لبنان و«ضهور الشوير» في وداع عروس آذار نيبال صادق بعد رحلة عذاب طويلة على درب جلجلتها العظيمة
اعتدال صادق
في مشهد يشبه ملائكيّة «نيبال» ويشبه نعمة إيمانها السمح، كانت طريق عودتها بالأمس إلى مسقط رأسها ضهور الشوير وقد انتهت رحلتها الطويلة مع الألم والصبر العظيم…
يرافقها “البابا” وعلى عادته يحرس غفوتها، ويبعد عنها أيّ أنين، ويداري عن عينيها دمعة حفرت مجراها في القلب لا في العين حتى لا تجزع “نانا” من دمعة بابا، ويستعيد رنين الضحكة، وقد شطره الحزن من الوريد الى الوريد، وصدعته الفاجعة مرة ومرتين. ولاح في باله أن يقول لها أمراً، فلا الصوت أسعفه ولا الكلمات، وخنقته آخ مكتومة، فلم يقو إلا أن يلوّح لها بيده “نانا.. أنا هون يا بيّي”… “حدك” ما تخافي يا ضحكة بابا وفرحته… التي صارت دمعته.
كيف نقول لأب أنّ صغيرته رحلت، أنّ روحه تبدّدت، وهو على يقين أنه على موعد آخر معها، على مفرق البيت أو على المحراب القاسي، وهي تكابد الوجع، أو على نصل الذكرى، وكلاهما موجع يا أخي، الرحيل والذكرى… فاللموت قلب لا يرحم يا بلال.
متوهّجاً يمرّ شريط الذكريات على الطريق السريع الى ضهور الشوير، يشير بيده بلال هنا كانت وكنّا، وهنا أولى خطواتها وهنا نطقت حروفها المتلعثمة. هذه مدرستها، وهنا كان عيدها، وهنا صارت صبية حلوة… وهنا وهنا… وتزدحم الصور كما الغصّات في القلب… الصبر الصبر، لطفك أيتها السموات فهو ليس إلا أبٌ مصابه عظيم.
«طوباك يا نيبال” أنت الراحلة على الصلاة الإلهية على نية الناصري الآتي باسم الرب معلماً وهادياً، المصلوب شهيداً، نؤمن بقيامته، أو نعتقد بصواب ارتفاعه الى السماء روحاً ونفساً مطمئنة، على ما تقول “الكتب”.
غير أنّ “نيبال” المتجلّدة بالصبر والمتيقنة في إيمانها، لم تنزل عن صليبها التي رفعت إليه كالأنبياء موجوعة، يوم ولدت ويوم كبرت لثمانية وعشرين ربيعاً، ولثمانية وعشرين ميلاداً… ونحن مهجوسون بنجاتك، التي تضرّعت لأجلها القلوب ونذرت لك النذور على رجاء الشفاء. نهلّل لأيّ بارقة أمل، ونقيم الصلاة على رجاء معجزة، الا أنّ زمن المعجزات ولّى، كلّ الأبواب التي فتحناها أوصدت بينك وبين الهواء يدخل رئتيك… «سأهزمك يا مرض» قالت نيبال.. إلا أنّ الله شاء.. ولا مشيئة فوق مشيئته، وأنّ للموت سراً آخر للحياة يملكه.. أو هكذا قيل لنا..
ولم يبق لنا نحن من أحببناكِ الذين أدمى وعينا رحيلك إلا أن نرتشف الحزن.. بصمت… نعانق بعضاً مما تبقى من ركام العمر وتفاصيل الذكريات التي لن تبدّدها الأيام..
نيبال يا ابنة الربيع عل رحيلك في الأول من آذار مقدّر في يوم “صاحب الذكرى” وإنْ بفارق مئة وست عشرة سنة للقائل “كلنا مسلمون لرب العالمين”، حيث حبوت طفلة وترسخ ايمانك في ركن العائلة المتأصّل بواقع “العقيدة” ورسالة إيمان وحق.
غير أنّ يا ضحكة كلّ العمر، ابنة وأخت… وحبيبة وفلذة قلب لن يجرح العيد في بيت أخي في يوم رحيلك، فقط بلال كثرت شموعه ليضيئها في آذار.. شمعة لشهيد الحياة… وهذه شمعة ملوّنة لك، وأخرى لـ “ماما وفاء” وشمعة في عيدك نضال.. وحدّها شمعة لـ”جاد” من “جدو” بلال في سنته الاولى.. وشمعة لأخيك غسان… وشمعة من عمتو… يا روح عمتو..
شيّعت عائلة الرفيق بلال صادق والقوميون الاجتماعيون وأهالي بلدة ضهور الشوير الاثنين الفائت في مأتم شعبي مهيب الراحلة الشابة نيبال صادق.
شارك في التشييع إلى جانب عائلة الرفيق بلال ابنته نضال ونجله غسان وخطيب الراحلة ميشال راضي وعائلته وعائلة زوجته الراحلة آل حلو، رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان وعضو المجلس الأعلى نجيب خنيصر ومنفذ عام المتن الشمالي سمعان خراط وأعضاء هيئة المنفذية، وعدد من أعضاء المجلس القومي ومسؤولي الوحدات والوفود الحزبية من منفذيات المتن الشمالي والمتن الأعلى والغرب وزحلة والمتن الجنوبي، وحشد من القوميين.
كما حضر الوزير السابق النائب الياس أبو صعب، الوزير والنائب السابق بشارة مرهج، رئيس بلدية ضهور الشوير حبيب مجاعص ووفد من أعضاء المجلس البلدي، وعدد من المخاتير، وفاعليات المنطقة، ووفود من قرى الجوار وحشد من المواطنين.
وقد أقيم استقبال شعبي للجثمان في ساحة بلدة ضهور الشوير حيث انطلق النعش الأبيض محمولاً على الأكفّ الى كنيسة السيدة للموارنة حيث ترأس صلاة الجناز الأب جورج نجار يساعده لفيف من الكهنة. بعدها أقيم للفقيدة زفّة عروس آذار بالورود وسط الأحبة والعائلة والأقارب والأصدقاء ورُفع النعش الأبيض على الأكفّ وجال الموكب الحزين في ساحة ضهور الشوير، حيث ارتسمت مراراً بسمة نيبال وجمعت هذه الساحة ذكرياتها وأصدقاءها ولملمت أحلامها من ثنايا دروبها، إلى أن رقد جثمانها إلى مثواه الأخير الى جانب والدتها وفاء حلو صادق التي سبقت ابنتها بالرحيل عام 2018.
وقد عُرفت نيبال بمتانتها ومواجهتها المرض طوال سنوات عمرها، فهي التي صمدت منذ ولادتها أمام آلامه وتعثراته ولم تكفّ يوماً عن المحاربة. وأصرّت على الحياة وسط عائلتها ومحبّيها. سعت دوماً إلى تحقيق أحلامها في التخصّص والتعليم وحازت على شهادتها الجامعية أثناء فترة علاجها. وتجدر الإشارة إلى أنّ نيبال قد تمكّنت من الحصول على شهاداتها الرسمية بإذن خاص من وزارة الصحة مراعاة لوضعها الصحي وطيلة فترة علاجها.
وتقبّلت العائلة التعازي في صالون الكنيسة لمدة يومين متتاليين.
شكر على تعزية
يشكر والد الراحلة بلال صادق وأفراد عائلته نضال وغسّان، كلّ من واساهم وشاركهم مصابهم بفقدان ابنتهم الغالية نيبال سواء بالحضور، أو الاتصال أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن والعبر الحدود.
وتخص العائلة بالشكر قيادة الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ وجميع القوميّين الاجتماعيّين.
كما توجّه العائلة شكراً خاصاً للكادر الطبي الذي رافقها منذ طفولتها، والمؤسسة اللبنانية للإرسال (LBCI) وكلّ من ساهم في تقديم العون لعلاجها، متمنين للجميع