ديفيد هِل عاد لمقاربة فكرة عون رئيساً
يوسف المصري
بعد زيارة كل من الدبلوماسيين الفرنسي جان فرنسوا جيرو والروسي ميخائيل بوغدانوف إلى بيروت، ساد صمت على مستوى الاندفاعة الدولية في شأن تحريك المياه الراكدة بخصوص انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وأقله على مستوى جيرو فان انطباعه أن وقت الاختراقات على جبهة انتخاب رئيس لم تحن بعد، لأسباب محلية لبنانية مثلما هي أيضاً لأسباب إقليمية. في لقائه مع حزب الله سمع جيرو نفس العبارة بخصوص أن الحزب يقف وراء ترشيح الجنرال ميشال عون طالما أن الأخير ماض في ترشيحه. وتمت أمام جيرو استعادة وقائع حصلت في الدوحة، حيث كان عون حينها هو الذي اقترح على الحزب المضي بخيار ميشال سليمان حفاظاً على مصالح البلد العليا، ولكن الأخير بعد وصوله للرئاسة أدار ظهره لمبادرة عون الايجابية نحوه.
وخلص جيرو من كل جولته في لبنان إلى تصوّر يشدد على أن طريق حلحلة أزمته تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، لكنه اعترف أن أحداً لا يملك حالياً المفتاح الذي يعالج باب استعصاء إجراء انتخابات الرئاسة.
غير أن مصادر مواكبة لقضية الرئاسة اللبنانية، لاحظت أنه خلال الفترة التي سبقت وتلت زيارة جيرو، كثف السفير الأميركي في لبنان ديفيد هِل، وفي شكل خارج الأضواء، نشاط اتصالاته وراء الكواليس وذلك بغير اتجاه:
أولاً – اتصالات ببكركي وفحواها تشجيعها على فكرة أن الباب الأفضل لإنهاء أزمة الرئاسة الأولى، والذي عليها أن تطرقه، هو باب حزب الله.
ثانياً – يرى هِل أن مفاتحة الحزب بموضوع الرئاسة لا يجب بالضرورة أن ينطلق من مسلمة انسحاب عون من معركة ترشحه للرئاسة، بل من نقاش إمكانات حدوث اختراق للاستعصاء الحالي على مستوى استمرار الشغور في قصر بعبدا، عبر جملة خيارات بما فيها خيار انتخاب عون.
ثالثاً – تؤكد هذه المصادر أن هِل كان في فترة سابقة عشية انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ميالاً انطلاقاً من اعتبارات براغماتية لاعتبار أن وصول عون للرئاسة هو خيار واقعي في ظل ظروف اللحظة اللبنانية الراهنة. وثمة مراقبون وجدوا حينها أن اعتقاده هذا يتقاطع مع وجود فكرة داخل السعودية يؤمن بها البعض هناك، وتقول إنه إذا كان مجيء عون يضمن المحافظة على الطائف وامتيازات الرئيس الثالث السني فيه، فليس هناك من مانع لخوض غمار هذه المقايضة: تحصين الطائف مقابل مجيء عون لقصر بعبدا.
وترى هذه المصادر أن باريس عبر زيارة جيرو قامت بآخر محاولة دولية لإخراج عون من السباق الرئاسي. فالطرح الفرنسي كما تم عرضه في بيروت تحدث عن نوعين من المرشحين الأول يمثله عون وجعجع وهما من دون حظوظ للوصول للرئاسة على رغم ما يمثله الأول مسيحياً. ومرشحا النوع الثاني بحاجة لتعديلات دستورية وهو أمر قد لا يكون ممكناً في الظروف الراهنة. وعليه يجب البحث عن رئيس توافقي من نوع ثالث. ولكن جيرو عاد خالي الوفاض ومعترفاً بأن الاستعصاء الرئاسي يحتاج «إلى مقاربة واقعية وليس مقاربة استنسابية» كما نقل عنه عائدون من باريس خلال نهاية الأسبوع الماضي.
والسؤال الآن هو ما إذا كان كل من الفاتيكان وواشنطن انفتح على رؤية ديفيد هِل القديمة – الجديدة التي لا تزال لغاية الآن تعتبر رؤية شخصية تخص هِل من دون إدارته بخصوص إتباع خيار عون بوصفه الخيار الواقعي أو البرغماتي.
وضمن هذه الرؤية فانه سيكون مطروحاً على الثقل السني داخل «14 آذار» أخذ واحد من خيارين: إما تأييد ترشيح عون لقاء مقايضة تمكنه من الحصول على ثمن يريده، وبخاصة هنا ثمناً يريده تيار المستقبل على مستوى مصالحه في النظام السياسي، وإما تمرير إيصال عون للرئاسة في انتخابات لا يصوت فيها تيار المستقبل وحلفاؤه لمصلحته فيها، وبذلك يفوز بأقلية ضئيلة.
وفي المقابل فإن عون من خلال تقدمه خطوة مؤخراً لقبوله بمعركة في مجلس النواب بينه وبين الدكتور سمير جعجع يكون قد أعلن انفتاحه على الخيارين الآنفين معاً، بعد أن كان متمسكاً سابقاً بخيار أن يتم انتخابه بأصوات تمثل إجماعاً ميثاقياً بمعنى آخر فإن عون بات يقبل بنيل رئاسة بموجب تصويت توافقي إجماعي عليه أو رئاسة بغالبية تنتج من معركة انتخابية بين 8 و 14 آذار، يقف فيها المستقلون والمقصود هنا كتلة النائب وليد جنبلاط ونواب تمون عليهم بكركي إلى جانب عون.
ويظل مهماً في هذا الإطار بحسب مصادر مطلعة معرفة نوعية الرسالة الخاصة جداً التي نقلها النائب أكرم شهيب يوم الأحد الماضي للجنرال عون، وما إذا كانت تأتي ضمن سياق رفع فيتو المختارة عن ترشيح جنرال الرابية، وما إذا كانت البراغماتية الجنبلاطية وصلتها أخبار مقولة أن عون قد يصبح في لحظة قادمة قريبة الخيار البرغماتي الوحيد لحل أزمة الرئاسة، وهي تسعى لملاقاة هذا التوجه الذي لديه أنصار إقليميون ودوليون.
وضمن الافتراضات المتداولة كتجسيد لهذا السيناريو الآنف الذي يبدو أن ديفيد هِل لديه قناعة شخصية به، حصول انتخابات رئاسية تكرر مشهد الانتخابات التي أدت إلى نجاح الرئيس سليمان فرنجية الجد بفارق صوت واحد.