تجهّزوا لما بعد كورونا…
} حسن شقير*
العالم بأسره اليوم في خضمّ المواجهة الكبرى مع جائحة كورونا، وما زال لغاية هذه اللحظات يتخبّط يمنةً ويسرةً في سبيل الحدّ من انتشارها، وكذا في محاولاته الحثيثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بشرٍ واقتصاد ومال ورأسمال، وعلى كافة الأصعدة… ومع هذا، فإنه – ولغاية اليوم – لا يزال في خضمّ تلك المعركة، والتي لم يجد لها ما يمكن اعتماده من استراتيجيات وسياسات لخلاص بشره و«حجره» منها، على حدّ سواء!
لكن، وإذا تجاوزنا ذلك، وأفقنا يوماً ما، سواء أكان هذا اليوم قريباً أو بعيداً.. الأمر سيان، ووضعنا أمامنا سؤالاً جوهرياً: ماذا بعد كورونا؟ وهل ندرك حقيقةً ما الذي ينتظرنا نحن لما بعد هذه الجائحة والطامة الكبرى؟ وهل نحن مستعدون حالياً لوضع الخطط والسياسات التي ستحمي دولنا ومجتمعاتنا من تداعيات ما ينتظرنا لما بعد جائحة كورونا؟
لا أطرح هذه التساؤلات لنثير الهلع في النفوس، أو لكي نستسلم لقدرنا المحتوم.. وخصوصاً أننا في منطقة جغرافية، وُصفت بأنها قلب العالم، وتختزن ما تختزن من ثروات حالية وواعدة، يمكن لها أن تكون العلاج والدواء الشافي لكثيرٍ من التداعيات التي تنتظر العالم بأسره، وعلى كافة الأصعدة، المالية، الإقتصادية، الغذائية، الإجتماعية وحتى الرؤيوية أيضاً… وخصوصاً أننا في دول وشعوب، لطالما كانت مسرحاً دولياً لعالم ما قبل كورونا، فكيف سيكون هذا المسرح، ولعالم خارجي، سيعاني جوائح كارثية في دوله ومجتمعاته؟ وخصوصاً أنّ ذاك العالم – المستكبر يملك من الإمكانات والتطلعات اللإنسانية في منظومة قياداته المستكبرة، والتي لم تُعر اهتماماً لشعوبها، وإنما كان جلّ همّها نجاة مشاريعها السلطوية والتسلطية، وذلك على حساب القيم الإنسانية! فها هي إدارت ترامب وجونسون وغيرهما، خير مثال على ما نذهب إليه…
وبناءً عليه، فإنّ عين هؤلاء، ستنصبّ – في ما بعد عبور الجائحة – على بواطن ومواقع، يمكن لها من انتشال مشاريعهم تلك، وخصوصاً أنهم سيكونون أمام محاسبة دقيقة أمام شعوبهم، والتي عاملوها كقطعانٍ أرادوا تطعيمها ذاتياً من خلال تفشي المرض في أجسادها..
إذن، عالمنا العربي والإسلامي، والحرُّ تحديداً، وبكافة دوله وأطرافه، هو مدعوّ ومن دون أيّ إبطاء، للبدء فوراً بوضع خطط التحصين والمواجهة لكلّ ما سيُحاك ضدّه من كلّ أولئك المتربّصين، والذين ستمتدّ أذرعهم، ليس إلى ثروات وروافع ومواقع أولئك الذين يمتلكون القوة للدفاع عنها، وخصوصاً في زمن الشحّ المقبل، إنما ستكون تلك الأعين والأذرع ممتدة نحونا، دون غيرنا، إذا لم نكن محصّنين بخططٍ واستراتيجيات تقوّي جهازي الدفاع والمناعة لدينا.. وإذا لم نفعل ذلك، فإنّ الجوائح الهائجة لما بعد كورونا ستحاول استباحتنا، فأولئك سيحاولون، وبفجاجة ووضوح، وبكلّ تأكيد.
إذا المطلوب هو التحصين الجيد لمعركة ما بعد كورونا، وذلك أقله للحفاظ على ما نمتلكه، والذي إنْ أُحسِنَ استثماره، سيكون بلا شك كفيلاً بإخراج دولنا ومجتمعاتنا من جوائح ما بعد كورونا.
ـ على الصعيد الإيراني، والذي سيكون بامتياز تحت العين الأميركية والصهيونية لمرحلة ما بعد كورونا، فأميركا والكيان الصهيوني، يترصدانه اليوم أكثر من أمسه، فما تعانيه الجمهورية من جائحة كورونا، وعلى كافة الأصعدة، جعل منهما ينظرانها نظرةَ المتربص الذي ينتظر على المفترق، فالإدارات السياسية في هاتين الدولتين العدوتين، كانتا حتى الأمس القريب تطمح في الخلاص من نظامها الممانع والمعاند والمعرقل لكافة مشاريعهما في المنطقة والأقليم أيضاً.. وذلك كان قبل حلول الجائحة، فكيف لما بعدها!
وعليه فإنّ الجمهورية الإسلامية ستكون ومن اليوم قبل الغد على أهبة الإستعداد عسكرياً واقتصادياً وحتى ثقافياً في حياكة وتدعيم خطوط التحصين في الداخل والخارج أكثر فأكثر، فحلفاء إيران، دولاً وأطرافاً وشعوباً، سيكونون في مرامي الإستهداف، وعلى كافة الأصعدة، والهدف الأساس، ستكون الجمهورية ومشروعها التحرري أولاً وأخيراً، وذلك سيكون من خلال التصويب على هؤلاء الحلفاء، والذين يمثلون ركائز قوة إضافية للجمهورية الإسلامية، والذين يتقاطعون معها في الرؤى والتطلعات.
ـ على الصعيدين السوري والعراقي، وهما الميدانان، اللذان يحضر فيهما الوجود الأميركي بشكل مباشر، فإنه، وعلى الرغم من إعادة التموضعات العسكرية، والتي نشهدها اليوم في الميدان العراقي، ولربما تحدث غداً في نظيره السوري، فإنّ ظاهر هذه التموضعات قد يظنها البعض انسحاباً أو تراجعاً تحت وطأة كورونا.. إلا أننا – ومن باب الفهم أعلاه – نفترض بأنّ ذلك قد يكون أقرب منه للتحصين وليس التراجع والإنسحاب، وخصوصاً أنّ هاتين الدولتين تمتلكان من الثروات والموقع الجغرافي المميّز والإستراتيحي، ما يجعل منهما تحت دائرة الإستهداف الأميركي والصهيوني أكثر فأكثر، وذلك في زمن تجميع الروافع في سبيل تضميد جراح كورونا وندوبها على داخلي أميركا والكيان الصهيوني على حدّ سواء…
المرحلة الحالية إذاً، يلزمها الكثير الكثير من الحكمة والحنكة السياسية وغير السياسية في سبيل إقامة قواعد اشتباك جديدة، تعمل كخطوط صدّ منيعة وحصينة في مواجهة جوائح أولئك في زمن ما بعد كورونا.
ـ أما على الصعيد اللبناني، ذو المنعة العسكرية القادرة والمقتدرة، وذلك من خلال ثلاثيته الذهبية المميّزة، والذي هو أيضاً – أيّ لبنان – ذو الضعف والوهن الإقتصادي الذي يُرثى له في آن! فإنّ المطلوب – ولجسر الهوة بين المنعة والضعف – لمرحلة ما بعد كورونا، أن تكون الطبقة السياسية فيه، مسنودةً إلى تلك الثلاثية، على قدرٍ عال من تحريرٍ لقرارها السياسي والإقتصادي، والبدء بالعمل الدؤوب على استثمار وحماية لبنان وموارده، وكذا التفتيش عن سبل النجاة المرحلية في عالم ما بعد كورونا، وخصوصاً لغاية إعادة النظر بالرؤية الإقتصادية والمالية والتي كانت مطروحة لما قبل كورونا، والعمل على تطعيمها برؤية جديدة، وخصوصاً أنّ سابقتها كانت تعتمد على دول وصناديق دولية، ستكون غداً منصبةً على مداواة جروحها بدلاً من التفكير بمداواة ندوب الآخرين..
وعليه، فإنّ لبنان لما بعد كورونا سيكون أمام منعطف القرار السياسي والاقتصادي الكبير، وذلك إنْ كان مسؤولوه ضنينون حقاً بدفع تداعيات كورونا عن شعبه القوي والمعطاء في آن معاً…
ـ أما على الصعيد اليمني، ومع دخول الحرب – العدوان عليه، عامه السادس، ومع حلول جائحة كورونا في العالم، فها هو اليمن بجيشه ولجانه الشعبية يثبتون يوماً بعد يوم، ليس فقط صمودهم في مواجهة أمام أهداف الحرب عليه، إنما وصل هؤلاء باليمن – وعلى الرغم من كلّ تلك الجراحات التي أصابتهم – إلى مرحلة يستطيعون من خلالها، فرضهم لقواعد اشتباك جديدة في أرض المعركة، وفي الجوار أيضاً… فهؤلاء أيضاً مدعوّون لوضع استراتيجيات متجدّدة تُخرج اليمن وحلفائه في الأقليم من دائرة الإستنزاف إلى دائرة رسم قواعد اشتباك جديدة، والتي يمكن لها أن تجعل من روافع أميركا المُستهدِفة لليمن ترضخ لها… بحيث تكون كفيلة في زيادة التحصين يمنياً، وربما تجعل من ذاك الآمر الناهي في الحرب والعدوان على اليمن، والقابع هناك في البيت الأبيض – وحفاظاً على روافعه – بأن يرضخ لحلول، ليس على صعيد اليمن فحسب، إنما على صعيد المنطقة برمّتها أيضاً… وهذا التحوّل اليمني إنْ حدث – وعلى ما أعتقده – ليس إلاً خياراً مفروضاً عليهم، وذلك وللحفاظ على ما أنجز، وكذا للحفاظ على ما يمتلكه اليمن من ثروات هائلة، كانت وستكون بلا شكّ في زمن بعد كورونا، تحت أعين ذاك الآمر الناهي في العدوان عليه…
خلاصة القول، إنّ عالم ما بعد كورونا، ليس كما قبله، بل هو سيكون أدهى وأمرّ، وتحديداً على أطرافٍ ودولٍ وشعوبٍ، كان وما زال وسيبقى قدرها بأن تكون في قلب صراع جيوسياسي قاسٍ لدول وأنظمة سياسية جائحة، وذلك كان قبل أن تجتاحها جائحة كورونا، فكيف كما بعدها!
*باحث وكاتب سياسي