«حركة النهضة» ومستقبل جماعة «الإخوان»
حميدي العبدالله
تنتمي «حركة النهضة» في تونس إلى جماعة «الإخوان المسلمين» رسمياً، وهي جزء لا يتجزأ من التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين»، ولكن الحركة كانت أكثر رشداً وواقعية وأقلّ تحجّراً من شقيقاتها في الأقطار العربية والإسلامية التي تنشط فيها هذه الجماعة.
لكن براغماتية قيادة «حركة النهضة» لم تشفع لها هذه المرة، ولم تمكّنها من مواجهة الصعاب والتحديات والحفاظ على مستوى من التأييد الشعبي يكافئها على تميّزها عن فروع الجماعة في الأقطار العربية والإسلامية الأخرى، فهي لم تحز على أكثر من 25 إلى 30 من أصوات المقترعين في تونس، وفقدت قدرتها على الاحتفاظ بالحكم منفردة، أو عبر تحالف أوسع على غرار شقيقتها في تركيا.
ولم تقف التحديات التي تواجهها هذه الحركة، وربما تهدّد وجودها، عند هذين التطوّرين الهامّين والخطيرين على مستقبلها، بل إنّ وحدتها معرّضة للخطر في ضوء انسحاب قائد بارز منها هو رئيس الحكومة الأسبق الأمين العام للحركة حمادي الجبالي.
ووحدة «حركة النهضة» مهدّدة جراء ضغوط تيارين كبيرين عليها، التيار الأول تمثله الأحزاب الليبرالية وعلى رأسها حزب «نداء تونس» الذي فاز بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، وواضح أنّ التيار الليبرالي يستمدّ تأثيره على حركة إسلامية محافظة مثل «حركة النهضة» جراء الواقع الاجتماعي في تونس بالمقارنة مع الواقع الاجتماعي في البيئات الأخرى التي تنشط فيها جماعة «الإخوان المسلمين»، فالمجتمع التونسي مجتمع متطوّر نسبياً، وغالبيته ترفض الأفكار المحافظة والمتشددة، وإذا كان من بيئة ملائمة لهذه الأفكار، فهي في المناطق الجنوبية الأكثر فقراً والأشدّ تخلّفاً، ولكنها لا تمثل الغالبية بالنسبة إلى الشعب التونسي، وليس بمقدور أي حركة أو جماعة تطمح إلى أن تتحوّل إلى أكثرية وتشارك في حكم تونس أن تتجاهل إرادة الغالبية ومستوى ثقافتها وتحضّرها. وتحت تأثير هذا العامل وافقت «حركة النهضة»، أو بالأحرى رضخت، لصياغة الدستور الجديد الذي رفض أن تكون الشريعة الإسلامية في عداد مصادر الدستور، على الرغم من أنّ صياغة الدستور الجديد والتصويت عليه تمّا في ظلّ هيمنة «حركة النهضة» على البرلمان والحكومة، وكان حليفها المنصف المرزوقي رئيساً للجمهورية.
أدّى رضوخ «حركة النهضة» للتأثير الليبرالي إلى معارضة شديدة من جناح آخر في الحركة، وهو الجناح المحافظ والمتشدّد الذي لم يكن راضياً في السابق على مواقف الحركة من الدستور، والذي يعارض أيّ تعاون محتمل بينها وبين حزب «نداء تونس». وهذا الجناح يرتكز إلى البيئة السائدة في مناطق الجنوب، كما أنه عرضة للضغوط الفكرية من الجماعات الإسلامية الأكثر تشدّداً التي تتهم الحركة بالخروج، بل حتى الارتداد عن تعاليم الإسلام.
ومن الواضح أنّ جذرية الخلاف بين التيارين يصعب معها تسوية هذا الخلاف وإيجاد حلول وسط له، والأرجح أنّ تمزق «حركة النهضة» وانقسامها هما مسألة وقت لا أكثر ولا أقلّ، وعلى أية حال جميع فروع حركة جماعة «الإخوان المسلمين» في البلاد العربية والإسلامية لم تستطع الحفاظ على وحدتها عندما واجهت تحديات مثل التحديات الماثلة الآن في تونس، ولن يكون فرع هذه الجماعة استثناءً للقاعدة.