عميل يهتكُ سيادة وطن…
} شوقي عواضة
لم نقرأ في تاريخ الدول والشعوب والمقاومات أنّ عميلاً يهدّد وطناً ويكسر هيبة القانون ويسقط هيبة الدولة، إلا في لبنان حيث السيادة الاستنسابية والعدل الاستنسابي. تلك الحقيقة التي تجلّت مع وصول العميل «الإسرائيلي» عامر الفاخوري (جزار الخيام) إلى لبنان حيث عاد عودة «البطل المنتصر» فاستُقبل في المطار استقبال الفاتحين. دخل لبنان وجال على عدة مسؤولين سياسيين وعسكريين وبرفقة أحد العمداء في الجيش قصد مركز الأمن العام ليستعيد جواز سفره الذي احتجز يوم عودته، كلّ ذلك جرى بصمت وبعيداً عن الإعلام مما يؤكد أنّ عودة العميل الفاخوري كانت بقرار أميركي «إسرائيلي» متقن ومدروس، وتمّ تنسيقه مع قيادات سياسية وأمنية وعسكرية أمّنت دخوله بكلّ سهولة، وهذا يعني أنّ إدارة ترامب استنفرت كلّ أجهزتها منذ اتخاذها قرار عودة العميل الفاخوري المتزامن مع اندلاع الحراك الشعبي في لبنان أمر له دلالاته وأبعاده يطرح العديد من التساؤلات… أوّلها ما هي المهمة الكبيرة التي أوكلت إلى العميل الفاخوري في لبنان؟ ومن هو الفريق الذي يعمل معه من الداخل اللبناني من كافة المستويات؟ وما هو أمر العمليات الذي كان بصدد تنفيذه لولا عملية توقيفه؟ وفقاً للعقل والمنطق فإنّ الإجابات على تلك الأسئلة تقول إنّ جزار الخيام قدم إلى بيروت حاملاً مخططاً انقلابياً يطيح بالدولة ويعمل على إضعاف المقاومة من خلال استغلال ظروف الفوضى في ظلّ الحراك الشعبي وتنفيذ العديد من العمليات الأمنية والاغتيالات لقيادات سياسية وحزبية والعمل على تجنيد أكبر عدد ممكن من العملاء من خلال شبكاته التي يفترض أن يتواصل معها من أجل التجسّس والبحث عن منظومات المقاومة الصاروخية، وما يؤكد ذلك تبنّي البيت الأبيض لقضية العميل الفاخوري ووضعها على قائمة أولوياته، وما تحرك القنوات الديبلوماسية الأميركية بعد تولي مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين الذي تمّ تعيينه خلفاً لجون بولتون، إلا دليل واضح على أهمية المهمة الموكلة إليه. أوقف العميل الفاخوري وحال الأميركيون دون خضوعه للتحقيق خوفاً من أن يعترف بمهماته. وتوالت الزيارات الأميركية إلى بيروت من خلال موفدين من الخارجية وشخصيات أمنية وعسكرية إضافة إلى تكليف أحد الضباط الأميركيين في سفارة بيروت بمتابعة القضية من خلال تشكيل غرفة عمليات في السفارة. أنجز الأميركيون مهمة إنقاذ العميل عامر الفاخوري في ظلّ تراخي أصحاب السيادة ودعاة الاستقلال وبحجة الضغوط والتهديدات هتكت سيادة لبنان والجريمة الأكبر من ذلك كانت محاولات هؤلاء الجبناء الذين برّأوا العميل فاخوري والإيحاء بانّ حزب الله يقف خلف قرار المحكمة العسكرية ليتسابق إعلام المرتزقين والسفارات في توجيه الاتهامات لحزب الله علماً أنّ موقف حزب الله كان واضحاً وشفافاً منذ بداية عملية توقيف العميل، ووفقاً للمتابعة مع هيئة شؤون الاسرى والمحررين فإنّ عملية توقيف العميل الفاخوري لم تكن لتتمّ لولا حزب الله الذي أعلن مراراً وتكراراً لكلّ المعنيين من رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والجهات القضائية المدنية والعسكرية أنّ قضية العميل عامر الفاخوري خط أحمر وهي غير قابلة للتفاوض ولا يمكن التهاون بها، ذلك الموقف الذي تبلغه القاضي العميد حسين عبدالله حتى بعدما أبلغ الحزب والجهات المعنية بوجود ضغوطات وتهديدات أميركية ستطاله شخصياً وأعضاء المحكمة في حال تمّت محاكمة جزار الخيام، وهو أمر أعلنه الأميركيون بوضوح من خلال إيصالهم رسالة مفادها إذا مات الفاخوري في بيروت، فستعاقب أميركا كلّ من تورّط بمحاكمة العميل، أيّ كان البيت الأبيض بصدد إصدار مشروع قانون يعلن بموجبه الإعلان عن (المتورّطين) في قضية العميل الفاخوري وستتمّ ملاحقتهم ومحاكمتهم في محاكم دولية وأميركية. تهويل دفع بالقاضي حسين عبدالله لاتخاذ حكم البراءة بعد إبلاغ حزب الله بالتهديدات وليس بقراره، وبالرغم من ذلك كان موقف الحزب جلياً من خلال دعوته للقاضي عبدالله إلى احترام سيادة لبنان وتاريخ الجيش والمحكمة العسكرية وعدم تبرئة العميل، وأنّ أقلّ ما يستحقه هذا العميل هو الإعدام، إلا أنّ القاضي عبدالله أصرّ على تبرئة العميل خوفاً من أن تطاله العقوبات الأميركية، وهو عذر غير مبرّر لأنّ الحكم كان بمثابة تصريح للناس بخيانة بلدهم اليوم، وإزاء ما ألحقه حكم القاضي حسين عبدالله من عار بالجسم القضائي والعسكري، وأمام كسر السيادة والهيبة للدولة والقانون على المسؤولين إدراك خطورة ما جرى من خلال فتح تحقيق يبدأ باستقالة القاضي عبدالله وكلّ من يظهره التحقيق ممن توسّطوا أو دعموا وأصدروا حكم البراءة للعميل الفاخوري ومحاكمتهم بتهمة الخيانة…