطوط الجغرافيا مع رسم التوازنات الاستراتيجية ومشاريع ملء الفراغ بعد الانسحاب الأميركي والتطلعات التركية لحصر إرث بالتركة الأميركية في سورية والعراق بدءاً من الفوز بامتحان الأهليّة الذي رسبت فيه أمس، وعنوانه تعطيل خطة فتح الطرق الدولية بالإمساك بالعقدة التي تشكلها سراقب. ولهذا كانت كل عيون العالم تتجه نحو سراقب، بما فيها عيون العرب وخصوصاً في مصر والسعودية والإمارات لقياس القدرة على الدخول على الخط وفتح قنوات التواصل الرسمي مع سورية، بجس النبض للجهوزية الأميركية، لتقبّل هذه الفرضية، ومثل العرب كذلك كان الأوروبيون وفي طليعتهم فرنسا وألمانيا المتضرر الأول من عبث الرئيس التركي رجب أردوغان في ملفي الإرهاب والنازحين، لكن المتريّث الأول بانتظار ضوء أخضر أميركي، بينما موسكو الداعم الرئيسي لسورية في معركة تحرير سراقب ومواصلة القتال لتحرير ما تبقى من طريق اللاذقية حلب. فتقف مع إيران في منطقة الحصاد السياسي لنتائج النصر العسكري، بانتظار قمة ثنائية روسية تركية يريدها أردوغان باحثاً عن مخرج بعد الفشل، تليها قمة ثلاثيّة روسية تركية إيرانية تعيد تعويم تفاهم استانة الذي خطط أردوغان لإعلان دفنه.
في قلب هذه المتغيرات ترسم الحكومة خطواتها نحو الخارج، سواء بترقب ما ستكون عليه الأجوبة على طلبات رئيس الحكومة القيام بجولة عربية تتضمن زيارة عواصم الخليج وخصوصاً الرياض، أو ما ستكون عليه المواقف الأوروبية وخصوصاً الفرنسية من طلب الحكومة تصوراً لتفعيل مؤتمر سيدر. وجاءت زيارة وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة الدكتور رمزي مشرفية لدمشق كخطوة حكومية أولى نحو سورية، محاولة للتأسيس لخطوات لاحقة تبدأ بملف النازحين وتنتظر تبلور الموقف العربي من سورية، والتفاعل العربي مع الحكومة، وبالانتظار تحدّث رئيس الحكومة أمام السلك القنصلي فكشف عن نظرته لخراب الدولة بسبب ثنائية الطائفية والفساد، مقابل عزمه وحكومته على تحمل المسؤولية لرد الإعتبار لمفهوم الدولة، وحمل كرة النار. وبينما الحكومة على أعتاب عملية تعيينات إدارية واسعة أهمها ما يتصل بتعيين نواب حاكم مصرف لبنان ورئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، وما يتصل بالأمر من بقاء أو تغيير الإدارة المالية، تصاعدت ضغوط القوى القلقة من التعيينات، وتوّجت باستعارة شعارات الحراك ليلاً لتنظيم عملية قطع طرقات في بيروت والمناطق كان واضحاً من خريطتها الجغرافية أن تيار المستقبل يقف وراءها، في رسالة سياسية واضحة حول التعيينات.
على الصعيد المالي يستعدّ رئيس الحكومة لبلورة موقفه النهائي يوم غد الأربعاء من التصورات الموضوعة أمامه حول الملف المالي بكل تعقيداته، على أن يقوم بتنسيق الموقف مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب قبل صدور الخطة بقرار عن مجلس الوزراء وإطلاقها على مستوى الرأي العام وإبلاغها للجهات الدولية. وتوقعت مصادر مالية أن ترتكز الخطة على وضع خيارات أمام الدائنين، خصوصاً أمام المصارف اللبنانية، وأن تجيب على موضوع حفظ حق اللبنانيين بالتصرف بودائعهم، وعلى قضية سعر صرف الدولار وعدم توافره في الأسواق، كما على قضية الأموال المهربة إلى الخارج، وقضية الكهرباء.
ونقل رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ عن رئيس الحكومة حسان دياب أن القرار سيتخذ بين يومي الجمعة والسبت المقبلين، أي قبل يومين من موعد الاستحقاق.
وعقد اجتماع مالي موسّع في السرايا الحكومية وصف بالحاسم ضم دياب ورئيس وأعضاء جمعية المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بحضور وزراء المال غازي وزني والصناعة عماد حب الله والاقتصاد راوول نعمة والاشغال ميشال نجار وحضور وزير المال الأسبق علي حسن خليل.
وقال الوزير وزني بعد الاجتماع إن التوجه هو لعدم دفع الاستحقاق في موعده نظراً لأوضاع لبنان الاقتصادية والمالية المعروفة، والقرار سيتخذ خلال أيام قليلة. فيما نُقل عن حسن خليل قوله إنه حضر بصفة استشارية وممثلاً للرئيس نبيه بري. وإن موقفه هو عدم دفع السندات الآن.
ولفتت مصادر “البناء” الى توافق بين الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري ودياب على القرار السيادي بعدم دفع الديون المستحقة والركون الى حصيلة التفاوض بين الشركة الممثلة للدولة اللبنانية والشركة الممثلة للدائنين. ونقلت قناة “المنار” عن مصادر السرايا الحكومية أنّ “دياب في هذه المرحلة لا يركّز فقط على كيفيّة تجاوز لبنان لاستحقاق آذار المالي، بل يبحث بكيفيّة مواجهة كلّ الاستحقاقات الماليّة، ووضع الدين العام على سكّة المعالجة”.
وأعلن مصدر مقرب من الحكومة أن المستشارين الماليين والقانونيين للبنان يجرون محادثات مع حملة الديون المقوّمة بالدولار في شأن إعادة الهيكلة لكنهم لم يتوصلوا إلى اتفاق. وقال المصدر: “يعملون ليلاً ونهاراً” للتوصل إلى اتفاق في شأن إعادة هيكلة منظمة”، مضيفاً أنه سيجري الإعلان عن قرار لبنان في شأن السندات الدولية المستحقة في التاسع من آذار بحلول السابع من الشهر الحالي. وقالت مصادر، نقلاً عن بيانات بلومبرج نيوز حتى نهاية 2019، إن مجموعة أشمور لإدارة الاستثمار في الأسواق الناشئة جذبت الانتباه في لبنان بتجميعها أكثر من 25 في المئة من الديون السيادية البالغة 2.5 مليار دولار المستحقة في 2020، بما في ذلك في استحقاق التاسع من آذار البالغ 1.2 مليار دولار.
في المقابل يستمر “اللوبي المصرفي” بسياسة التهويل على الحكومة إذا اعتمدت قرار عدم الدفع ويحاولون استدراج الحكومة الى قرار استبدال السندات (swap)، حيث بدأ رئيس جمعية المصارف سليم صفير التسويق له بشكل لافت. إضافة الى خبراء يدورون في فلك «لوبي المصارف» يستندون في التسويق لهذا الخيار الى أن «لبنان اليوم يعاني اليوم من أزمة اقتصادية صعبة، وهذا الأمر يُجبرنا على اللجوء الى الخيارات الصعبة، وبالتالي يحتم علينا العمل بالمدخرات التي نملكها، وإن كان البعض يعتقد اننا لا نعاني أزمة فنحن لسنا بحاجة الى اعادة الهيكلة”، فيما ذهب بعض الخبراء للمطالبة بتسييل الذهب الموجود في مصرف لبنان لسداد الديون سارع الحاكم سلامة الى نفي ذلك مؤكداً عدم المسّ بالاحتياط الذهبي. فيما نقل عن سلامة قوله في الاجتماع المالي إن قرار سداد الديون من عدمه ليس عنده بل عند الحكومة. فيما علمت “البناء” أن المصارف تضغط بشكل مكثف لإقناع الحكومة بخيار دفع جزء من الديون أي لحاملي السندات الأجانب التي سبق وباعتها المصارف بأسعار منخفضة، وذلك لتعويض خسائرها على حساب ودائع المواطنين واحتياطات البنك المركزي.
وكان عدد من أصحاب المصارف على موعد مع القضاء المالي، حيث استمع النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم والمحامون العامون الماليون إلى رئيس جمعية المصارف سليم صفير ورؤساء مجالس الإدارة وممثلين لـ 14 مصرفاً لبنانياً، حول موضوع تحويل الأموال إلى الخارج، بعد السابع عشر من تشرين الأول الماضي، والتي قاربت 2.3 مليار دولار أميركي وملفات مالية أخرى من ضمنها بيع سندات اليوروبوند. ويستكمل القاضي إبراهيم الاستماع خلال هذا الأسبوع، إلى مسؤولي بقية المصارف، ويطلع النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على نتائج التحقيقات لاتخاذ الإجراءات المناسبة.
وتركز التحقيق على عدم تمكين المودعين من السحب بالدولار من حساباتهم ووقف عمليات التحويل إلى الخارج للمودعين كافة، والتثبت مما إذا كانت المصارف التزمت بزيادة رأس مالها لدى مصرف لبنان، إضافة إلى موضوع الهندسات المالية وبيع سندات اليوروبوند اللبنانية إلى الخارج.
لكن خبراء تساءلوا لماذا لم يتخذ القضاء قراراً حتى الآن بمنع المصارف من بيع السندات الى مستثمرين وشركات أجنبية ومنع المصارف أيضاً من تحويل الاموال الى الخارج؟
وكان دياب اعتبر خلال استقباله أعضاء السلك في السرايا “أن الأيام المقبلة ستشهد حسم النقاش لاتخاذ قرار مفصلي لهذه الحكومة، وهو قرار حساس ودقيق، ندرسه بعناية شديدة، لأنه يشكل محطة هامة نحو رسم معالم لبنان المقبل. صحيح أنكم تمثلون دولاً عديدة في لبنان، لكنكم لبنانيون أولاً، وهذا ما يجعلنا نطمئنّ إلى أنكم ستساهمون في ورشة إنقاذ لبنان، كل من موقعه، سواء القنصلي أو الاقتصادي أو الشخصي، فجميعنا مسؤولون عن بناء مستقبل أفضل لأجيالنا المقبلة”.
وشنّ دياب حملة عنيفة على منتقدي الحكومة. واعتبر عبر بيان لمكتبه الإعلامي مساء أمس، انه “مرّة جديدة، تلجأ الأوركسترا نفسها إلى التزوير واجتزاء الحقائق للتشويه والتحريض، وللأسف، فإن البعض ينجرف، طوعاً أو جهلاً، فيُصدر مواقف تدلّ عن سوء نيّة أو عن تواطؤ أو عن ببغائية في ترداد ما يسمع من دون أن يقرأ”.
ولفت المكتب الى أن “رئيس مجلس الوزراء صارح الناس بواقع وحقائق عن نظرة الناس إلى الدولة، لكنه قال بالفم الملآن، تكراراً وإصراراً، إنه سيحمل مع الحكومة كرة النار، وإنه مصمّم على معالجة المشكلات المزمنة وعلى الانتقال بلبنان إلى مفهوم الدولة، والأوركسترا نفسها يبدو أنها انتبهت أن مفهوم الدولة لا يناسبها، لأنها تريد الاستمرار بتدمير ما تبقى من ركائز الدولة كي تحمي نفسها وتستبيح البلد، ولكن دولة القانون ستقوم حتماً، دولة المواطن الذي يدفع اليوم ثمن تدمير الدولة”. ولفتت مصادر “البناء” الى أن صراعاً خفياً يدور بين دياب والمنظومة الحريرية المالية والقضائية والأمنية والإدارية المتجذرة في مفاصل الدولة ومؤسساتها، مشيرة الى أن الحريري يريد إفشال حكومة دياب وإسقاطها وهدم أسس الدولة لأهداف شخصية وسياسية وخارجية.
على صعيد أزمة كورونا، اعلنت وزارة الصحة عن 3 اصابات جديدة سجلت امس، في المستشفى الحكومي، فيما أقفلت المدارس والجامعات أبوابها واتخذت سلسلة إجراءات في مختلف الاماكن العامة القضائية والرسمية والشعبية تفادياً لتفشي الفيروس.
وأمس، وصلت الى مطار بيروت طائرة إيرانية آتية من مدينة مشهد الإيرانية على متنها 178 راكباً، واتخذ الفريق الطبي التابع لوزارة الصحة العامة التدابير والإجراءات الوقائية اللازمة للركاب، كما تمت تعبئة الاستمارات الخاصة بهم، من دون تسجيل أي أعراض مَرَضية بينهم.