العراق في لعبة الأمم… صواريخ التحالف ترسمُ حدود الأقاليم!

د. وفيق ابراهيم

التقدم العسكري الباهر لقوات «البيشمركة» الكردية في إقليم سنجار العراقي، ونجاحها في تحرير نحو ألفي كيلومتر مربع في نصف يوم فقط، يبعث على الارتياح، إنما المتقاطع مع شعور بالارتياب والدهشة.

وفي المحصِّلة، يبدو للمراقبين أنّ الأمر قد تمّ بواحد من احتمالين: الأول أن تكون «داعش» تقهقرت أمام التقدم الكردي لأسباب عسكرية، والثاني أنّ هناك خطباً ما انبثق فجأة ولم ينتبه إليه أحد.

إنّ أسباب هذا الارتياب متعدّدة، فلماذا لا يحصل الأمر نفسه مع قوّات الجيش العراقي المدعومة بالحشد الشعبي، إلا بعد معاناة ومكابدة شديدتين؟ ولماذا لا تواكب غارات التحالف الدولي محاولات الجيش السوري الدفاع عن المطارات واستعادة مناطق أخرى؟ وتبدو الغارات في سورية هزيلة وهي تجري في مناطق تابعة لأكراد سورية حصراً، وكذلك في العراق، هناك تكثيف متصاعد لغارات التحالف الدولي ـ الأميركي بشكل تواكب فيه تحركات قوات «البيشمركة» وتسبقها في معظم الأحيان لتنظف لها خطوط تقدمها وإمدادها.

وللبحث عن المبرِّرات، يجب منطقياً، وضع غارات التحالف في خدمة سياسة أصحاب التحالف الإقليمية في سورية والعراق.

على مستوى بلاد الرافدين، هناك إسنادٌ غربي كبير للأكراد، ومحاولات بناء قوى عسكرية من عشائر الموصل والأنبار، تجري في الأردن وتركيا والسعودية، بإشراف أميركي مباشر، وهي قوات مستقلة عن حكومة بغداد، قد تواليها نظرياً وتتلقى منها التمويل، لكنها الأساس العسكري السلطوي ـ السياسي الذي يُراد منه تشكيل إقليم سني مستقل تماماً أو اتحادي حسب دوران لعبة الأمم.

المراد إذاً، تشكيل إقليم الموصل ـ الأنبار ليكون حلقة من حلقات العراق المنقسم، وربما قد يشكل جزءاً من إمارة سنية أكبر تضم محافظتي الرقة ودير الزور في سورية. لذلك، يكثف التحالف الأميركي الجوّي قصفه على «الحدود السياسية» المزعومة للإقليم الكردي باعتبار أنّ جبل سنجار يضمّ أكراداً من الطائفة الإيزدية. وفي الوقت نفسه، لا يواكب هذا التحالف تحرك الجيش العراقي وكتائب الحشد الشعبي لأنها تتحرك في مناطق «ملتبسة مذهبياً» وتؤدي إلى منطقتي الأنبار والموصل الموضوعتين في خدمة مشاريع سياسية أخرى، في إطار الإقليم السني المذكور.

تدلّ هذه المعطيات على مشروع شديد الوضوح لتأمين موارد اقتصادية للأقاليم العراقية الثلاثة، وإلا فإنها ستعاود الاندماج فيما بينها بسرعة، تحت ضغط الإفلاس والفشل.

يحتوي الإقليم الكردي على عشرين في المئة من نفط العراق ولديه مياه غزيرة، ويعبره نهر دجلة قبل وصوله إلى بغداد، لكنّ نقطة ضعفه الوحيدة هي أنه مضطر إلى الارتباط بالعراق أو سورية أو تركيا لأنه منطقة داخلية لا سواحل بحرية لها. ولأنّ الشاطئ العراقي ضئيلٌ لا يتعدى طوله 52 كيلومتراً، فيما يبلغ الشاطئ السوري أقل من 150 كيلومتراً مقابل شواطئ تركية بآلاف الكيلومترات، يبدو أنّ هذا الإقليم محكوم بعلاقات اقتصادية وبالتالي سياسية مع تركيا عضو «ناتو» الشقيق الأكبر للتحالف الدولي.

وينطبق التحليل على ما يُسمَّى الإقليم السني العراقي الفني بمياه نهر الفرات، لكنّ موارده النفطية هزيلة، إلا إذا اتحد مع محافظتي الرقة ودير الزور السوريتين في مكون سياسي واحد، عندها يصبح هذا الإقليم نفطياً من موارد سورية ومائياً من نهر الفرات الذي يعبر سورية أيضاً قبل وصوله إليه. ويبدو أنّ مشروع التحالف الدولي يدفع بالقصف إلى رمي هذا الإقليم المفترض في أحضان جارته الحدودية مملكة آل سعود التي تستطيع أن تتولى أمره بالتمويل والفقه الظلامي وإنتاج المحظيات والجواري والقيان والذبح والحِرابة.

أما بالنسبة إلى سورية، فمن الواضح جداً أنّ مشروع التحالف الدولي فيها، لا علاقة له بخطة الجيش السوري لاستعادة البلاد إلى حضن الدولة، فالقصف الغربي يستهدف مناطق كردية أو مشتركة، ولا يواكب الجيش السوري في دفاعه عن المطارات والمؤسسات والمدن والقرى، فتبدو القوافل العسكرية لـ»داعش» و»النصرة» تختال في شوارع سورية باطمئنان غير عابئة بمقاتلات التحالف الدولي التي تتجاهل هؤلاء التكفيريين الموضوعين على لائحة الإرهاب في مجلس الأمن، ولا تقصفهم إلا إذا وصلوا إلى كوباني عين العرب عند حدود المناطق الكردية في سورية.

وبالاستدلال، يُلاحظ أنّ التحالف الدولي هو مشروع سياسي غربي لا علاقة له باهتمامات العراقيين والسوريين أنظمة وشعوباً، وهو يرسم بصواريخه حدود الأقاليم السياسية التي يزمع استحداثها لأسبابه الخاصة. يريد عراقاً ضعيفاً كونفدرالياً أو مقسّماً بشكل نهائي، ويريد لسورية أن تكون مستهلكة ومسلوبة الدور الإقليمي، بأقاليم متناحرة ومحتربة على قواعد مذهبية وعرقية وطائفية، فيعزّز بهذه الانقسامات من دور الدول الدائرة في فلكه وهي «إسرائيل» والسعودية وتركيا ويفرمل الاندفاعة الإيرانية نحو المتوسط، بإيقافها عند محافظة الأنبار العراقية، ويترك شركاته النفطية والاقتصادية تعبث بموارد المنطقة من نفط وغاز وتبيعنا كلّ ما نستهلكه.

العراق إذاً في لعبة الأمم… لذلك يشكل الأكراد البيشمركة الطليعة العسكرية للتحالف الجوّي… مَن يخدم مَن؟ ليس هذا هو السؤال فهناك وللأسف تطابق في الأهداف.

والسؤال الذي يشكل هاجساً في المنطقة السورية ـ العراقية، ليس عن سرعة القوات الكردية في تحرير سنجار بل عن قدرة التحالف على تدمير المنطقة.

ويبدو أنّ التحالف الذي يتكون من العراق وإيران وسورية وحزب الله وحماس، المدعوم من روسيا، لن يسمح لصواريخ التحالف الدولي برسم حدود الأقاليم بناره، فأبناء المنطقة يشكلون وجهتها مهما كان التاريخ قاسياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى