مراجعة في كتاب «دروز في زمن الغفلة»: من المحراث الفلسطينيّ إلى البندقيّة «الإسرائيليّة»
خالد الداعوق*
لا بدّ بداية من التعريف بالكتاب الذي سنتحدث عنه، وهو كتاب: “دروز في زمن “الغفلة” ـ من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية” للكاتب قيس ماضي فرو*.
يبحث الكتاب في أوضاع الدروز في فلسطين منذ نهاية الانتداب البريطاني إلى وقتنا هذا وعلاقة هذه المجموعة مع الصهاينة ومع دولة “إسرائيل”.
كان للمخطّطات “الإسرائيلية” بشأن الدروز أهداف عدة، حينما قامت الثورة الفلسطينية مُنع الدروز من المشاركة فيها بطرق عدة من قبل الانتداب والصهاينة… وكان الصهاينة يختلقون المناوشات في ما بين القرى العربية التي يقطنها الدروز وتلك التي يقطنها غير الدروز.
وكان هدف الصهاينة نقل الدروز من فلسطين إلى جبل العرب (جبل الدروز). وقد أرسلوا أشخاصاً من دروز فلسطين للتفاوض مع دروز الجبل، خاصة مع سلطان باشا الأطرش الذي رفض هذا الأمر رفضاً قاطعاً، مع العلم أنّ الصهاينة كانوا وعدوا بدفع تعويضات للدروز مقابل إجلائهم عن قراهم، إضافة إلى تمويل عملية الترانسفير تحت شعار «هاجروا وبيعوا أراضيكم واسلموا من الخطر».
وحين لم تسفر محاولة «الترانسفير» للدروز جُمِّدت هذه الخطة وتمّ الاستغناء عنها.
بعد إعلان قيام دولة «إسرائيل» وبعدما انهزم «جيش الإنقاذ» بدأت «إسرائيل» استعمال «العصا لمن عصى»، و»الجزرة لمن أطاع»، وقد قسّم «الإسرائيليون» الدروز إلى فريقين: القوى الإيجابية المتعاونة مع الصهاينة و»الإسرائيليين» والقوى السلبية غير المتعاونة. كلّ ذلك ضمن سياسة «الإسرائيليين» لجعل الدروز بمثابة خنجر مسموم يطعنون به ظهر العرب، وذلك من خلال اعتبار الدروز فئة غير عربية ولها تاريخها وتراثها المستقلين، وقد حاول الصهاينة إعادة كتابة هذا التاريخ وتوظيف المتعاونين معهم لخلق تاريخ مغاير للدروز عن بقية العرب سواء في فلسطين أو في دول الجوار.
وكان «الإسرائيليون» قد فتحوا الباب أمام الدروز للتطوُّع في الجيش (حرس الحدود)، ولكن لم يستجب كثير من الشبّان لهذا الأمر.
في هذه الأثناء، كانت القوى «الإسرائيلية» تقضم أراضي القرى الدرزية تحت أعذار واهية، سواء بجعلها مناطق عسكرية أو اعتبارها حاجة لـ «الأمن الوطني»، وبذلك جرى استملاكها كمشاعات. وبالتالي خسرت القرى والبلدات الدرزية بين ستين وسبعين في المئة من أراضيها الصالحة للزراعة.
بعد ذلك، بدأ التجنيد الاحتياطي ثمّ التجنيد الإجباري للدروز الذين عارضوا وما زالوا يعارضون هذا التجنيد بغالبيتهم الساحقة.
أما على المستوى الديني، فقد تدخّل «الإسرائيليون» في الشؤون الدينية للطائفة الدرزية، وكانوا يستخدمون المتعاونين معهم لهذه الغاية، فأنشأوا لجاناً ومديريات في الوزارات «الإسرائيلية» لمتابعة سياستهم وتنفيذ تدخلاتهم وذلك بإعداد دراسات وأبحاث من قبل أساتذة ومؤرِّخين ومستشرقين ملمّين بتاريخ الشرق الأوسط وطوائفه.
كان «الإسرائيليون» يريدون فرض الخدمة العسكرية على الدروز وعزل الطائفة عن باقي العرب وتنظيم المحاكم الدينية (الدرزية) بما يتلاءم مع أهداف «الإسرائيليين»، وذلك من خلال تعزيز الخصوصية الدرزية لتكون منفصلة عن باقي الأقليات العربية في الكيان «الإسرائيلي».
كما يروي الكتاب كيف تحوَّل أبناء الطائفة الدرزية من مزارعين إلى عمال بعد أن صودرت أراضيهم الزراعية التي استولى عليها الاحتلال، وكيف كان العامل الدرزي يتقاضى أجراً أقلّ من العامل اليهودي، وكيف كانت السلع الزراعية التي ينتجها المزارعون الدروز تُباع بسعر أقلّ من المنتوجات اليهودية.
كما تطرّق الكتاب إلى أحداث موثقة توثيقاً جيداً، حيث سرد الكاتب الأحداث التي حصلت… وأعطى أمثلة عليها في العديد من المناطق الدرزية من عسفيا (بلدة الكاتب) إلى دالية الكرمل وبيت جن وعين الأسد وشفاعمرو.
كذلك يذكر بالأسماء المتعاونين الدروز مع الكيان الصهيوني وأولئك الوطنيين الرافضين لسياسة «إسرائيل» تجاههم من تهجير واستيلاء على الأراضي، فضلاً عمّا حصل تجاه بقية المواطنين الدروز من تطويع وتجنيد إجباري، وكذلك التدخل في الشؤون الدينية والثقافية والمناهج المدرسية وأخيراً التدخل في القضاء المذهبي.
*المؤلف
هو قيس ماضي فرو، ولد سنة 1944 في قرية عسفيا الفلسطينية. وحصل على شهادة دكتوراه من مركز دراسات البحر الأبيض المتوسط في فرنسا سنة 1980. وعمل محاضراً في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا، كما شغل منصب رئيس القسم في السنوات 1997-2000. ألف ثمانية كتب باللغة العربية واللغات الأجنبية، ونشر عشرات الدراسات العلمية في مجلات أكاديمية مرموقة. وصل كتابه «Inventing Lebanon” (“خلق لبنان”) المنشور باللغة الإنكليزية في سنة 2003 إلى القائمة النهائية لأفضل خمسة كتب نشرت في المملكة المتحدة عن الشرق الأوسط.