الإخوان: نحو أسلمة قهرية للمجتمع التركي
عامر نعيم الياس
لا شيء يبشّر بالخير في جمهورية أتاتورك التي لم يبق منها سوى اسمها بعد أن جاء رجب طيّب أردوغان رئيساً على تركيا، وجلس على كرسيّ الرئيس والأب المؤسّس لتركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. السلطان كما يحلو للإعلام تسميته، لا يصلح أن يكون رئيساً، بل سلطاناً كأسلافه العثمانيين. ربما أُعجب أردوغان بهذا اللقب وأراد قرن القول بالفعل، وبشكل أكثر مباشرة وحسماً من ذي قبل. فمن اعتقال الصحافيين المعارضين سياساته، إلى الهجوم الشرس على الاتحاد الأوروبي، إلى تدريس اللغة العثمانية في المدارس الدينية على اعتبارها لغة الدولة في تركيا والتي احتلت بلادنا أربعة قرون متواصلة، وكونها اللغة التي تعيد الأتراك إلى «جذورهم» بحسب تعبير الرئيس السلطان في معرض دفاعه عن اعتقال كل من احتج على هذا القرار. وأخيراً وليس آخراً، الهجوم العنيف الذي شنّه أردوغان على حق الإجهاض، باعتباره «خيانةً» للأمة، من دون أن يحدد هذه الأمة ما إذا كانت تركية أو إسلامية أو عثمانية. «ولد أو اثنان ليس كافياً لتعزيز أمتنا، نحن بحاجة إلى شعب فتيّ وأكثر دينامية، نحن بحاجة إلى ذلك لدفع تركيا قدماً في صفوف الدول المتقدّمة»، مطالباً بإنجاب أربعة أطفال كحدّ وسطيّ للعائلة التركية ومتهماً في احتفال زواج ابن أحد رجال الأعمال المقرّبين منه، المعارضة التي انخرطت في عمليات تحديد النسل «بالخيانة للقضاء على الأجيال». فإلى أين يتجه أردوغان في خطته التي بدأت بمعركة الحجاب وانتهت بالدعوة إلى فتح سقف الإنجاب كون المرأة غير مساوية للرجل في المجتمع؟
عام 1928، فرض أتاتورك تعليم اللغة التركية الحديثة ذات الحروف اللاتينية، بعد أن كانت اللغة العثمانية هي اللغة الرسمية في البلاد وهي مزيج من الفارسية والعربية وتكتب حروفها باللغة العربية. هذا التغيير الشامل حينذاك لم يكن واحداً مستفرداً في سماء تركيا الجديدة، بل جاء نتيجة لتغيير علم البلاد ونظام حكمها وانهيار الدولة العثمانية أو دولة الخلافة الإسلامية وتفتّتها جغرافياً قبل كل شيء لتقتصر على العامل التركي القومي الموحّد أبناء المنطقة الجغرافية المسماة حالياً الجمهورية التركية. من دون أن نغفل احتلال تركيا بعض المناطق الواقعة خارج إطار الجغرافية والقومية التركيتين، وعلى رأسها اللواء السليب في سورية. فهل نحن أمام حالة مشابهة لأتاتورك؟ بمعنى هل يعيد الإسلامي المحافظ تشكيل صورة تركيا وفقاً لطموحاته مستنداً إلى التأييد الشعبي الذي يحظى به منذ عام 2002؟
صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية رأت في تقرير لها أن «كل أفعال الرئيس التركي تشير إلى سعيه نحو أسلمة المجتمع التركي العلماني. أردوغان هو الذي رفع الحظر عن الحجاب. بينما ارتفع عدد الطلاب الدارسين في المعاهد الدينية التي تديرها الدولة من 36 ألف طالب في عام 2002 عندما وصل أردوغان إلى السلطة للمرّة الأولى، إلى ما يقارب مليون طالب حالياً». ولعل في هذا الارتفاع في عدد دارسي التعاليم الدينية العثمانية التي تستند إلى مبدأ الأقلية والأكثرية، وتتخذ التكفير منهجاً، ما يشير إلى تأثير حكم حزب «العدالة والتنمية» داخل البلاد، والشعبية التي صار يملكها. لكنها شعبية تستند أكثر فأكثر إلى خطاب طائفيّ يعمل على شدّ العصبية المذهبية والطورانية إلى أبعد الحدود، بما يؤثر على وحدة البلاد ويزيد من الاستقطاب داخلها. وهو أمر عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة. فحزب «العدالة والتنمية» الذي يتحدر منه أردوغان يستند بشكل شبه مطلق إلى قاعدة شعبية في المناطق الداخلية في تركيا. بينما ينكفئ الأتراك عنه في المناطق الساحلية التي تتمتع بثقل علويّ، فيما المناطق الكردية هي الأخرى أدارت ظهرها لحزب أردوغان الذي فشل في احتوائها حتى اللحظة. وانطلاقاً من ذلك، يمكننا القول إن تركيا في عهد أردوغان تتجه أكثر فأكثر إلى مرحلة جديدة عنوانها أردوغان، فكما كانت بدايات القرن الماضي تحت راية أتاتورك الذي نقلها من الإمبراطورية إلى الإقليمية، يبدو أن أردوغان سيفتّتها مرة أخرى إلى دولة مذاهب وقوميات.
كاتب ومترجم سوري