رسائل إسرائيليّة جويّة لدعم أعداء سورية
} د. وفيق ابراهيم
تثير الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع سورية في مدينة حمص الكثير من علامات الاستفهام لخروجها عن إجماع دولي يكرّس حالياً كامل اهتماماته لمكافحة جائحة «الكورونا» الوبيلة.
فتراجُع الصراعات الدولية والإقليمية والداخلية لمصلحة «مهادنات» تواكب زمن هذا الوباء وتتفرّغ لإبادته عن طريق التعاون المشترك.
هناك عنصر إضافي يعتبر ان لا أسباب واضحة لهذا العدوان الذي يعقب فترة صمت من الهدوء لم ينفذ فيها العدو الإسرائيلي أي اعتداء.
لذلك فالمشهد الدولي يكشف عن تبادل مساعدات بين أطراف أميركية وصينية وروسية وأوروبية تتحين قبل مدة بسيطة الفرص للإيقاع ببعضها بعضاً.
لذلك يبدو هذا اليوم مختلفاً عن أمس وها هي المعونات الصينية والروسية تصل الى ايطاليا وإسبانيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة الاميركية.
ونرى الرئيس الاميركي ترامب يوقف محاولاته للاستثمار السياسي والجيوبوليتيكي في الكورونا باتهامه الصين وإيران بأنهما مصدر انطلاقه.
الأجواء إذاً هي مناخات تهدئة لمعالجة ما يهدد البشرية جمعاء من جائحة غير مسبوقة تفتك بالأمم على اختلاف مشاربها في وقت واحد انطلاقاً من اكثر المناطق صقيعاً في شمال الارض الى اكثرها سخونة في جنوبها.
هذا لا يعني ان احداً في سورية ينتظر إيجابيات من العدو الإسرائيلي، لكن كل انواع التحليل كانت تعتقد ان الاهتمام الإسرائيلي منصبّ على مكافحة الكورونا في فلسطين المحتلة بشكل يلتهم كامل حركته العدوانية ويرجئها بأقل تقدير.
فماذا جرى حتى يشنّ الطيران الحربي الإسرائيلي عدواناً اخترق فيه اجواء لبنان قاصفاً بالصواريخ اهدافاً في مدينة حمص وسط إجماع إعلامي على ان وسائط الدفاع السورية أسقطت معظمها، ولم تتمكن الصواريخ الباقية من اصابة أهدافها.
اي ان الغارة لم تؤدِ الى تدمير ما أرادته واعتدت على لبنان باختراق أجوائه، واخترقت انتقادات كانت روسيا اعتبرت فيها أن هذه الغارات الإسرائيلية هي اعمال عدوانية يجب على الأمم المتحدة ان تدينها.
بالامكان ايضاً القول انها تستهدف سورية بعلاقاتها بايران وحزب الله، لكن هذا الكلام يحتوي على كميات كبيرة من السطحية لان «إسرائيل» تعرف ان العلاقة الثلاثية بين سورية وايران وحزب الله متينة وتقوم على مجابهة النفوذ الأميركي والعدوان الإسرائيلي، لذلك فإن الغارات الإسرائيلية ليست جديدة على هذا المحور المقاوم.
كما تؤكد على محورية سورية في الفريق المناهض لـ»إسرائيل» لأسباب فلسطينية وسورية وعربية في وقت واحد.
لمجمل هذه الأسباب يجب البحث عن أهداف اخرى اراد الإسرائيليون إرسال رسالة عاجلة اليهم تفيد بأن الكورونا لن يمنع «إسرائيل» من دعم المجموعات الارهابية في سورية بمختلف الطرق.
يجب بداية التأكيد على ان «إسرائيل» لا تقوم حالياً بإغضاب روسيا إلا بموافقة أميركية.
بما يؤكد ان هذا القصف الإسرائيلي هو عمل مشترك على مستوى التخطيط مع الاميركيين.
الامر الذي يوسع الاهداف لتشمل أولاً روسيا التي يريد الأميركيون إفهامها بأن محاولتها القضاء على المعارضة الارهابية في ادلب غير مسموح بها.
وهذا يشمل تهديداً موجهاً لإيران وحزب الله، كان واضحاً في القصف الإسرائيلي الذي زعم انه كان يستهدف اجتماعات تنسيقية بين الإيرانيين وحلفائهم كانوا يخططون فيها لشنّ هجمات في ادلب.
بأي حال يمكن القول بأن القصف الإسرائيلي المغطى اميركياً هو رسالة تأييد للتحالف الإرهابي في ادلب الذي يمنع حتى الآن فتح طريق أم 4 الذي يربط حلب باللاذقية عند شاطئ البحر المتوسط.
يضم هذا التحالف هيئة تحرير الشام والنصرة وحراس الدين وتشكيلات الاخوان المسلمين والقوى التركمانية والأيغورية وداعش، ومجموعات ارهابية من الخليج وشمالي أفريقيا وهؤلاء جميعهم يتعاونون مع الجيش التركي الذي يحتل مناطق واسعة في ادلب وعفرين وضواحي حلب والحدود بعمق ثلاثين كيلومتراً.
للتوضيح فإن المشروع الأميركي في سورية بدأ بمحاولات إسقاط الدولة ففشل، واتجه الى محاولات منع استقرارها باستعمال المعارضات الإرهابية والدور التركي ومشروع قسد الكردية.
إلا أن الضربة التي تلقتها تركيا وحليفها الارهابي في ادلب وارياف حلب نقلت موازين القوى الراجحة الى المعسكر السوري مع تحالفاته الروسية والايرانية وفرضت على تركيا التعهّد بفتح ام 4 بعد تخليها عن ام 5 بالقوة العسكرية.
إلا أن الأتراك عادوا الى المراوغة ولم ينفذوا تعهداتهم بالضغط على الارهاب فاتحين مفاوضات سرية مع الروس للحصول على مكتسبات بالبقاء في المناطق الحدودية لمدة طويلة وإدخال القوى السورية التركمانية والإرهابية الموالية لهم في عضوية اللجنة الدستورية المرتقبة.
هذا هو المناخ الذي سبق الغارة الإسرائيلية على حمص، ويقدم دلائل إضافية على ان الأميركيين يوجهون عبر الإسرائيليين رسالة الى تركيا بأن لا تتمادى كثيراً مع الروس وبإمكانها الاعتماد على الحلف الأميركي – الإسرائيلي وتنال أكثر مما باستطاعة موسكو منحها لها.
وكذلك فإن هذا القصف يزيد من تشبث قوى المعارضة بموقفها الإرهابي فلا تنسحب وترفض عروض الأتراك لها.
بالمقابل تتجه موسكو الى التشدّد مع الإسرائيليين عبر تزويد السوريين بأسلحة أو معلومات مسبقة تؤدي الى إفشال الغارات الجوية.
كما أن هناك ضغطاً على الحكومة اللبنانية يطلب فيه حزب الله التقدم بشكوى للاختراقات الإسرائيلية للأجواء مع استعداده للتعامل مع الطيران الإسرائيلي بمفاجآت يمتلكها ولم يستعملها حتى الآن، لكنه بات قريباً من استخدامها للحماية الوطنية.
هذا التعقيد يدفع نحو استنكاف «إسرائيل» عن اختراق سماء لبنان دافعاً الأتراك نحو فتح ام 4 ولو كره ذلك الإسرائيليون والأميركيون، فالحروب في خاتمة المطاف هي موازين قوى بدأت تجنح للاستقرار في محور سورية وروسيا وإيران وحزب الله.