الكورونا… وأزمة الاتحاد الأوروبيّ المقبلة
د. جمال زهران*
الأمر الذي يُجمع عليه محللون كُثر، أنّ النظام الدولي والنظم الإقليمية الفرعية مثل الاتحاد الأوروبي، يتعرّضان لهزة كبيرة، وأنه عُرضة لإعادة التشكيل وربما إعادة الهيكلة، بسمات جديدة، ويمكن أن تكون غير مسبوقة، وذلك بسبب هذا الاجتياح العالمي لفيروس كورونا، بغضّ النظر عن كونه فيروساً طبيعياً، أم فيروس تمّ تصنيعه معملياً ونشره عمدياً. بعبارة أخرى يجمع هؤلاء وأنا منهم، أنّ عالم ما بعد كورونا سيكون على النقيض من عالم ما قبل كورونا. ومن ثم فإنّ عام 2020، أضحى عاماً فاصلاً بالحدث العالمي الذي تركّز في ذلك الانتشار الوبائي لفيروس كورونا.
ولعلّ القراءة التحليليّة للانتشار الجغرافي لهذا الفيروس (الطبيعي أو المُصنّع)، تؤكد أنّ عدداً من الحقائق، ستصبّ بلا شك في كفة المرجّحين للتغيير الكبير الذي يشهده النظام العالمي والنظم الإقليمية. ولعلّ الهدف الرئيسي لهذا المقال يتركّز في ذلك التأثير الحادث في الانتشار الوبائي لفيروس الكورونا، على ذلك النظام الإقليمي الكبير وهو الاتحاد الأوروبي؟ بعبارة أخرى، يتمحور السؤال بوضوح في الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة لفيروس كورونا، على حاضر ومستقبل ذلك الاتحاد الأوروبي تحديداً؟
وللإجابة على هذا السؤال، يمكن القول بأنّ الدولة الأوروبية الأولى، التي تعرّضت لانتشار فيروس كورونا فيها، كانت إيطاليا، بعد ذلك البدايات الكبرى في الصين وفي إيران. والمفاجأة الكبرى كانت إيطاليا التي انتشر فيها الوباء بصورة سريعة، وغير متوقعة. وقد ذهبت التحليلات الأولية إلى أنّ الدول الثلاث الأكثر تعرّضاً للغضب الأميركي، وللحصار الأميركي هي تلك الدول الثلاث (الصين – إيران – إيطاليا).
وإذا كانت الصين تمثل المنافس الأكبر لأميركا اقتصادياً، فإنّ إيران كذلك هي محلّ غضب أميركا والكيان الصهيوني وتابعيهم دولياً وإقليمياً، ومن ثم فإنّ هذين الطرفين (الصين – إيران)، عندما يتعرّضان لانتشار فيروس كورونا، وأنّ وراء ذلك أميركا، فإن ذلك يُعَدّ أمراً طبيعياً ويتفق مع العقل. أما الطرف الثالث الجديد الذي شهد تلازماً في انتشار كورونا، كان هو دولة إيطالياً! وفي البحث عن المعلومات، تكشف أنّ إيطاليا قامت بعقد صفقات بنحو (10) مليارات من الدولار مع الصين، الأمر الذي أغضب أميركا التي طالبتها بالرجوع في هذه الصفات ورفضت إيطاليا، فسعت أميركا/ ترامب لتأليب أوروبا على إيطاليا!
لكن الذي حدث بعد ذلك أنّ الانتشار الوبائي لكورونا في إيطاليا خرج من السيطرة، وانتشر الوباء في أوروبا كلها. ولذلك أمكن حصر الدول الأوروبية الثماني بعد إيطاليا، الأكبر في الوفيات، وفي الإصابات، هي (إسبانيا – فرنسا – بريطانيا – ألمانيا – بلجيكا – هولندا – سويسرا – السويد). ثم ينقلب الوضع بعد انتشار الفيروس داخل أميركا، التي تعرّضت لموجة وبائية ضخمة، جعلها في المرتبة الأولى عالمياً في الوفاة والإصابات، حتى أنّ حجم الإصابات فيها تجاوز النصف مليون، بينما حالات الوفاة تجاوزت الـ (20) ألفاً، على حين أنّ إيطاليا بلغت حالات الوفاة فيها على نحو يقترب من (20) ألفاً!!
ولعلّ الدول الثلاث الكبرى خارج هذه المنظومة الأميركية والأوروبية والصين، هي إيران، وتجاوز حجم المتوفين الـ (4) آلاف، ثم البرازيل تجاوزت الألف وفاة، ثم تركيا تجاوزت أيضًا الألف وفاة، أيضاً!
وبالتركيز على أوروبا، ونصيبها العالمي من الإصابات تبلغ النصف أيّ نحو (850) ألف حالة من (1,7) مليون إصابة، وتبلغ نحو 70% من حجم الوفيات، أيّ أنها الأعلى عالمياً، وفاة وإصابات! تليها أميركا الشمالية بنسبتي إصابات (32%، ووفاة نحو 20%)، بينما نسب الشفاء محدودة 9%)! أما خُمس الإصابات فتوجد في آسيا (17%)، وباقي العالم في أميركا الجنوبية، 1% نصيب أفريقيا! وجميعها نسب مستقرة.
ومن هذا الاستعراض الدقيق حسبما هو مُعلن رسمياً في منظمة الصحة العالمية التي تستقي الأعداد من الإعلانات الحكومية في كلّ دولة يومياً، يتضح أنّ أوروبا تلك القارة العجوز، هي الأكثر إصابة (50%)، والأكثر وفاة (70%)، والأعداد في ازدياد. ماذا يقود ذلك؟
الملاحظ أنّ إيطاليا عندما تعرّضت لانتشار الوباء، استنجدت بالاتحاد الأوروبي، فكان ردّ الفعل الأوروبي الرسمي، هو تجاهل طلب إيطاليا، ورفض مساعدتها، وجزء كبير من هذا الرفض، كان بسبب الضغط الأميركي على الاتحاد الأوروبي بعد الانسحاب البريطاني، لتأديب إيطاليا التي رفعت راية العصيان بدعم التجارة والتعاون وعقد الصفقات مع الصين، المنافسة لأميركا!! فماذا كان ردّ فعل الإيطاليين رسمياً وشعبياً؟ وجدنا الإجابة في إنزال علم الاتحاد الأوروبي، ورفع العلم الصيني! تلك الدولة التي بادرت بتقديم المساعدات لشعب إيطاليا ودولته.
فضلاً عن تصاعد موجة الرفض الشعبي لاستمرار عضوية إيطاليا في الاتحاد الأوروبي، وأكدته قياسات الرأي العام المنشورة في الصحف الإيطالية ومواقعها، كما ينقل المراقبون ذلك يومياً. ويتضح أنه مع الرفض الأوروبي تقديم المساعدات والدعم لإيطاليا، أدى إلى تصاعد موجة الرفض للاتحاد الأوروبي ككيان اتحادي عليه أن يقدّم الدعم والمساعدة لأيّ دولة (مالياً – أمنياً – عسكرياً – صحياً… الخ).
الأخطر على الجانب الآخر، أنه مع الانتشار الوبائي للفيروس في دول أوروبا الكبرى والتي تمّت الإشارة إليها، وهي تمثل قاطرة الاتحاد الأوروبي، أصبح الاتحاد الأوروبي في مفترق الطرق. فقد رفض مساعدة إيطاليا التي خرجت عن الطوق واستهجنت رفض الدعم الأوروبي لها، ووجد نفسه في مأزق لانتشار وباء الكورونا على غير المتوقع، إلى حدّ أنّ الأمر أصبح كارثة كبرى لحاضر هذا الاتحاد ومستقبله. فكيف يتمّ تسيير أعمال الاتحاد في الوقت ذاته الذي لم يعد قادراً إلى حدّ العجز الكامل في أداء أدواره الوظيفية التي أنشئ من أجلها، بعد تعرّض كلّ أعضائه إلى الوباء الكاسح دون تمييز وخاصة أعضاءه الكبار؟!
فأوروبا واتحادها، رغم التقدّم التكنولوجي وتقدّم النظم الصحية والعلاجية، لم تستطع استيعابه مع ما حدث، ولم تستطع إيقاف انتشار الفيروس، ولم تستطع أن تستمرّ في تعاونها الشامل من أجل تكريس الفكرة الاتحادية التعاونية، لذلك أصبح هذا الاتحاد الأوروبي في مفترق الطرق، وفي طريقه إلى التحلل والتفكك، والعودة بأوروبا إلى الصفر، في التعاون والاتحاد، وربما قد يؤدّي بهم الأمر إلى الحروب والانقلابات.
لقد بدأ التصدّع في الاتحاد الأوروبي، بخروج بريطانيا نهائياً بتأثير أميركا، مع بداية العام 2020، وقد يصل مع نهاية هذا العام بالتفكك والانهيار الأوروبي، بفعل مؤثرات فيروس الكورونا، وتداعياته.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.