روسيا لا تضغط على سورية
ناصر قنديل
– بالتزامن مع انطلاق مبادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا نحو سورية كانت روسيا تستقبل عدداً من رموز المعارضة السورية تحت عنوان استكشاف فرص الحوار السوري ـ السوري، بعد أن وضعت روسيا مسعاها في إطار المساعدة في التحضير لانعقاد جولة جديدة من مؤتمر جنيف للحوار نحو حلّ سياسي للأزمة السورية.
– رافق التحرك الروسي مناخ إعلامي غير رسمي من موسكو يتحدث عن مبادرة روسية لجمع معارضين سوريين مع وفد حكومي في موسكو كخطوة تمهيدية نحو جنيف، وتحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أنّ حوارات جنيف فشلت في الماضي بسبب تركيبة الوفد الذي جلس على مقاعد المعارضة، معتبراً أنّ إعادة تكوين ممثلين مناسبين للمعارضة تشكل نصف النجاح في جنيف، وأنّ الموقف من الحرب على الإرهاب يجب أن يشكل معيار اختيار هؤلاء المعارضين.
– قبيل زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم والوفد السوري الحكومي إلى موسكو امتلأت وسائل الإعلام الغربية والعربية بالتقارير، التي تتحدث عن أنّ هناك دعوة روسية لوفد حكومي سوري أقرب للاستدعاء، بهدف إبلاغ الحكومة السورية ضرورة تجاوبها مع مبادرة تزمع موسكو إطلاقها لحوار سوري ينتهي بحكومة موقتة واسعة الصلاحيات، والطلب يأتي في ظروف وصفتها التقارير بالحاجة السورية المصيرية للرضا الروسي ما يجعل سورية مضطرة للتجاوب، وذهب البعض إلى الحديث عن مضمون يتصل بمستقبل الرئاسة السورية لهذه المبادرة.
– تمّت الزيارة وصدرت تصريحات سورية وروسية عن نجاح الزيارة وعن تطابق في وجهات النظر، وعلى رغم ذلك استمرت الحملة عن خلافات عميقة سورية روسية، وصل بعضها للتلميح إلى تضارب في تقدير الموقف تجاه مبادرة دي ميستورا، ونسب البعض هذه الخلافات حول كلّ الحراك السياسي إلى تفضيل سورية عدم إطلاق أو المشاركة بأي مبادرات قبل استكمال الجيش السوري لحملاته التي قاربت تحقيق أهدافها، والتي سيرتب أي حراك سياسي، تجميدها، كما سينتج من أي مبادرة كالتي يطرحها دي ميستورا وتحظى بدعم موسكو، منح المجموعات المسلحة فرصاً للتنفس، بينما المطلوب زيادة الضغط على هذه المجموعات ليأتي الحراك السياسي في ظروف تشبه الاستسلام.
– بعض التحليلات الغربية والعربية تحدث عن ضعف الإمدادات العسكرية الروسية للجيش السوري كعامل ضغط لمنعه من القيام بعمليات عسكرية كبيرة كتلك التي تنتظره في حلب، والبعض قال إن روسيا تريد خطف النصر السوري وتثميره لحسابها نجاحاً سياسياً، في سياق الأوراق التي تريد تقديمها لواشنطن أملاً بتخفيف العقوبات التي بلغت مرحلة من الشدة والقسوة بحيث باتت فوق قدرة موسكو على الاحتمال، ولم يتبق إلا تقديم الأثمان السياسية من أوكرانيا إلى سورية وربما وصولاً إلى الملف النووي الإيراني.
– جاء كلام الرئيس الروسي في اجتماع الجمعية العامة لبرلمانات الاتحاد الروسي عن المواجهة المفتوحة لموسكو مع واشنطن في مجال العقوبات، وتصعيده العنيف ضدّ الدرع الصاروخية في أوروبا، معلناً الاستعداد للحرب استناداً إلى ثقة مطلقة بالنصر وبقوات مسلحة قادرة ومفاجآت عسكرية، وتناول أوكرانيا فقال إنّ القرم هي قدس أقداس الروس ومسجدهم الأقصى وكنيسة قيامتهم وهيكل سليمانهم، ودعا الغرب إلى الكفّ عن الألاعيب والضغط على كييف لوضع تفاهمات مينسك موضع التطبيق.
– زار الرئيس بوتين تركيا وتحدث من أنقرة عن الرئيس السوري بشار الأسد كزعيم شعبي يملك التأييد والدعم من شعبه، داعياً إلى الانطلاق من الانتخابات الرئاسية السورية كبداية لمرحلة جديدة في البحث عن حلّ سياسي في سورية.
– أعلن الرئيس الأوكراني عن قبول السير بتفاهمات مينسك والبدء بتطبيق وقف للنار، وتمّ وقف النار وثبت وبدأ البحث بالخطوات اللاحقة وتمّت دعوة لجنة الاتصال إلى أول اجتماع لها يوم الاثنين المقبل، وتجاهل الغرب كلّ كلام سابق عن القرم كموضوع للتفاوض، وفي الملف النووي الإيراني بدت إيران مرتاحة إلى سير المفاوضات وتسارعها نحو حلحلة القضايا العالقة.
– اتضحت معالم مبادرة دي ميستورا عبر الارتباك الذي سبّبته في حلف خصوم سورية، خصوصاً لجهة ربط كلّ إجراءات تجميد القتال بإغلاق الحدود أمام السلاح والمسلحين وعند الحديث عن حلب يصير المطلوب إغلاق الحدود التركية، واتضحت معالم المبادرة الروسية كسعي لفكفكة المعارضة التي شاركت في جنيف، والسعي إلى استكشاف فرص اختيار قواها وشخصياتها التي سترتضي مقاربة الحلّ السياسي على قاعدة التسليم بنتائج الانتخابات الرئاسية كنقطة بداية لا تفاوض حولها.
– صديق قديم في موسكو لخص لي الموقف الروسي بالقول، إنّ روسيا استثمرت في الوقوف مع سورية سياسياً وتسليحياً واقتصادياً في ظروف كان وضع سورية فيها مقلقاً، ولم تتهيّب موسكو التهديد ولم تغرّها الوعود والإغراءات، وموسكو تميّز بين قناعتها بضرورة مواكبة النجاحات التي حققتها سورية ومعها روسيا، بعمل سياسي يجب الاتفاق عليه مع الحكومة السورية من دون تجميد مسار النجاحات المتاحة عسكرياً، وبين التزامات روسية مبدئية تجاه سورية لضمان مصادر قوتها وعناصر صمودها، وأنّ موسكو التي تقود مبادرة لدعوة رموز من المعارضة وممثلين للحكومة السورية للجلوس إلى مائدة واحدة بهدوء والبحث عن أطر للحلّ السياسي، تربط كلّ خطوة تقوم أو ستقوم بها بالروزنامة التي تراها القيادة السورية.