لن تمرّوا على جراحنا بجواز سفر دبلوماسيّ
عبير حمدان
تصعب مقاربة الموضوع المتصل بالنصوص القانونية التي منحت صكّ البراءة لعميل برتبة قاتل بأسلوب بعيد عن الغضب والخجل في آن من جراح الأسرى وعذاباتهم ومن دماء الشهداء فهؤلاء فقط من السياسة وما يكمن في تفاصيلها من شياطين براء.
القاضي الذي تلطى خلف أصابع نص قانون مبني على ما يسمّى سقوط التهم بالتقادم كان المفترض أن يحتكم إلى مبدأ انتمائه إلى هذه الأرض وإنْ حاصره النص وأحرجه كان من الأجدى به أن يضع مطرقته جانباً في مواجهة ضغوط سياسية بخلفية خارجية.
كيف نثق بقضاء أسقط من حساباته أنّ جرم الخيانة لا يسقط بمرور الزمن، وكيف نحفظ حق المقاومين الذين نفذوا حكم الحق بالدفاع عن بلادهم دون أن ينتظروا الإذن من أحد لإطلاق شعلتهم التي قادت إلى النصر، وكيف نصون هذا النصر إنْ لم نحاسب عملاء الداخل مهما سمحت لهم جنسياتهم المكتسبة باعتماد الوقاحة والصلافة وتبديل الوقائع على قياس «السلام العالمي»؟
يحاصر العالم اليوم فيروس فتاك يجبر كلّ بشري على التزام منزله ولم تزل التجارب في بدايتها لمعرفة تركيبته والحدّ من انتشاره، فماذا عن وباء تعميم مبدأ «أنّ العمالة وجهة نظر» وتمريره بشكل متصاعد في مختلف المجالات وصولاً إلى تدمير الهوية القومية وفعل الانتماء؟
بالأمس القريب تعالت الأصوات على المنابر مندّدة بصفقة القرن واليوم تأتي طوافة عسكرية أميركية لتنقل العميل عامر الفاخوري في سماء وطن كان جزء كبير من شبابه ولم يزل رأس حربة التصدي ضدّ الكيان الصهيوني، فأيّ تناقض هذا وأيّ صيف وشتاء تحت سقف واحد؟ وأين اختنقت هذه الأصوات بعد إعلان ترامب ما حرفيته «عامر الفاخوري أميركي محتجز في لبنان يعاني من مرض السرطان، سيتمّ إطلاق سراحه وإعادته إلى الولايات المتحدة»؟ إنْ كانوا لا يسمعون ولا يعلمون فتلك مشكلة وإنْ علموا وسمعوا فالمشكلة أعظم، وكلّ ما نكتبه لن يدرك من نشير إليهم ما بين سطوره وربما من الأجدى أن نخرج من الظلّ إلى النور ونرفع غطاء التبعية بحجة التحالف كمحاور لأنّ فعل الممانعة لا يتجزأ بل لا يجب أن تتمّ المساومة على كيفية تبنّيه كنهج فعلي واضح…
لعلّ المشكلة تكمن في طبيعة تكوين الكيان اللبناني القائم على قاعدة تمرير الصفقات ولو في عتمة ليل الحجر المنزلي الإلزامي وإلهاء الناس بهمومهم الاقتصادية والمعيشية والصحية، فيأتي إطلاق سراح أحد أخطر العملاء صاعقة عابرة لا يملك من يرفضه إلا منصات التواصل الاجتماعي لإطلاق صرختهم التي لن يسمعها أحد من المعنيّين بهذا الملف، ومع مرور الزمن تسقط كلّ الاستنكارات في هوّة النسيان، وهكذا تكون ثقافة الرضوخ في مواجهة ثقافة التصدي.
من المعيب أن نلتزم الصمت في زمن القضاء الاستنسابي الذي حكم على أبطال بالإعدام غيابياً لأنهم نفذوا حكم الشعب بالعميل، واليوم أعاد كرة الاستهزاء بمفهوم القضية فمنح الحرية لمن لا يستحقها متجاهلاً نبض الأرض ومبرّراً لكلّ العملاء ما جنته أيديهم طوال فترة الاحتلال، مهما أصدرتم من صكوك البراءة نحن أبناء هذه البلاد لن نسمح لكم أن تصلوا بنا إلى زمن يبيح لكلّ من تعامل مع العدو العبور على جراحنا بجواز سفر دبلوماسي…