محفوض لـ«البناء»: لن نخرج من الشارع قبل استعادة الحقوق
ماهر الخطيب
مرة جديدة دخلت سلسلة الرتب والرواتب في لعبة المصالح السياسية والاقتصادية والمالية، ونجحت، حيث فشلت العديد من الملفات، في كسر الانقسام الحاد القائم بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، في السنوات الأخيرة، الأمر الذي شكل صدمة بالنسبة إلى العديد من الأوساط السياسية والنقابية التي لم تكن تتوقع وصول الأمر إلى ما هي عليه اليوم.
في الفترة الأخيرة، وبعد الانتهاء من مناقشة مشروع السلسلة في اللجان النيابية المشتركة، كان الكثيرون يتوقعون أن يسلك طريقه الطبيعي نحو الإقرار في الهيئة العامة، لا سيما أنه أشبع درساً في اللجان، لكن المفاجأة ظهرت من خلال اعتراض بعض نواب كتلة المستقبل عليه، أبرزهم غازي يوسف، الذي حرص في البداية على القول إن موقفه يعبّر عن رأيه الشخصي لا عن رأي الكتلة التي ينتمي إليها، قبل أن يمتد الاعتراض ليشمل جميع نواب الكتلة ، بالإضافة إلى كتل حليفة ومعارضة لها، لا سيما تكتل التغيير والإصلاح الذي كان أمين سره النائب ابراهيم كنعان يشرف على المشروع في اللجان النيابية.
في الجلسة التشريعية الأخيرة، قرر مجلس النواب تشكيل لجنة لإعادة درس الأرقام خلال مهلة 15 يوماً، تنتهي في الأول من أيار، نتيجة تفاهم ضمني ضم كتلة المستقبل والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وجبهة النضال الوطني، في مقابل معارضة باقي الكتل، قبل أن يحسم الأمر بالتصويت على التأجيل الذي فاز بأصوات 65 نائباً مقابل 27 صوتاً معارضاً.
حكاية السلسلة
بالعودة إلى السيرورة التاريخية، وضعت سلسلة الرتب والرواتب في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب مع انشاء مجلس الخدمة المدنية، وشهدت تعديلات عدة، ومع حلول الحرب الأهلية انهارت، وأصبحت كل مؤسسة أو إدارة مدنية أو عسكرية تضع زيادات للرواتب تحت عناوين مختلفة، قبل أن يقرر إعادة إحياء السلسلة في العام 1997 مجدداً وبقيت على حالها حتى العام 2012 حين أقرت الحكومة زيادة الأجور للقطاع الخاص، من دون أن يتم إقرارها في مجلس النواب حتى اليوم.
وفي هذا السياق، تعود مصادر متابعة لهذا الملف إلى عملية تصحيح الأجور التي حصلت في العام 2008 من أجل توضيح ما يحصل، حيث تشير إلى أنه في هذا العام صدر مرسوم زيادة الأجور 200 ألف ليرة لبنانية للموظفين في القطاع الخاص واستفاد منه موظفو القطاع العام، لكنها تلفت إلى أن الأجور في القطاع العام لا تتعدل كما يحصل في القطاع الخاص، حيث توضح أنه في الأخير هناك ميزة القدرة التفاوضية على مستوى شخصي أو جماعي.
وتوضح أن القطاع يعتمد على نظام الرتب، الذي يُقسّم على أساسه الموظفون إلى فئات، وضمن كلّ فئة هناك درجات، ويتم تحديد الراتب طبقاً لمعادلة تأخذ في الاعتبار الراتب والدرجة، وتشير إلى أن الموظف ضمن هذا النظام يُرقّى على سلّم الفئات طبقاً لجدارته ولشهاداته، في حين يكون كسبه للدرجات بحكم الأقدميّة في العمل.
وتلفت المصادر إلى صدور قانون خاصّ بالقضاة وآخر خاص بأساتذة الجامعة اللبنانية لتصحيح رواتبهم هيكلياً، في حين بقيت معلّقةً رواتب الأساتذة وموظفي الإدارة العامّة.
وفي شهر آذار من العام الماضي، أحالت الحكومة مشروع السلسلة إلى المجلس النيابي، وعندها وصفت هيئة التنسيق النقابية الأمر حصيلة جلسة مجلس الوزراء التي استمرت نحو 8 ساعات بـ«انتصار للحركة النقابية المستقلة»، مع العلم أن ذلك كان تحت ضغط إضرابات واعتصامات نقابية، ومنذ ذلك الوقت يتم الحديث عن مجموعة من المحاذير الاقتصادية والمالية، حيث خرج مجلس الوزراء منقسماً حيال أرقامها ووارداتها والكثير من بنودها.
وعلى الرغم من ذلك، أصدرت هيئة التنسيق النقابية، في ذلك الوقت بياناً، اعتبرت فيه «أنّ إحالة مشروع السلسلة على مجلس النواب إنجازاً نقابياً ومعنوياً مهمّاً وانتصاراً لا يوازيه أي مكسب مادي وهو يؤشر لولادة حركة نقابية مستقلة في لبنان بما يساهم في تحصين السلم الأهلي والوحدة الوطنية».
في الأيام الأخيرة، عاد هذا الملف إلى الواجهة من جديد من بوابة الدعوة التي وجّهها رئيس مجلس النواب إلى اللجان النيابية المشتركة للاجتماع من أجل البحث به، وأعربت هيئة التنسيق عن تفاؤلها بالوصول إلى خاتمة سعيدة بعد أشهر طويلة من الانتظار، خصوصاً أن السلسلة كانت قد انتهت درساً في اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة، وبالتالي كان من المفترض أن اللجان المشتركة بجوجلة نهائية لها قبل إحالتها إلى الهيئة العامة، خصوصاً أنه كان هناك إجماع في اللجنة الفرعية على السلسلة في صيغتها النهائية، لكن المفاجأة كانت بعودة العرقلة من جديد، حيث عادت السلسلة من جديد الى لجنة فرعية مشكّلة من الهيئة العامة للمزيد من الدرس بعد أن فشلت اللجان النيابية المشتركة في التوافق على كل مصادر تمويل السلسلة، بينما اتفقت على أحقية الموظفين في إقرارها.
وأمام هذا الواقع، الذي كان من أبرز العوامل التي ساهمت في الوصول إليه حملة التهويل التي قامت بها الهيئات الاقتصاية مجتمعة وجمعية المصارف، عادت هيئة التنسيق النقابية إلى التهديد من جديد بالعودة إلى الشارع في التاسع والعشرين من الجاري، مؤكدة أن لا مساومة على الحقوق، في حين بات الوقت عاملاً ضاغطاً بسبب قرب موعد الاستحقاق الرئاسي مع دعوة بري إلى جلسة انتخابية في الثالث والعشرين من الجاري.
السلسلة ضحيّة القرار السياسي
على صعيد متصل، لدى الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزنة قراءة موضوعية لمعالجة هذا الملف، إلا أنه يعتبر أن السلسلة اليوم أصبحت ضحية القرار السياسي في البلاد، ويشير إلى أن الملف أصبح في حكم المؤجل إلى ما بعد الإنتخابات النيابية المقبلة.
وفي حديث لـ«البناء»، يرى الدكتور وزنة أن التقسيط يساعد في معالجة الموضوع بشكل جيد، حيث تستطيع هيئة التنسيق النقابية أن تأخذ الحقوق التي تطالبها منذ سنوات من جهة، كما يساعد على التخفيف من تباعات إقرارها على النظام المالي وارتفاع الأسعار من جهة ثانية، ويبعد مخاطر التدهور النقدي الذي يتخوف منه البعض.
من ناحية ثانية، يلفت الدكتور وزنة إلى أن هناك ضرورة لمعرفة الأرقام الحقيقية في السلسلة، لأننا حتى الآن لا معلومات دقيقة لدينا عنها، ويدعو إلى أن لا تطال موارد التمويل الشريحة الواسعة من المواطنين، حيث يشير إلى أن هناك امكانية للبحث عن موارد أخرى بعيداً عن الضرائب، ويشدد على ضرورة أن يترافق كل ذلك مع خطوات إصلاحية لناحية الحد من الهدر والفساد.
ويؤكد الدكتور وزنة على أن مطالب هيئة التنسيق النقابية محقة لكنها تأخرت سنوات طويلة، ويشير إلى أن الحكومات المتعاقبة تتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية عن الواقع الذي وصلت إليه البلاد، ويلفت إلى أن التصحيحات في الأجور التي حصلت بالنسبة إلى القضاء والأساتذة في الجامعة اللبنانية أثرت أيضاً، بالإضافة إلى دور اللجنة الفرعية التي خلقت زيادات كبيرة في كلفة السلسلة.
ومن وجهة نظره، يشدد الدكتور وزنة على أن السلسلة أصبحت ضحية القرار السياسي، حيث يشير إلى أن هناك قوى سياسية تعتبر أن مطالب الهيئة محقّة لكنها تعتبر أنه من المفترض مواكبة إقرارها إجراءات معينة، في حين أن هناك قوىً سياسية أخرى ترى أن الوضع الاقتصادي صعب لا يحتمل هذا الأمر.
ويؤكد الدكتور وزنة أن التأجيل الذي أعلن أنه سيكون لمدة 15 يوماً سوف يمتد إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، بسبب الضغوط التي ستتسبب بها الملفات السياسية الضاغطة، لا سيما موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية، التي من المفترض بعدها أن يبدأ التحضير لإجراء الانتخابات النيابية.
مخاوف جدية
من جانبه، يؤكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، عضو هيئة التنسيق النقابية نعمة محفوض، في حديث لـ«البناء»، أن هناك مخاوف جدية من الدخول في دوامة التأجيل بعد الذي حصل في الجلسة التشريعية، خصوصاً أن ما طرح من قبل النواب لعمل اللجنة التي تشكلت لا يمكن الانتهاء منه خلال فترة قصيرة، ويشير إلى تصريح رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط الذي دعا إلى إلغاء السلسلة للتأكيد على ذلك، لكنه يقول: «سنثبت لهم أننا لسنا نعاج».
وعلى صعيد التحركات المقبلة، يشير محفوض إلى التظاهرة والإضراب في 29 من الشهر الجاري، ويضيف: «بعد ذلك سنقوم بكل الخطوات التي لا تخطر على بالهم»، ويلفت إلى أن هيئة التنسيق النقابية أبلغت مجلس الوزراء عبر وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب أن لا عام دراسياً في حال عدم إقرار السلسلة، ويوضح أن الوزير نقل الرسالة إلى المجلس.
وعلى الرغم من الوعود التي تقدم بانتهاء عمل اللجنة النيابية خلال الفترة المحددة لها، يؤكد محفوض أنه شخصياً ليس لديه ثقة بذلك، ويؤكد أن الحديث عن تأجيل السلسلة إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة أمر جدي، ويضيف:»لو كانوا جديين لتم الانتهاء من هذا الملف خلال الجسلة التشريعية، خصوصاً أن كل القوى السياسية كانت مشاركة في اللجنة الفرعية برئاسة النائب إبراهيم كنعان»، ويتابع: «سيعمدون إلى التأجيل لكن عليهم أن يتحملوا النتائج».
ورداً على سؤال حول إمكان موافقة هيئة التنسيق النقابية على موضوع تقسيط السلسلة، يوضح محفوض أن المشروع المرسل من الحكومة السابقة ينص على التقسيط من تموز عام 2012، ويشير إلى أن الهيئة توافق على هذا المشروع، لكن على المجلس النيابي أن يوافق عليه.
من جهة ثانية، يوضح محفوض أن الهيئة في الماضي كانت تحمّل المسؤولية إلى الحكومة السابقة وإلى القوى السياسية المشاركة فيها، لكنها اليوم تحمّل المسؤولية إلى كل القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي، ويؤكد أن الكل يقف إلى جانبنا في الكلام فقط لكن فعلياً لا أحد.
ويرفض محفوض القول: «إن هيئة التنسيق النقابية هُزمت في المعركة أمام السلطة والمال، ويشدد على أنها انتصرت لأنها تمكنت من فضح الجميع ونشرغسيلهم أمام الرأي العام اللبناني، ويؤكد أن كلام بعض المسؤولين عن الفساد ينبغي أن يودي بهم إلى المنزل في حال لم يكن هناك محاسبة فعلية لهم ترسلهم إلى السجن.
وفي الختام، يشدد محفوض على أن هيئة التنسيق النقابية لن تخرج من الشارع قبل استعادة حقوق المواطنين.