أسعار النفط… والمشهد الاقتصادي المرتبك
أسعار النفط… والمشهد الاقتصادي المرتبك
د. لمياء عاصي
يبدو أن المشهد الاقتصادي العالمي ينذر ببوادر أزمة اقتصادية تلوح في الأفق، ناجمة عن تأثيرات تدهور في أسعار النفط أخيراً على اقتصادات الدول بطرق مختلفة، خصوصاً أنّ هذا الانخفاض أتى مسبوقاً بتباطؤ اقتصادي مترافق بارتفاع نسب الدين الداخلي والخارجي على مستوى العالم. ما يتعلق بالبطالة ومعدلات الدخل والاستهلاك للأسر ونمو الناتج المحلي الإجمالي، هذه المؤشرات التي تهدد الازدهار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي للدول، في وقت لم يتعافَ العالم بعد، من الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة عام 2008 وسميت (أزمة الرهن العقاري)، وأصابت اقتصادات كثيرة، وأدت إلى إفلاس العديد من المؤسسات المالية العالمية.
تدور اليوم، تساؤلات عديدة عن أسباب تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية والتغيّرات المحتملة في هذا القطاع الاستراتيجي وكيفية انعكاسها على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي؟ وماذا عن السوق المحلية واستجابتها لتغير الأسعار الشديد؟
يقول خبراء الطاقة، إن العامل الرئيس في تدهور أسعار النفط، هو المعرفة، والوصول إلى تكنولوجيا جديدة تجعل عملية استخراج النفط من الصخر الزيتي أو الحجر السجيلي عملية مجدية اقتصادياً، ومن المعروف أنّ للمعرفة دوراً مهماً وحاسماً في تغيير القواعد المعروفة لقطاع معيّن، إذ تتغيّر معطيات العرض والطلب والحصص في السوق. وفي هذا السياق لا بدّ أن نذكر الكاتب الاقتصادي بيتر دركر Peter Drucker الذي تحدث في كتابه“ The Age Of Discontinuity” عن دور المعرفة في الاقتصاد، فيقول: “إنّ المعرفة والتعلم المستمر هما العنصران الرئيسان للنجاح في الاقتصاد الجديد، إذ إنّ المكوّن الرئيس لأيّ منتج هو القيمة التي يجلبها للمستهلك، والقيمة ناتجة من المعرفة التي يتمّ إدماجها في المنتج أو الخدمة المقدمة للمستهلكين، وهكذا فإن التوجه إلى المعرفة هو الذي سينضوي على القيمة الجوهرية”. هذا يفسّر أن المعرفة والتقنيات الجديدة، هي التي غيرت موازين العرض والطلب في سوق النفظ العالمية، وقريباً ستتغير قوائم الدول المصدرة والمستوردة للنفط بحسب وجود احتياطيات من الصخر الزيتي في أراضيها، فتدخل إلى قائمة البلدان المصدرة للنفط دول كانت مستوردة له، لسنوات طويلة بسبب هذه التقنيات الجديدة.
اليوم، باتت تغيّرات أسعار النفط، هي الخبر الأكثر حضوراً في نشرات الأخبار، إذ شهد سعر برميل النفط هبوطاً غير متوقع خلال أسابيع، من 110 دولارات إلى أقلّ من 57 دولاراً أثناء كتابة هذه السطور، والتوقعات تشير إلى مزيد من الهبوط، خصوصاً في ظلّ عدم تماسك أهمّ رابطة لمنتجي النفط (أوبك)، التي بدت عاجزة عن ضبط مستويات الإنتاج النفطي ليتقاطع مع الطلب العالمي عند معدلات أسعار مقبولة نسبياً، حيث لا بدّ للدول الأعضاء من تخفيض حصصها من السوق لتحقيق التوازن في السعر، ولكن السعودية ودول الخليج أصرّت على الاحتفاظ بحصصها من السوق، على رغم انخفاض الطلب العالمي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة، إذ انخفضت مستورداتها إلى أقلّ مستوى في 30 سنة، نتيجة التقدم الكبير في تكنولوجيا استخراج البترول من الصخر الزيتي والمخزون الكبير منه في ولايات عدة. إذن، أصبح واضحاً تغيّر المشهد في اقتصادات النفط، ولكن كيف سيكون انعكاس ذلك على الاقتصاد العالمي؟
هناك آراء مختلفة، حول تأثيرات انخفاض أسعار النفط في الاقتصاد العالمي. ففي حين يرى بعض الاقتصاديين، أنّ هذا الانخفاض في سعر برميل النفط، سيؤدّي إلى زيادة في الإنتاج، سيرتفع معه إجمالي الناتج المحلي على مستوى العالم، وهذا سيؤدّي إلى انتعاش اقتصادي وانخفاض في معدلات البطالة، وسينعكس إيجابياً على المستهلكين لأنهم سيحصلون على السلع والخدمات بأسعار أقل، ومن البديهي، أن الدول الصناعية الأكثر إنتاجاً سواء سلعياً أو خدمياً ستستفيد من هذا الانخفاض، أما الخاسرون فهم الدول المنتجة للنفط وخصوصاً من يعيش على الريع من الإنتاج النفطي بشكل رئيسي، هناك آراء لاقتصاديين آخرين تقول، إنّ هذا التغيّر السريع في أسعار النفط سيكون له تأثيرات كبيرة في الموزنات العامة للدول المنتجة، مثل روسيا وإيران وفنزويلا والسعودية، وربما ارتدادات في الأسواق المالية العالمية، تقودها التوقعات القاتمة لسوق النفط… ويقول الاقتصادي بول كروغمان: “إنّ ما يحصل في العالم، قد يسبّب نوعاً من الانكماش وليس التوسع في اقتصادات الدول، وقد يكون العالم أمام أزمة اقتصادية جدية وكبيرة”.
السؤال الذي يشغل بال السوريين، ويريدون إجابة عنه، كيف ستنعكس تغيرات أسعار النفط الخام العالمية على أسعار المشتقات النفطية في سورية؟ مبدئياً إنّ أيّ انخفاض في أسعار النفط عالمياً سيؤدّي إلى تراجع سعره محلياً، ولكن في ظلّ الأزمة السورية المدمّرة، والحرب التي تخوضها الدولة بكلّ مكوّناتها ضدّ الإرهاب منذ أربع أعوام، تتداخل عوامل عدة في تحديد أسعار المازوت والبنزين والفيول وغيرها في السوق المحلية، أولها: سيطرة المجموعات الإرهابية على آبار النفط في المنطقة الشمالية الشرقية وحرمان البلد من ثروتها الوطنية واضطرارها إلى استيراد المادة، ثانياً: العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سورية والتي أدت إلى رفع كلفة الاستيراد، ثالثاً: الوضع الأمني الذي أدى إلى وجود أخطار في عمليات النقل ومضاعفة تكاليفها، يضاف إلى العوامل السابقة، الطريقة البيروقراطية للحكومة، التي تقيدها القوانين واللوائح التنفيذية، وتعتبر أيضاً من أسباب ارتفاع التكلفة، وهذا يفسر القرار الأخير للحكومة بإفساح المجال أمام القطاع الخاص بأن يؤمّن المادة، والسماح له باستخدام كلّ من مصفاتي حمص وبانياس، ليقوم بتصفية النفط الخام المستورد وتأمين المادة إلى السوق المحلية، لما يتمتع به القطاع الخاص من مرونة عالية وقدرة على الاستجابة السريعة.
من الواضح، أنّ أسعار المشتقات النفطية بالعملة السورية لن تتراجع بنسبة انخفاض الأسعار العالمية نفسها، كنتيجة لتراجع قيمة الليرة وقدرتها الشرائية، أمام الدولار وهو العملة المستخدمة في تسعير النفط، إذ إن تأمين المواد والمشتقات البترولية شيء، وبيعه للمواطنين بأسعار معقولة تتناسب مع دخولهم… شيء آخر! فقد تجاوز سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية الــ 207 ليرات في كانون الأول عام 2014 مرتفعاً من 165 ل.س قبل أشهر قليلة.
أخيراً، يمكننا القول إنّ المشهد الاقتصادي العالمي سيشهد تغيّرات مستمرة ولن يكون انهيار أسعار البترول آخرها، طالما أنّ الإنسان يسعى إلى الاكتشاف وامتلاك المعرفة، تقوده في ذلك حاجاته الاقتصادية أولاً، ومن ثم التطور الكبير في الأبحاث العلمية… ولا عزاء للدول المصدّرة… التي تبدو لا حول لها ولا قوة…