الاهتمام الإسرائيلي بمعركة سراقب
ناصر قنديل
– بمثل ما حال الزمن الخاطف لمعركة سراقب التي خاضها تحالف الجيش السوري وقوى المقاومة، وفي طليعتها حزب الله، دون احتلالها المساحة التي تستحق في الدرس والتحقيق والمتابعة واستخلاص العبر، شكل هذا الزمن الخاطف السبب في اهتمام خاص منحته مراكز الدراسات العسكرية والأمنية في كيان الاحتلال لهذه المعركة. فالمعركة رسمت توازنات جديدة على الأرض السورية، وفي أشد نقاطها حساسيّة، حيث يجتمع مصير أربعة رهانات كبرى، رهان أميركي على نجاح الوكالة الممنوحة لتركيا بوقف تقدم العملية العسكرية للجيش السوري، توخياً لتأجيل استحقاق بحث مصير الوجود الأميركي شرق سورية، ورهان تركي على إضافة كانتون جغرافي سياسي عسكري داخل الأرض السورية، إلى لواء اسكندرون تحت عنوان منطقة آمنة، ورهان جبهة النصرة برعاية غربية تركية للدخول كشريك في العملية السياسية تحت عنوان اللامركزية السياسية والأمنية الموسّعة، الذي يلاقي ما تطرحه القيادات الكردية العاملة تحت لواء واشنطن، وأخيراً رهان إسرائيلي على إحباط مشروع نهوض الدولة السورية، وما يعنيه ذلك من فتح الباب للشهية الإسرائيلية على مواصلة العبث في أمن سورية من جهة، وعلى السير بتثبيت الشق العائد من مكاسب صفقة القرن بإجراءات الضمّ، والتي يقع الجولان في قلبها.
– هكذا يقرأ الإسرائيليون سراقب، نقطة تقاطع فاصلة ومقررة لخطوط سير المشاريع المتقابلة، بصورة ربما تختصر إلى حد كبير معنى المعركة الكبرى على سورية، التي بدأت قبل قرابة عشر سنوات، بحيث بات مَن يربح سراقب يربح الجولة الحاسمة من هذه الحرب، بعدما تركزت الرهانات واختزلت في الجغرافيا عند عقد الطرق الدولية التي تمثلها سراقب. ولو لم تكن هذه قراءة واشنطن لما منح الرئيس التركي هذا الرصيد الأميركي السياسي والعملياتي، بزيارات قيادية نحو داخل سورية، والسماح بتزويد جماعات النصرة بصواريخ ستينغر المضادة للطائرات، التي زوّد بها تنظيم القاعدة خلال الحرب على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ولو لم تكن سراقب كذلك، لما جنّ جنون الرئيس التركي بعد دخولها من الجيش السوري وحلفائه، وخرج يهدّد ويزبد ويرعد، وحشد الآلاف من نخبة جيشه إلى جانب عتاة القتلة المتوحشين من عناصر النصرة والتركستان والإيغور، ولذلك كان الإسرائيليون يرصدون سير المعارك حول سراقب وفي ظنهم أنها معارك شهور.
– الرصد الإسرائيلي لمعركة سراقب كانت له أبعاد إضافية، غير بُعد الزمن، فهم يعرفون أن عدوهم الاستراتيجي يمثله حزب الله، وأن الحزب المشارك بفاعلية في معركة سراقب سيجد نفسه في مواجهة جيش نظامي شديد الإعداد والاستعداد، محترف ومزوّد بأحدث العتاد، لا مشكلة لديه بالعديد، يتقن الجمع بين أنواع السلاح وأشكال القتال في المدن والجبال والأرياف، أي أن حزب الله سيكون معنياً بمشاركة الجيش السوري بقتال يظهر درجة القدرة على التنسيق والتكامل بين هاتين القوتين، في مواجهة جهات غير التنظيمات الإرهابية، جهات تجمع بين هذه التشكيلات الإرهابية، وجيش نظامي هو الأقرب في المنطقة لما يستطيعه الجيش الإسرائيلي، مع فارق العديد الواسع للجيش التركي قياساً بجيش الاحتلال المحدود القدرة على التصرف بمقدراته البشرية وتحمل الخسائر، والرصد معني أيضاً بقراءة تفاعل الجبهة الداخلية التركية وتاثيرها على مسار المعركة، لتشابه ليس بعيداً بين تناقضات الداخل التركي حول الحرب التي يشارك فيها حزب الله على الضفة المقابلة، وما سيشهده الداخل «الإسرائيلي» في حرب مشابهة.
– يعترف الخبراء الإسرائيليون، بأن حزب الله تعامل مع معركة إدلب، بكل معاييره الاحترافية التي يتوقعونها، لكنه أبهرهم هذه المرة لإضافتين، الأولى أنه تصرّف مع المعركة كفرصة لإيصال رسائل ذات قيمة استراتيجية إلى داخل كيان الاحتلال وقادته العسكريين، والثانية بتظهير مهارات تصل حد الأسطورة والخرافة، فهم يتحدّثون بالاستناد إلى معلومات استخبارية، عن قرار اتخذ مساء يوم وصول شهداء حزب الله من محاور سراقب، وتنسيق سريع مع القيادة السورية لترجمة مشتركة لقرار بحجم إسقاط السيطرة التركية المعززة بجبهة النصرة وتشكيلات إرهابية محترفة، واسترداد سراقب بعملية ليلية خاطفة، بدأت بُعيد منتصف الليل وانتهت قبيل الفجر، وقدّمت عروضاً مبهرة للقتال الليلي مع ثاني جيش في حلف الناتو، تشارك فيها الجيش السوري وحزب الله بصورة تناغمت مع نيران روسية بعيدة من صواريخ كاليبر على نقاط خلفية للجيش التركي، وشارك فيها الطيران السوري بقصف ليلي، وعزفت خلالها راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة أنغام التقدم، الذي خاضته مجموعات من مئات دخلوا أرض المعركة قبل دقائق من ساعة الصفر، ليبدأوا إطلاق النار فوراً وهم يعرفون أهدافهم تمام المعرفة، ويتقدّمون بطريقة مذهلة غير قابلة للتصديق، وصولاً للحسم السريع خلال أربع ساعات يعلنون بعدها السيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية.
– يعترف الخبراء الإسرائيليون، أنهم شعروا مع ما وصلهم عن تفاصيل معركة سراقب أنها مناورة بالذخيرة الحيّة والقتال الحيّ، لما يمكن أن يحدث في مواجهة قادمة في الجولان أو الجليل، ويخشون أن يكون حال الردع الذي فرضته المعركة على الجانب التركي مثالاً لما سيحدث مع الإسرائيليين، في معركة مشابهة.