ثقافة وفنون

مَن يعيدُ لي ابتسامتي

حيدر الهاشميّ

يُخرج رأسه من النافذة، تراقبه طفلة شقيّة في السابعة من عمرها، يختفي ثم يخرج عليها بمساحيق التجميل وأنف كبير، كمهرّج سيرك. فتضحك كثيراً، حتى تغصّ بقهقهتها، وعندما يجد الفرصة مناسبة ينزل من طابقه العلويّ، يتلوى بجسده النحيف، على شجرة النبق الممتدة أغصانها على حائط الجيران، مثل قرد الغابات. يلاعبها يقدّم لها الهدايا والأيس كريم. ثم يعود سريعاً إلى مكانه، قبل أن يكتشف أمره أحد. وعندما تسألها الجدّة من أين لك هذا؟ تقول: إن رجلاً يأتيها من السماء، يُطعمها ويلعب معها ويرحل. كانت الطفلة تشبه حفيدته التي فقدها في حادث سير مع باقي أسرته. ولم ينجُ منهم أحد. مرّ على الحادثة أكثر من عشرين عاماً ولم يفكر في الزواج من أمرأة أخرى. ولم يعاشر النساء قط.

عاش وحيداً يربّي القطط، يخرج متنكراً في الليل يجلب لقططه الحليب والبسكويت، وكلما عثر على قطّة ضالة في الطريق، جلبها معه.

يجلس على كرسيّه الهزاز. يضع يديه تحت رأسه. يقلّد أصوات الطيور والحيوانات، لكن من دون جدوى. مضى أكثر من أسبوع ولم يشاهدها تخرج إليه مجدداً. أخبره أحدهم، أن عائلتها تحوّلت إلى بيت جديد. ساءت حالته ولم يخرج من الدار مطلقاً. ازداد عواء القطط من شدّة الجوع. و تذمّر الجيران من صراخها. قالت امرأة: إن الجن يزعجها في المنام بسبب تلك القطط اللعينة، وقال المختار وهو ويفتل شاربه: هذا الرجل جلب لنا النحس والحظ السيئ. أخبروا الشرطة وفتحوا الباب بقوّة. استقبلتهم قدماه تتدلّى مع خيط غليظ مربوط من رقبته إلى أعلى السقف. كتب على النافذة، بخط يده. «الحياة بدون مَن تحبّ أشبه بسجن كبير، لذا عليك أن تغادر، إن حصلت على مكان جيد.

تصاعدت شتائم البعض والبعض منهم تعاطف معي، لكن هذا لا يهم، ما يهمّني هو أني أرى وجوه أحفادي من حولي. حملوا جثتي برداء قديم، وأخذتني سيارة الشرطة مسرعة وسط الحشد وزحمة السير، وأنا مثل طير أضاع السرب، يحلق وحيداً نحو الشمس.

*روائي عراقي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى