«نيويورك» تحتلّ مكان «ووهان» كبؤرة لكورونا.. وعمدتها: ترامب كذّاب والمدينة تحتضر / تمديد التعبئة العامة وإقفال المطار والمعابر والمدارس إلى منتصف نيسان / الحكومة تتعثّر بـ«الكابيتال كونترول»… وبحث في تنظيم التكافل الاجتماعيّ /
كتب المحرّر السياسيّ
سجلت مدينة نيويورك رقماً قياسياً عالمياً في الإصابات بفيروس كورونا مع بلوغ العدد 20 ألفاً من أصل عدد سكان بثمانية ملايين، ما يعادل أكثر من اثنين بالألف، وهو أعلى الأرقام المسجّلة في العالم، بعد ووهان التي احتلت لأيام مضت المكانة العالمية الأولى كبؤرة للفيروس، وتدخل اليوم دورة الحياة الطبيعية بعدما تعافت وخرج مصابوها من المستشفيات؛ فيما كان الفريق الرئاسي الأميركي الذي يعمل تحت إشراف نائب الرئيس مايك بنس يعلن نيويورك كبؤرة لتفشي الفيروس في أنحاء أميركا، معلناً قيام الإدارة بتخصيص المساعدات اللازمة لعمدة نيويورك، الذي خرج يتحدّث عن الرئيس ترامب ككذاب يطلق الكلام بلا مصداقية، مؤكداً أن المدينة التي تشكل عاصمة العالم الحديث تحتضر فيما الرئيس يتفرّج ويتكلم بلا طائل من دون أن ينفذ شيئاً من وعوده، مؤكداً أن نيويورك لم تتلق بعد أي مساندة من الرئاسة، وهي بأمسّ الحاجة لأجهزة التنفس وللأقنعة الواقية والمواد المعقمة.
في لبنان، مع تسجيل 318 إصابة بقي ترتيب لبنان في السلم العالمي، حسب عدد الإصابات في المرتبة 56، وبقي عدد المصابين بالنسبة لعدد السكان دون المعدل الوسطي العالمي، بنسبة 47 إصابة بالمليون مقابل معدل وسطي سجل 53,6 لكل مليون نسمة، بينما تركّزت أنظار العالم على الدول الخمس التي يتركز فيها الفيروس ويتقدّم عبرها ليلامس إجمالي عدد المصابين المسجلين رقم النصف مليون، بعدما طوى الأسبوع الماضي رقم الربع مليون، ومن أصل 410 آلاف مصاب مسجّل، و290 إصابة فاعلة، سجلت إيطاليا وأميركا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا منها 190 ألفاً، بينما يشكل إجمالي المصابين في أوروبا وأميركا معاً 250 ألفاً، و 40 ألفاً في كل باقي دول العالم التي تعاني من انتشار الفيروس، بينما تراجعت الصين عن الجدول العالمي وسجلت إيران وكوريا الجنوبية مراتب بعد هذه الدول الخمس، حيث تتقدم إيطاليا وفرنسا بعدد حالات الشفاء وتواصل تسجيل أرقام جديدة مرتفعة للإصابات، وتسجل أميركا الرقم القياسي بزيادة الإصابات وضعف حالات الشفاء، رغم أنها لا تزال في مرتبة جيدة في نسبة المصابين إلى السكان، بنسبة 160 مصاباً بالمليون مقابل 1140 مصاباً لكل مليون إيطاليّ، و850 مصاباً لكل مليون إسباني.
التقييم الإيجابي عموماً للمواجهة اللبنانية مع الفيروس، لم تحجب نقاط ضعف أساسية، أبرزها غياب التجاوب في بعض القطاعات والمناطق والشرائح مع الإجراءات المطلوبة، والنتائج الاجتماعية القاسية لهذه الإجراءات على الفئات الضعيفة في المجتمع، ووفقاً لمصادر حكوميّة، فإن تمديد العمل بالتعبئة العامة وتشديد الإجراءات، مع مواصلة إقفال المعابر والمطار والمدارس، حتى منتصف شهر نيسان المقبل يبدو محسوماً، لكن بالتوازي مع بحث بدأته الحكومة قبل أيام في كيفية بلورة إطار قانوني يتيح تأمين مساهمات حكومية وأهلية لتلبية حجم الضغوط المتزايدة للحاجات التي تنتج عن اجتماع وضع اقتصادي صعب وتوقف عجلة الإنتاج والدورة الطبيعية للحياة. وقالت المصادر إن النقاش يدور حول ما إذا كانت الهيئة العليا للإغاثة هي الجهة التي يمكن أن تناط بها هذه المهمة، أم أن إيجاد صيغة تشترك فيها الهيئة مع الجيش اللبناني والصليب الأحمر يمكن أن تضمن سرعة وفاعلية في التلبية، وتوحي للمساهمين بدرجة أعلى بالمصداقية.
بالتوازي بدا المشروع الحكومي للتحكّم بالودائع، المسمّى بالكابيتال كونترول متعثراً، مع تسجيل رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله تحفظات عديدة عليه، تتصل بتعرّضه للحق الدستوري الذي يصون الملكية الخاصة، ويُمنَع التصرف بها ومصادرتها إلا مقابل بدل ولحساب المصلحة العامة، فيما يشكل القانون إجازة للتعدّي على الملكية الخاصة وحرية التصرف بها. هذا إضافة إلى أن الجهة التي تمنح صلاحية القيام بالتحكم هي جهة صاحبة مصلحة خاصة تبغي الربح، وليست جهة عامة، ومثل هذا الإجراء وفقاً لمصادر متخصّصة، أي حصر حق تصرف المودعين بنسبة من ودائعهم وضمن شروط معينة، يمكن اللجوء إليه في حال تدبير استثنائي يترافق مع تأميم المصارف، وإعادة هيكلة النظام المصرفي لمرة واحدة، ضمن سلة متكاملة من الإجراءات.
كل المؤشرات تدلّ، بحسب مصادر مطلعة لـ«البناء»، أن فترة التعبئة العامة سوف تكون قابلة للتمديد ربما أسبوعاً أو أسبوعين، لا سيما ان اجتماع لجنة الطوارئ في السراي الحكومية التي تتابع مجريات الوقائع على الارض وفي المستشفيات رفعت توصية الى مجلس الوزراء الذي سوف يجتمع غداً بتمديد حال التعبئة العامة لأسبوعين إضافيين بعد ٢٩ آذار. ولفتت المصادر الى أن هناك أوساطاً معنيّة تفضل العمل بالتوازي مع الإجراءات الأمنية عزل بعض المناطق ابتداءً من الأسبوع المقبل لا سيما أن عدد الإصابات يأخذ منحى تصاعدياً لا سيما في جبيل وكسروان والمتن.
وفيما تردّدت معلومات أن رئيس الجمهورية أسوة بالتيار الوطني الحر يرفض إعلان حالة الطوارئ العامة، ويدعو الى البقاء على ما سُمّي بالتعبئة العامة، على عكس حزب الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري اللذين لا يمانعان إعلان حالة الطوارئ أسوة بالكثير من القوى السياسية التي تطالب بذلك، بما فيها تيار المستقبل والتقدمي الاشتراكي وحزب القوات، أوضح مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية أن «قرار مجلس الوزراء إعلان التعبئة العامة جاء بناء على إنهاء المجلس الاعلى للدفاع وتقييم موضوعي للاوضاع الراهنة بعد انتشار الكورونا وتعرض السكان للخطر وفق ما جاء في الفقرة «أ» من المادة الثانية من قانون الدفاع الوطني، ولجوء بعض وسائل الاعلام الى الادعاء بأن الرئيس يعارض اعلان حالة الطوارئ لأسباب سياسية، يدخل في إطار الدس الرخيص الذي دأبت جهات الى اعتماده لأسباب لم تعد تخفى على احد». وأشار المكتب الى أن «لا داعي للتذكير بأن رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ورمز وحدتها وأقسم اليمين على المحافظة على دستورها وعلى قوانينها، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس الاعلى للدفاع، وهو يدرك استطراداً أين تكمن مصلحة البلاد العليا، وكيفية السهر على ادارة المؤسسات، وأي كلام عن اعتراض على دور أي من مؤسسات الدولة الأمنية هو محض اختلاق وادعاءات تعاقب عليها القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، فضلاً عن ان مطلقيها هدفهم زرع شقاق بين الرئيس وهذه المؤسسة أو تلك، وهو امر لن يحصل».
وكان بلغ عدد الحالات المثبتة مخبرياً في مستشفى رفيق الحريري الجامعي ومختبرات المستشفيات الجامعية المعتمدة بالإضافة إلى المختبرات الخاصة 318 حالات بزيادة 51 حالة عن يوم أول أمس.
وأكد رئيس الحكومة حسان دياب ان التشدد بالإجراءات لمواجهة وباء الكورونا رفع من درجة التزام الناس في أغلب المناطق اللبنانية، وعلينا الاستمرار بتنفيذ هذه الإجراءات حتى نضمن عدم انفلات الأمور، على الرغم من انه في مناطق عديدة كان الالتزام ضعيفًا نسبياً. لذلك، من الضروري متابعة الأجهزة العسكرية والأمنية، التشدّد بشكل أكبر في المناطق حيث لا يزال الالتزام غير كامل.
وقال من الضروري أن يكون هناك تكافل اجتماعي بين اللبنانيين. ولقد أثبت اللبنانيون عبر التاريخ أنهم يتعاونون ويتقاسمون رغيف الخبز في حالات الخطر. ودعا إلى اتخاذ قرارات ضمن كل وزارة لتعليق المهل المالية، وتأجيل دفع الرسوم والضرائب المتعلقة بالكهرباء والمياه والهواتف والضمان والميكانيك والعدلية.
وأثار مجلس الوزراء أمس، موضوع الطلاب اللبنانيين في الخارج، وعرض وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتّي سبل توفير مساعدة اجتماعية لهؤلاء الطلاب بناء على طلب الرئيس دياب، اضافة الى مدّهم بمساعدة مادية تمكنهم من الصمود في هذه الظروف. وتقرر استمرار التواصل معهم للوقوف على حاجاتهم وإسعافهم قدر المستطاع.
وأطلقت من السراي الحكومي مبادرة من جمعية مصارف لبنان، وهي عبارة عن تأمين اجهزة طبية واستشفائية لمعالجة المصابين بوباء الكورونا بقيمة تناهز 6 ملايين دولار اميركي. وأعلن رئيس الحكومة خلال استقباله وفد جمعية المصارف «أن ما نمرّ به اليوم يحتاج إلى تضافر كل الجهود، من دون مزايدات، ولا حسابات. البلد كلّه يرزح تحت وطأة ضغوط قاسية، ولا يمكن لأي كان أن يحمل وحده عبء هذه الضغوط. حتى الدولة، في ظل إمكاناتها الحاضرة، يصعب عليها القيام بكامل واجباتها تجاه مواطنيها. ولذلك فإن الرهان هو على تكافل المجتمع اللبناني، والتعاون مع الدولة التي لا ملاذ إلا بها، باعتبارها الحاضن الوحيد لجميع أبنائها، من دون تمييز».
وكان مجلس الوزراء بحث في مشروع القانون المعجّل الرامي في الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ضوء التدابير المتخذة بسبب اعلان التعبئة العامة، اضافة الى استكمال البحث في الوضعين المالي والنقدي. ومن المرجح ان يضع الوزراء ملاحظاتهم بشأن الكابيتال كونترول لعرضها على مجلس الوزراء يوم غد الخميس في قصر بعبدا، لا سيما ان وزير المال غازي وزني سحب المشروع من جلسة يوم امس، في ظل الاشكال الحاصل حوله واعلان الرئيس نبيه بري أنه يرفض إقرار الكابيتال كونترول لأنه يعد مخالفاً للدستور.
وتقدم الوزيران رمزي مشرفيّة وعماد حب الله بمشروع جديد لـ«الكابيتال كونترول»، ومن أبرز بنوده تحديد السحوبات بالعملة الأجنبيّة لدى المصارف بمبلغ ألف دولار أميركي شهريّاً، للحسابات التي تقلّ قيمتها عن 50 ألف دولارأميركي، ونسبة 5 بالألف شهريّاً من شطور الحسابات التي تزيد عن 50 ألف دولار أميركي، مهما كانت قيمة هذه الحسابات، على ألا يزيد المبلغ عن 25 ألف دولار أميركي شهريّاً، على أن تُضاف إلى المبالغ المذكورة الفوائد المصرفيّة.