التكتل الأوروبيّ مهدّد بفقدان سبب وجوده و»كورونا» يضعه على المحك..
شنت الصحف الإيطالية، الأسبوع الماضي، هجوماً عنيفاً على الاتحاد الأوروبي غداة قرار بإرجاء اعتماد تدابير قوية في مواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي وباء كورونا المستجد.
ومع انتشار فيروس كورونا، وتفشيه بشكل كبير جداً في عدد من الدول الأوروبية كإيطاليا وإسبانيا من دون أي تحرك من دول الاتحاد الأخرى للإنقاذ، زادت وتيرة الحديث عن إمكانية خروج دول كما فعلت بريطانيا وتفكك الاتحاد الأوروبي، بيد أن المواطنين أبدوا تخوفهم من سيناريو كهذا.
فيما دفعت الأحداث الأخيرة والدعوات المتكررة البعض للتساؤل بشأن إمكانية تحقق سيناريو تفكك الاتحاد الأوروبي، أو احتمالية خروج بعض الدول بعد انتهاء أزمة كورونا.
خاصة أن رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي، هدّد خلال القمة الأخيرة التي نظمت عبر الفيديو بـ»عدم التوقيع على الإعلان المشترك» في حال «لم يعتمد الاتحاد تدابير قوية مرفقة بأدوات مالية مبتكرة وملائمة بالفعل لحرب يتوجب علينا خوضها سوياً».
وكانت ألمانيا ودول شمالي أوروبا أخرى قد رفضت مناشدة تسع دول، من بينها إيطاليا الأكثر تضرراً، من أجل الاقتراض الجماعي من خلال «سندات كورونا» للمساعدة في تخفيف الضربة الاقتصادية للوباء.
ودعا رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي الاتحاد الأوروبي إلى «عدم ارتكاب أخطاء فادحة» في عملية مكافحة فيروس كورونا المستجد، وإلا «فإن التكتل الأوروبي بكامله قد يفقد سبب وجوده».
بدورها، قالت وكالة الحماية المدنية الإيطالية، أول أمس الخميس، إن «عدد الوفيات بسبب تفشي فيروس كورونا في البلاد، ارتفع بـ760 حالة إلى 13915، وهو رقم أعلى قليلاً من الزيادة اليومية التي سجلت قبل يوم وكانت 727».
وشهد عدد الحالات الجديدة زيادة مطردة، إذ ارتفع 4688، مقارنة مع 4782 قبل يوم، ليصل العدد الإجمالي لحالات الإصابة منذ رصد التفشي في 21 شباط إلى 115242.
وتعليقاً على الأحاديث التي تطرح فكرة تفكك الاتحاد الأوروبي اعتبر رامي الخليفة العلي، الباحث في الفلسفة السياسية في جامعة «باريس 10»، بأنها «تصدر من اليمين الشعبوي، أو المتطرف في أوروبا، وهو يرددها منذ الأزمة المالية في عام 2008 وحتى الآن».
واعتبر أن «تفكك الاتحاد الأوروبي احتمال ضعيف وبعيد للغاية لمسائل تتعلق بمصالح الدول، أكثر من تعلقها بتصور أيديولوجي لدى بعض الدول الأوروبية».
وتابع: «بعد أزمة انتشار فيروس كورونا على وجه التحديد ستكون الدول الأوروبية في أزمة اقتصادية كبيرة، خاصة إيطاليا وإسبانيا، وغيرها من الدول التي ستكون بحاجة إلى تضامن أوروبي، وإيجاد استراتيجية لمواجهة الأزمة».
وأكد أنه «رغم خيبة أمل إيطاليا وإسبانيا من عدم التضامن الأوروبي معها في أزمة كورونا، إلا أنّ من مصالح تلك الدول العمل مع الدول الأوروبية للخروج من الأزمة الاقتصادية سريعاً».
وأضاف «في ظل وجود تكتلات دولية مختلفة، هناك مصلحة لغالبية الدول الأوروبية في وجودها داخل تكتل إقليمي هو الأقوى اقتصاديًا على مستوى العالم، لذلك ستدفع المصلحة تلك الدول التمسك بالاتحاد ومؤسساته».
بدوره قال مصطفى الطوسة، المحلل السياسي المقيم في فرنسا، إن «سيناريو تفكك الاتحاد الأوروبي، وخروج بعض الدول كارثي ولا أحد يتوقعه على المدى القريب».
وتابع أن «أزمة كورونا كشفت عدم فاعلية منطق التضامن بين الدول الأوروبية، وسيشجع هذا نشاط قوى الأوروفوبيا الحاقدة والمشككة في البنيان الأوروبي الموحد».
وأكد أن «من بين تداعيات كورونا على الاتحاد الأوروبي، أن هذه القوى التي كانت تناهض وتناضل من أجل نسف الاتحاد من الداخل ستكون كلمتها مسموعة أكثر، وخطابها السياسي سيكون له مصداقية».
ويرى أنه «من المتوقع أن تعيد هذه القوى، في الاستحقاقات الاتتخابية المقبلة على المستوى الأوروبي، إلى الذاكرة كيف أن محنة كورونا أظهرت عدم تضامن وتماسك الاتحاد كعائلة سياسية واحدة، وتصرف كأنه فضاء اقتصادي لا تربطه أي علاقات لحسن الجوار».
وفيما يخص مشهد انتزاع الإيطاليين للعلم الأوروبي، أضاف: «يحاولون إيصال رسالة مفادها أن أوروبا لم يكن لديها مواقف تضامن وحماية مع محنتهم، لكن يمكن النظر إليها على أنها تعبير عن غضب، ولا يمكن أن تكون مواقف سياسية جذرية يمكنها تغيير موازين القوى داخل الاتحاد الأوروبي».
ومضى بقوله: «ما زالت مصلحة الأوروبيين البقاء معاً، وهناك تخوف لدى الشعوب من سيناريو البريكست، وبعيداً عن توقعات خروج بعض الدول سيكون هناك خطاب سياسي حاقد على البنيان الأوروبي، وسيرغم الدول والسلطات الأوروبية على تغيير مواقفها وآليات تضامنها فيما بينها لمواجهة المحن المستقبلية».
فيما اعتبر رئيس الوزراء الإيطالي في مقابلة مع صحيفة «إل سول 24» المرجعية لأوساط المال والأعمال نُشرت السبت الماضي أن «التقاعس سيترك لأبنائنا العبء الهائل لاقتصاد مدمّر».
وأضاف: «هل نريد أن نكون على مستوى هذا التحدي؟ إذاً لنطلق خطة كبيرة، خطة أوروبية للتعافي وإعادة الاستثمار تدعم وتنعش الاقتصاد الأوروبي كله».
وقال إنه «خلال اجتماع المجلس الأوروبي، حصل أكثر من خلاف، حصلت مواجهة شديدة وصريحة مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لأننا نعيش أزمة تسفر عن عدد كبير من الضحايا من مواطنينا وتسبب ركوداً اقتصادياً شديداً».
وقال خلال الجلسة: «أمثّل بلداً يعاني كثيراً ولا يمكن أن أسمح لنفسي بالمماطلة، في وقت سجّلت إيطاليا أكثر من تسعة آلاف وفاة منذ بدء تفشي الوباء في شبه الجزيرة».
وأضاف أن «في إيطاليا، وأيضاً في دول أعضاء أخرى، نحن مُرغمون على اتخاذ خيارات مأساوية».
ورأى أنه «ينبغي علينا تجنّب أن نتخذ في أوروبا خيارات مأساوية. إذا لم تُثبت أوروبا أنها على مستوى هذا التحدي غير المسبوق، فإن التكتل الأوروبي بكامله قد يفقد بنظر مواطنينا، سبب وجوده».