جائحة كورونا.. تهدّد رُكنَيْ “الإمبراطور”
} حسن شقير
منذ ثلاث سنوات وبضعة أشهر، حصل ما لم يتوقعه الكثيرون في المنطقة والعالم… فوز شخصٍ بمنصب رئيس لأعتى قوة في العالم، والذي وُصف بأنه “فكاهي، مزاجي، غريب الأطوار، دخيل على السياسة..” إلى غيرها من تلك النعوت والأوصاف التي كان يُوسمُ بها في حينه، وهو ذاك المرشح الجمهوري دونالد ترامب قبيل دخوله المفاجئ إلى البيت الأبيض في العام 2016…
لم تكد تمضي أيام وأسابيع قليلة، والتي تلت يوم فوزه في الإنتخابات، وحتى قبيل حفل تتصيبه رسمياً كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، حتى بانت توجهاته واستراتيجياته وآليات عمله، وذلك خدمة لركنين شخصانيين مركزيين لديه، والذي لم يُرد ولم يستطع إخفاءهما على أحد، ألا وهما:
– نزع الصفة البهلوانية عن شخصيته، وتقديم نفسه أنه رئيس جدير بالرئاسة ولفترتين متتاليتين..
– نزع “العقلانية” السياسية، والتي عابها ويعيبها على سلفه أوباما.. وتكريس عقيدة سياسية أميركية جديدة، عنوانها “الترامبية” لإعادة أميركا “قوية”، وهذا الهدف يدغدغ جنون العظمة الذي يحاول ترامب وسم شخصه به.
هذان الركنان الأساسيان في شخصية ترامب، ليسا موضع اختلاف مع أحد.. لا بل أنّ هناك شبه إجماع، على أنّ سياساته واستراتيجياته في الداخل والخارج، يجب أن يصبّا أولاً وأخيراً في خدمة هذين الركنين أيضاً..
إنّ الراصد لتلك السياسات والاستراتيجيات، يدرك تماماً، بأنّ ترامب كثيراً ما يحرص على المواءمة والتكامل بين ركنيه الشخصيين أعلاهما ومتطلبات المجمعات ومراكز النفوذ الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تمثل في ما تُسمّى بالدولة العميقة داخلها.
فعلى الصعيد الداخلي، لم يتردّد ترامب للحظة واحدة على مسح “إرث” سلفه أوباما في تبديل وتعديل عدد من القوانين والتشريعات، والتي تلامس حياة الفرد الأميركي بشكل مباشر، فتوجه إلى القطاع الصحي، والزراعي، والتجاري، وحتى الصناعي.. وذلك لإحداث صدمة ملموسة في الشارع الأميركي، وعلى اختلاف طبقاته الإجتماعية، السياسية والوظيفية.. فدغدغ فئات المزارعين، باتفاقات خارجية تعزز قطاعاتهم ومداخيلهم على حدّ سواء (الاتفاقات مع كندا والصين على سبيل المثال)، ودغدغ رجال المال والأعمال وأصحاب التصدير والاستيراد، بخرقه لقواعد الأخلاق السياسية في كيفية تعامله مع حلفاء أميركا التقليديين، كأعداءٍ تارةً، وخصوم أطواراً أخرى! ففرض عليهم الرسوم والجزية، وعزز أنظمة الحمائية والإنغلاق، وانسحب من العديد من اتفاقيات التجارة العالمية..
أما قطاع الصناعة، وخصوصاً صناعة النفط الصخري الأميركي، وغيرها من الصناعات النكنولوجية الأخرى، فلقد خاض ترامب، وعلى امتداد الأعوام الثلاثة التي مضت صراعاً شرساً مع خصومه التقليديين في العالم، وخصوصاً في هذين المجالين (روسيا والصين)، وذلك كان بتهديد وابتزاز حلفائه تارة (بريطانيا وشركة هاواوي الصينية كمثال)، وبتسخير روافعه الدولية في العالم كما في مجال الطاقة (السعودية وبعض دول منظمة أوبك) ولعبة النفط الدولية التي تقودها حالياً السعودية في وجه خصوم وأعداء أميركا (روسيا، إيران وفنزويلاً) والتي “تروق” لدونالد ترامب على حدّ تعبيره!
لم يكن الميدان السياسي المتداخل داخلياً وخارجياً بعيداً عن الملعب الترامبي، فبعد أن لاحقته الفضائح في ما اصطلح على وصفه بالتدخل الروسي في الإنتخابات الأميركية لصالحه، إلى الملف الأوكراني، واتهام ترامب بارتكاب الموبقات في هذين الملفين، واللذين كادا أن يطيحا به، وذلك لولا تفعيله لأوراق قوة غير مألوفة بهذه الفجاجة في السياسة الأميركية، فكان اللوبي الصهيوني، والإيباك تحديداً، كفيلين بقلب الميزان لصالحه، وذلك بعد أن تجاوز بأميركا كافة الخطوط الحمراء العسكرية والأمنية والسياسية، وذلك لصالح الكيان الصهيوني في المنطقة.. و”الدِّيل” كان واضحاً مع كلّ خصومه في الداخل، والذين يقعون بشكل مباشر أو غير مباشر تحت تأثير اللوبي الصهيوني في أميركا… بأن “فكوا الأطواق عن عنقي.. أفك الأطواق عن كلّ المحرمات المتعلقة بمناعة الكيان الصهيوني وتحقيق أهدافه المتوخاة، ومنذ زمن..”! ولا داعي للتفصيل في ما جرى حول القدس وصفقة القرن والجولان، والتواجد الأميركي في سورية والعراق.. وغيرها من الأوراق التي لعبها ترامب على طاولة المقايضة تلك.
لم يكد يدخل العام الرئاسي الرابع على ترامب المرشح (والمضمون وصوله مجدداً إلى البيت الأبيض، وذلك بحسب كثير من التقديرات التي جزمت بذلك)، حتى عصف بالعالم جائحة كورونا، والتي تعامل معها ترامب (الرئيس والمرشح في آن) على أنها أزمةٌ عابرةٌ قد تعبر أميركا، دون أن تحلَّ ضيفاً ثقيلاً عليها.. ولكن حسابات الحقل الترامبي لم توافق بيدره، فسرعان ما اجتاحت هذه الجائحة أركان الولايات المتحدة ومفاصلها الأساسية برمتها، لا بل أنها انسلّت إلى أركان ترامب نفسه، والذي سرعان ما فقد توازنه في كيفية التعامل معها، فتارةً يخرج مصرِّحاً كطبيب يصف الدواء للمرضى! وتارة يخرج كرأسمالي متوحش، متوعّداً بفك قيود الإغلاق عن الولايات في أقرب وقت، وذلك لإعادة عجلة الإنتاج، ومن دون أيّ اكتراث لمخاطر الجائحة على صحة مواطنيه! وطوراً يحاول أن يُبعد الأنظار عن خطورة الوباء، خائضاً في جنسه وجنسيته! مما أثار الكثير الكثير من التساؤلات في الداخل والخارج، حول حقيقة ومتانة كلّ ما بناه ترامب في السنوات الثلاث السالفة، وذلك في خدمة ركنيه الشخصانيين الأساسيين واللذين ذكرناهما سابقاً.. فهل ما حلَّ – وبفعل جائحة كورونا تلك – بالقطاعات الأميركية من تصدّعات وهزات وعثرات، أعادت إلى أذهان الشعب الأميركي، ترامب – البهلوان، بعدما كاد أن يتربع على عرش ترامب – القائد والحكيم في آن؟
هذا أولاً، وثانياً، هل التعاطي الترامبي مع هذه الجائحة العالمية (الصينية كما يصرُّ على وصفها)، كان تعاطي المعزز لأميركا القوية والرائدة في العالم؟ وهل فعلاً الترامبية، والتي حاول ترامب ترسيخها كعقيدة سياسية في الولايات المتحدة الأميركية، سيبقى لها مكان تحت الشمس، بعد عبور هذه الجائحة؟
لقد اندفع ترامب مسرعاً، محاولاً إنقاذ أركانه تلك، وذلك بالمبادرة إلى ضخ تريلوني دولار فيها.. واعداً بأنّ أميركا ستعود إلى طبيعتها بحلول عيد الفصح المقبل، وذلك في محاولاته لإظهار نفسه بأنه ذاك الإمبراطور القادر على هزم الوباء وشفاء الإقتصاد في أقرب وقتٍ ممكن! ولكن وعلى الرغم من أنّ هذين الأمرين يدغدغان الشعبوية التي تُعتبر رصيداً لديه.. يبقى السؤال المرتقب الإجابة عليه قريباً: هل سينجح في ذلك؟ أم أنّ هذه الجائحة ستطيح بوعده، كما اقتحمت أركانه قبل ذلك على حين غرّة؟
بكلمات معدودة، لقد انطلق ترامب – البهلوان بتشييد أركان دعائمه في الداخل الأميركي وخارجه، وذلك في خدمة ركنيه الشخصانيين، ولكي يصبح بعدها ترامب – الإمبراطور… ولكن جائحة كورونا، اجتاحت كلّ تلك الأركان برمّتها، والتي – ربما – ستجعل من ركنيه أولئك، أثراً بعد عين…
ننتظر ونرى…