«مشكلجي» الحمرا شهيداً

نبيلة الزحلان

وصلنا الى علمات، بلدة العريس الشهيد لتستقبلنا الأعلام الحزبية على مدخل البلدة. وصلنا الى المأتم لنرى الجميع متشحاً بالسواد، والصمت يعمّ المكان. النساء في منزل الفقيد فيما الرجال على الجبانة. تأمّلنا الوجوه علّنا ندرك إحدى الرفيقات، أدّينا واجب العزاء وجلسنا لدقائق ننظر إلى بعضنا بعضاً، امتلأت عيوننا بالدموع والاستياء والغضب. أين جموع القوميين؟ أهكذا نكرّم الشهداء؟!

سرت والرفيقة سحر نحو الجبانة، كان الرجال ينزلون نحو الساحة. تأمّلنا كلّ الوجوه ولكننا لم نوفّق، رُمقنا بعيون الاستغراب والملامة والهمسات تكاد تسمع كالصراخ: «ما الذي جاء بهاتين الفتاتين إلى هنا؟!» سئلنا عن وجهتنا، وضحك الكهل لسماعه الجواب وقال: «تشييع الشهيد محمد ليس هنا…»، أحسسنا بالراحة… فنحن لن نخذل الشهيد.

القوميون جميعاً قدِموا ليزفّوا عريس الواجب القومي. بخطوات سريعة وبلهفة سرنا، وما ان وصلنا حتى رأينا جموع القوميين، مَن عرفنا ومَن لم نعرف حضروا رفقاء ورفيقات مواطنين ومقرّبين، قوميين اجتماعيين من كلّ نحو وصوب… النساء هللن والبنادق زغردت وحناجر رفقاء السلاح صدحت بهتاف أبناء الحياة وأناشيد العز، ورايات الزوبعة الحمراء التي ارتوت بدم الشهيد ودماء الشهداء الذين سبقوه، رفرفت عالياً تلامس السماء.

رفيقي الشهيد، عرفتك قبل أسبوع من استشهادك، ساعة واحدة. ساعة كانت كافية لكي أُحسّ بالخجل من نفسي ومن قوميتي الاجتماعية لحكمي المسبق عليك. كنت وحسب إشاعات البعض وأحكامهم أرى فيك ذلك الشاب «المشكلجي، العديم الثقافة، القليل الاهتمام بالذات…».

عرفتك في ساعة، زاهداً بالحكمة والمعرفة متسلحاً بالثقافة القومية والغربية. عرفتك، بأخلاق نبيلة ونفس كريمة. عرفتك، خفيف الظلّ بحركتك الدائمة. عرفتك، بمناقب عالية والتزام حزبي قلّ مثيله. عرفتك، مليئاً بالعنفوان حدّ الغرابة، وعرفتك مفعماً بالحياة حدّ الشهادة…

وُجهت الأنظار الى نعشك علّها تقطف لمحات من ومضات البطولة التي لمعت لحظة استشهادك في باب هود في حمص، الحزن على فراقك تحوّل فرحاً واعتزازاً لإدراكناً حجم الإيمان الذي جسّدته فعلاً…

منذ سنة حُملت على أكتاف رفقائك، يومها رحَلتَ جسداً وحضرت عزاً. اليوم نستحضرك بطلاً مقاوماً قدوةً ومثالاً لأجيالٍ لن تعرف النصر الا من طريق الإيمان بقضيةٍ محقة هي قضية الوطن السوري والأمة السورية.

رفيقي الشهيد بشهادتك دحضت افتراءات الكثيرين أنّ شبابنا القومي الاجتماعي هم شباب ميليشيات. بشهادتك أثبتّ للكثيرين من الخصوم والأعداء أنّ شرفنا مقيّدٌ بشرف الأمة، ولم نرض يوماً بالذلّ والخنوع، أثبتّ رفيقي للكثيرين أنّ دفاعنا عن فكرنا وعقيدتنا ليس فعل واجب، بل هو فعل إيمان مطلق. إيمان، يدفعنا بروية القتال وبالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة التي نهلناها من زعيمنا سعاده لأن نتقدم كشباب مثقف واعٍ قرباناً على مذبح الصراع والبطولة لأجل فلاح الأمة وعزتها.

الشاب القومي «محمد عواد» برّ بقسمه وعمّده بدمائه الزكية. صنع الأمجاد وسطر التاريخ، وأمسى «مشكلجي الحمراء» شهيداً…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى