قالت له
قالت له: كم رغبت ونحن في سفر أن نتمرّد على الموروث الذي نخشاه بين الأهل والأصحاب فبعض الجنون حاجة يطلبها الشعور بالشغف في الحب؟
قال لها: حتى بعض الجنون يحتاج للعقل كي لا يصير التمرد فوضى.
قالت: وممَ تشكو الفوضى فالنظام قاتل.
قال: لكل فوضى نظامها.
قالت: عندما نرى أشخاصاً عراة في شوارع بعض العواصم أو على شواطئها ألا تشعرين ببعض من الخجل وتغضين بعضاً من النظر؟
قالت: طبعاً لم أقصد هذه الفوضى ولا هذا الجنون.
قال: إذن تطلبين فوضى يحكمها نظام.
قالت: لا أطلب فوضى ولا نظام بل بعضاً من التمرّد
قال: وللتمرّد نظام.
قالت: يا رجل النظام علّمني.
قال: هل تتخيّلين أنك تصفعيني بكفك أمام الناس في وسط شوارع عاصمة أوروبيّة؟
قالت: أنت شرير لا ترغب بمجاراتي في انسياب المشاعر وتبحث عن التفلسف لمتعة الإغاظة ولا تريد إلا أن تبقى عنصراً منضبطاً بالتقاليد حتى عندما لا يراك أحد.
قال لها: أتقصدين داخل غرفتنا؟
قالت: لا، لأنني أعرفك شقياً بلا ضوابط بين أربعة جدران.
قال: إذن حيث يرانا ناس لا نعرفهم تقصدين.
قالت: بدأت تجاري جنوني.
قال: ومَن قال لك إنه لن يصادف في لحظة جنونك أن يمر أحد من بلدنا يعرفنا ولا نعرفه؟
قالت: هذا وسواس الجبناء.
قال لها: أتذكرين يوم كنا في بلدة نائية من دولة بعيدة وقمتِ بسرقة ملعقة وشوكة من أحد المطاعم؟
قالت: هذا كان من أجمل مغامراتي.
قال: بعد شهور سألني أحد الأصدقاء أكنتم في سفر إلى هذه البلدة بعينها؟
فقلت: نعم.
قال: لقد زرنا مطعماً قروياً فيها وعندما عرفنا صاحب المطعم من أي بلد نأتي قال لنا إن رجلا وامرأة من بلدكم كانوا هنا وسرقوا بعضاً من فضيات مطعمنا. وقام برسم تشبيهي لكما. فضحكنا ودفعنا ثمن الملعقة والشوكة.
قالت: أتصدق القول أم تريد إخافتي فقط؟
قال لها: وحياة عينيك أقول صدقاً.
قالت: حسناً وماذا لو قبلتك أمام الناس ولم أسرق بعض تذكارات أحببتها هل كان صديقك ليسدّد بدلاً منها قبلة؟
قال: لو قلت إن هذه هي حدود الجنون الذي ترغبين فتعالي في مكان عام هنا وفي بلدنا وأمام الأهل والأصحاب لأقبلك غير آبه بما يقال.
قالت: لكنني أخجل.
قال: إذن أنت تقصدين بعض الحرية في ممارسة ما هو شرعي ومقبول يحجبها عنك الخجل.
قالت: وماذا تسميها غير التمرد والفوضى والجنون.
قال: اسمّيها التجلي.
قالت: وماذا ترفض بالمقابل.
قال لها: أرفض التخلي.
قالت: اذن تجلى أيها المتجلّي.
قال: وضعي نفسك محلي.
قالت: إن لم أقل فأنت قل لي.
قال: عناق وأشواق بلا ضريبة فنحن حبيب وحبيبة.
قالت: ولسنا في ظل حكم العسملي.
قال: وفي زمن الكورونا والدولار صار التقبيل بغرامة أو ضريبة.
قالت له: عليّ القبلات وعليك السداد بالنقد المحلّي.
قال: قبلت فلا تستغلّي.
قالت: كل قبلة بدولار وعندي صندوق الجباية والدفع لي.
قال لها: عودي للجنون، فما نفع المال إن كان البديل أن تقبلي وتقبلي.
وضحكا معاً ومضيا متعانقين.