هل انقلبت «المصارف» على تعميم مصرف لبنان؟ المجذوب يسأل سلامة في بعبدا عن مصير أموال الدولة والودائع وسبب الانهيار
} محمد حمية
بقي الغموض يلف تفاصيل التعميم الذي أصدره البنك المركزي منذ أيام والمتعلق بودائع اللبنانيين في المصارف التي تقلّ عن ثلاثة آلاف دولار و5 ملايين ليرة، فضلاً عن غموض آلياته التطبيقية ومتى يستطيع المواطنون سحب ودائعهم ووفق أي سعر لصرف الدولار وهل ستقفل حساباتهم أم لا؟
فيما يشكّك خبراء اقتصاديون وماليون بمدى استجابة المصارف للتعميم وتطبيقه بالشكل الذي يضمن مصلحة المودعين كما تشكك بقدرة البنك المركزي على فرض الامر على المصارف التي تحمّل المركزي والحكومة والدولة اللبنانية مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع، وتضع معادلة مقايضة واضحة لم تتراجع عنها حتى الآن رغم كل الضغوط والتنازلات والمرونة الوهمية التي تبديها خلال نقاشاتها مع جهات سياسية عبر قنواة رسمية وسيطة. ومفاد هذه المعادلة: ديون المصارف على الدولة مقابل ودائع اللبنانيين. فيقدر الخبراء ضياع مبلغ 50 مليار دولار من حجم الودائع البالغ حوالي 150 مليار دولار ما يعني أن ثلث ودائع اللبنانيين باتت بحكم المحسومة او ما يعرف بـ”قص الودائع”. فالمصارف تعتبر أن هذا المبلغ المفقود من الودائع يشكل جزءاً من ديون المصارف على مصرف لبنان الذي ديّنه بدوره لخزينة الدولة وموّل به استيراد المواد الاولية ورواتب وأجور الموظفين وعجز الكهرباء في الموازنة، وبالتالي على الدولة أن تتحمل مسؤولية تأمين ثلث ودائع اللبنانيين لكون الحاكم رياض سلامة عمل لصالحها ونفّذ سياساتها بحسب منطق جمعية المصارف. لكن الخبراء يوضحون لـ”البناء” أن سلامة عمل لمصلحة المصارف اكثر من مصلحة الدولة عبر الهندسات المالية المتتالية ولعبة الفوائد والقروض والاستثمارات الخارجية وتسهيل تحويل وتهريب الأموال الى الخارج وعبر السياسة النقدية والضرائبية بشكل عام، متسائلين لماذا عمدت المصارف الى التمادي بإقراض الأموال للمصرف المركزي طالما اكتشفت التصرف العشوائي بها؟ واستطراداً لماذا تصرفت وراهنت بودائع اللبنانيين عبر اقراضها للمركزي مقابل فوائد مرتفعة وأين الاحتياطات المصرفية؟ ومن سمح للمصارف التصرف بحقوق اللبنانيين؟ ألا تعتبر جريمة مالية كبرى تعرضها للمقاضاة؟ ولماذا عملت المصارف على تهريب مبالغ كبيرة من الاموال الى الخارج قبل 17 تشرين الماضي وبعده؟ ولماذا باعت سندات اليوروبوند التي كانت تحملها لمستثمرين أجانب في وقت الدولة بأمسّ الحاجة الى أوراق تفاوضية للتفاوض مع الدائنين الخارجيين لإعادة هيكلة الدين العام في ظل صمت مريب من البنك المركزي وأجهزة الرقابة ولجنة الرقابة على المصارف؟
ويرى الخبراء أن التعميم الأخير لا يصبّ بمصلحة المودعين بل مقدمة لقص جزء كبير من الودائع تشمل متوسطي الودائع وكبارهم. فلماذا لا تقوم المصارف بإعطاء صغار المودعين أموالهم المقصودين بالتعميم الأخير حيث لا يتعدى حجمها المليون دولار؟ وهل تعجز مصارف لبنان عن ذلك؟ ويضيف الخبراء ان المصارف ستربح في هذه العملية عبر الفارق في سعر صرف الدولار، اذاً ستقوم المنصة المشتركة بين المصارف والمركزي والصرافين بتحديد سعر صرف الدولار وبعد إجراء عمليات السحوبات تقوم برفعه الى 3000 واكثر بحيث اذا اراد اصحاب الودائع شراء الدولار مجدداً يخسرون في فارق السعرين فيما تتقاسم المصارف والصرافون الربح. كما سيشجّع ذلك على خلق اسواق سوداء جديدة للتداول بالدولار. وحتى اصحاب كبار الودائع اي قانون يسمح للمصارف بإجبارهم على سحب اموالهم “الدولارية” بالعملة اللبنانية؟ ما دفع بالخبراء للسؤال هل انقلبت المصارف على تعميم المركزي ولماذا هذا التأخير بتطبيقه رغم انه يحقق لها الارباح الا اذا كانت آليات تطبيقه غير ذلك؟
وما يزيد المخاوف هو كلام رئيس الحكومة حسان دياب امس، انه لا يعرف متى تفرج المصارف عن اموال المودعين! واذا كان رئيس الحكومة واركان الدولة والحكومة ووزير المالية والأجهزة القضائية لم يتسطيعوا حتى استعادة قرش واحد من الودائع الصغيرة، فمن يفعل ذلك؟ وهل على المواطنين ان يتأقلموا مع خسارة جزء كبير من اموالهم؟
اما السؤال الذي يطرحه كل مواطن: اين القضاء المالي ازاء سلوك المصارف بحق اللبنانيين؟ ومن يوقف هذا التمادي وانتهاك القوانين وحقوق الناس؟ واين اموال الدولة وما هو مصير ودائع اللبنانيين لا سيما الودائع التي تفوق 5 ملايين ليرة و3 آلاف دولار.
أسئلة وجهها وزير التربية والتعليم العالي د. طارق المجذوب لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال جلسة مجلس الوزراء أمس، في بعبدا بحسب ما علمت “البناء” حيث تحوّلت أسئلة الوزراء لسلامة الى استجواب، فألقى سلامة المسؤولية على الحكومات المتعاقبة والسياسات المالية والاقتصادية التي اتبعتها منذ 1992، لكن مصادر سياسية تسأل: لماذا استمرّ سلامة في منصبه طالما شاهد المخالفات والسياسات الخاطئة بأم عينه؟ ولماذا لم يقدم استقالته وعاد الى عمله في الشركة التي كان يعمل فيها ويتقاضى منها ملايين الدولارات، كما قال؟ ولماذا اختار الراتب الأقل والعمل مع السياسات الخاطئة؟ هل هي خدمة بلاده كما ادعى؟ وهل الإفلاس المالي والانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة الوطنية وخسارة الودائع هو خدمة لهذا البلد؟ مضيفة أن ذلك يبعث على التأكيد بأن سلامة يناور في كل قراراته ولا يزال يتصرف وكأنه حاكم بأمره وتابع للسياسات الاميركية.
وبحسب ما علمت “البناء” أن الوزير المجذوب تصدى لسلامة خلال استجوابه، حيث لم تقنعه اجاباته فتوجه اليه بالسؤال: نريد منك ان تقول لنا اين اموال الدولة واين ودائع اللبنانيين وما هو مصيرها؟ فلم يجب سلامة وأصيب بالإرباك. فكرّر المجذوب سؤاله خمس مرات. فحصل سجال بينهما، ما دفع بسلامة للقول بأن المسؤول هي الدولة والحكومات المتعاقبة وسياسة الاستدانة والاستيراد ما أدّى الى عجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات وعجز في الخزينة والمالية العام ما اضطر المصرف للتدخل لتمويل هذا العجز واضطرار الدولة للاستدانة من المصارف ومن الخارج.
وفي ما يشير الخبراء الى أن لا يمكن معالجة الوضع النقدي والمصرفي وإعادة ودائع الناس من دون خطة مصرفية نقدية اقتصادية ومالية، أشارت مصادر اقتصادية لـ”البناء” الى أن “الخطة الحكومية تحدد خسائر الدولة بـ 83 مليار دولار على ان تتحملها ثلاثة اطراف: المصرف المركزي والمصارف ودافعو الضرائب، لكن الى اي مدى تستطيع الفئة الثالثة تحمل عبء دفع الضرائب في ظل تردي وتفاقم الازمات الاجتماعية والحياتية سيما بعد وباء كورونا فضلاً عن ارتفاع عشوائي بسعر صرف الدولار الذي أثر حكماً بشكل سلبي على المواطنين وأكل التضخم ثلث او نصف رواتبهم”. ودعت المصادر الحكومة قبل فرض ضرائب الى إعادة تصحيح النظام الضريبي وتحديد الفئات الاجتماعية التي تطالها اي ضريبة”.
وأشارت المصادر الى أن “التوقعات بأن تصل العائدات الضريبية الى 24 مليار ليرة، لكنها لم تتعد الـ 11 مليار فيما تثبيت سعر صفيحة البنزين على 25 الف ليرة ينطوي على ضريبة اضافية فرضتها الدولة 5000 ليرة على المواطن دونما إعلان ذلك، واذا ما اضفنا زيادة في الضريبة على القيمة المضافة على عدد كبير من السلع نكون دخلنا في برنامج صندوق النقد الدولي، فيما تساءلت المصادر عن غياب سياسة التحفيزات الصناعية والزراعية لخفض حجم الاستيراد وفك الارتباط بالدولار؟”.