الحريري أبعدَ السنيورة وكلف المشنوق فردّ جنبلاط بالانسحاب

كتب المحرر السياسي

تتهيأ المنطقة نحو ملاقاة عام 2015، ببلورة المنصات المؤهّلة لتلقي التردّدات الناجمة عن المتغيّرات القادرة على حمل النتائج المرتقبة والمتوقعة، في الزمن المزدوج للحرب مع «داعش» خصوصاً والإرهاب عموماً، والتسويات الممكنة مع الخصوم التقليديين الذين انتهت الحرب معهم ولم تنته.

لم يتبقّ من الحروب المشتعلة خارج الحرب مع «القاعدة» ومشتقاتها، إلا الحرب السعودية الفرنسية التركية «الإسرائيلية» على سورية، والشراكات التي تتحرّك في هذه الحرب من واشنطن إلى «الإخوان المسلمين»، ويتورّط فيها الأردن، وتستنفر لها قطر وتنسحب منها تونس فيما تستعدّ الكويت للانسحاب وتتهيأ القاهرة للعب دور الوسيط.

ساحتان محوريتان تتجه الأنظار إليهما، اليمن والأردن، صماما الأمان وفقاً للرؤية الأميركية لأمن مصالحها في المنطقة يتعرّضان للتداعي. فاليمن كتلة الخليج السكانية الكبرى، وساحة الحراك الأمني والسياسي المقلقة، يبقى مصدر أمان وإدارة حروب صغيرة وتسويات صغيرة ما دام السقف السعودي للبيت اليمني قادراً على تشكيل عباءة ومظلة لكلّ المكوّنات ومؤهلاً للعب دور الوسيط في الحلول والراعي للحروب. وهذا الزمن السعودي يتداعى ويظهر أنّ أفوله قدر لا مفرّ منه، فتتسارع عمليات البحث عن البدائل. والأردن منطقة العازل الجغرافي بين عرب بلاد الشام وعرب الخليج وعرب أفريقيا والاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين، هو الكيان والدولة المستوعب للجوء الفلسطينيين ضحايا التهجير «الإسرائيلي» ليصير مشروع الوطن البديل عند الضرورة، وهو الخاصرة الرخوة لسورية للنيل منها جنوباً بقوة التداخل العشائري والجغرافي عندما تدقّ ساعة التدخلات، وهو رأس الجسر السعودي نحو المشرق، والقفل المحكم في وجه مصر للعبور إلى بلاد الشام، هو الأردن الذي يتداعى، ليصير الوطن البديل لـ»الإخوان» الذين خسروا حربهم في مصر وتونس، والوطن البديل لـ»داعش» إذا استعصت الحجاز على العبور. ها هو يعيش القلق والذعر والخوف وهو في حال التورّط في كلّ الحروب دفعة واحدة، حرب لا يجرؤ على وقفها مع سورية، وحرب لا يستطيع تفاديها مع «داعش» بعد أسر طياره وسقوط طائرته.

في اليمن سعي للبحث بمشروع مجلس رئاسي يخلف الرئيس منصور هادي، ليتولى وضع دستور جديد، وطرحه على الاستفتاء ومن ضمنه إقليما الجنوب والشمال بصيغة الدولة الاتحادية، ويمهّد لانتخابات برلمانية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومصالحة تعكس الأوزان والأحجام التي تفرزها الانتخابات. والعين على سلطان عُمان ووزير خارجيته لتولي جسّ النبض الإقليمي والدولي حول المشروع لإخراج اليمن من التشظي والمزيد من الخراب والتحوّل إلى قنبلة موقوتة تفجر الخليج وتهدّد مصالح دولية وإقليمية متعدّدة، بينما في الأردن حالة طوارئ غير معلنة وذعر لا يطمئنه إلا ضوء أخضر سعودي أميركي لتسوية أردنية سورية لا يبدو انه قد توافر. وعلى الأردن أن ينتظر التأزم على الطريقة اللبنانية للسبب نفسه، ممنوع التنسيق مع سورية، والمعنيون في الأردن منضبطون بالتعليمات كما اللبنانيون من أقرانهم يطيعون.

لبنان واقف خارج الروزنامة الدولية على رغم كثرة الموفدين، الهادفين للتقرّب من سورية كما ظهر عبر لبنان، وليس التمهيد للحلول اللبنانية، وبوابة حزب الله كقوة إقليمية كبرى وصاعدة هي الوجهة التي تقصدها الوفود في زياراتها للبنان، بينما سقف التوجه نحو لبنان هو إطفاء محركات التصعيد وبدء مسار التهدئة، وهذا مغزى الإجماع على دعم الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل.

وحده النائب وليد جنبلاط بقلقه يعيش خارج السرب، فعينه على «جبهة النصرة» من جهة والرهان على تعويمها لبنانياً وحجز مقعد في التسويات يعوّضه دور كتلته النيابية كـ»بيضة قبان» في الرئاسة يراها مهدّدة بالتلاشي مع أيّ توافق بين الأغلبيات من جهة أخرى، وجنبلاط القلق من الحوار والتوافق والمضطر لدعمهما وجد ضالته في الرئيس فؤاد السنيورة، وعلى رغم انزعاج الرئيس سعد الحريري من التسريب الجنبلاطي عن حكومة برئاسة فؤاد السنيورة تكمل التوافق على الرئيس الجديد لم يتردّد جنبلاط في جسّ نبض أكثر من جهة إقليمية ودولية، ووصل التسريب إلى الحريري وعين الحريري على الرئاسة، فأبعدَ السنيورة عن وفده إلى الحوار وأرسل وزير الداخلية نهاد المشنوق بدلاً منه، لرسالة مغزاها توتر المشنوق وعلاقته بجنبلاط، في رسالة ردّ عليها جنبلاط بالاعتذار عن حضور الجلسة الأولى كمراقب بعدما اقترح الحريري عليه إيفاد الوزير غازي العريضي، فردّ بأنه إنْ تمثل فبالوزير وائل أبو فاعور ليعود ويصرف النظر كلياً عن المشاركة التي كان يريدها الرئيس نبيه بري، وفقاً لمصادر «المستقبل»، تزخيماً لرباعي الدفع الرئاسي، الذي يضمّه مع حزب الله و»المستقبل» وتكتمل بجنبلاط لتنفتح على كلّ من بكركي والرابية ومعراب وحوار أركانها تمهيداً لاستيلاد الرئيس العتيد من رحم هذه المعادلة المركبة.

هذا المسار الحواري يهيّئ منصة ملاقاة المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة بمناخ تهدئة، بينما كانت تصدر حزمة من الأحكام القضائية بحق متهمين مدرجين على لوائح التفاوض مع خاطفي العسكريين، توحي بطبيعتها أنها مشاريع تسريع للمقايضات، وتزرع الأمل بأنّ تفاوضاً جدياً يجري على جبهة بعيدة عن لعبة الاستعراض.

من بكركي رئاسيات عون وحزب الله

تحولت بكركي في عيد الميلاد إلى محجة السياسيين المتباعدين والحلفاء على حد سواء وانتقلت معهم الملفات العالقة وأبرزها الاستحقاق الرئاسي. وشهد الصرح البطريركي زيارة لرئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون على رأس وفد من التكتل إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي هي الأولى من نوعها بعد مواقف الراعي من الاستحقاق الرئاسي ودعوته إلى إيجاد رئيس توافقي، الأمر الذي اعتبره عون خروجاً على اتفاق بكركي بين الأقطاب المسيحيين الأربعة على أن يكون رئيس الجمهورية العتيد من بينهم.

عون للبطريرك: الرئاسة لا تعنيني بل الجمهورية

وأشارت مصادر مطلعة على اللقاء إلى أن عون أكد للبطريرك «أن الرئاسة لا تعنيه، بل ما يعنيه هو بقاء الجمهورية والمسيحيين، وأن هناك عرفاً قائماً يجب أن يكسر، فلا يجوز أن يبقى قرار الانتخابات الرئاسية في مكان آخر». ولفتت المصادر إلى «إعلان البطريرك تأييده لما طرحه العماد عون من أفكار، إلا أنه شدد على ضرورة التوافق المسيحي في شأن الانتخابات الرئاسية، وأنه ينتظر لقاء العماد عون برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع».

وفي السياق أيضاً كانت زيارة لوفد من حزب الله ضمّ رئيس المجلس السياسي للحزب السيد إبراهيم أمين السيد وعضوي المجلس غالب أبو زينب ومصطفى الحاج علي، إلى الراعي للتهنئة بالأعياد، بحضور ممثل بكركي في اللجنة الثنائية للحوار المطران سمير مظلوم.

وأكدت مصادر مطلعة لـ البناء أن اللقاء بحث في الأوضاع في لبنان والمنطقة، وأن وفد حزب الله نقل إلى البطريرك أجواء الحوار مع تيار المستقبل والتوقعات العالية الايجابية له، لجهة تخفيف حدة الاحتقان المذهبي ومكافحة الإرهاب وتوحيد الحالة اللبنانية لمحاربته، وتفعيل عمل المؤسسات.

وأشاد الراعي بانعقاد الجلسة الأولى من الحوار في عين التينة ، مؤكداً انه ضروري للبلد وأنه كسر الجليد الحاصل .

وتوقفت المصادر عند إعلان السيد أن حزب الله لا يزال يعتبر أن العماد عون هو الشخصية القادرة على تولي زمام الأمور في هذا الظرف الذي يمر به لبنان، موضحة أن الحزب «أراد من الصرح البطريركي تأكيد موقفه بأن مرشحه هو العماد عون، وأن ليس لديه مرشح آخر. لكن الراعي رد على ذلك بالقول إنه يقبل بأي رئيس يرضى عنه الجنرال عون، ويتم التوافق عليه من الآخرين».

وبحسب المصادر، تحدث حزب الله عن الإرهاب في المنطقة، ونظرته للمواجهة القائمة ضده، وأكد أن لبنان محصن ضد الإرهاب وأن المنطقة تسير على مراحل متدرجة باتجاه القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية، مشيراً إلى حصول انجازات في هذا الشأن. أما الراعي فأبدى تفاؤله بأن لبنان محصن على رغم القلق الموجود، في حين أن وفد حزب الله جدد التأكيد للبطريرك الراعي أن المقاومة تدافع إلى جانب الجيش عن لبنان وكل اللبنانيين من دون استثناء. كما زار بكركي رئيس حزب الكتائب أمين الجميل والنائب وليد جنبلاط مع عائلته.

«الوطني الحر»: الكرة في ملعب جنبلاط

من جهة أخرى، لم يتحدد موعد لقاء عون مع جعجع على رغم التحضيرات الجارية له. وفي السياق، أكدت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ»البناء» «أنها لا تستبشر خيراً في اللقاء»، لافتة إلى «أنه لن يغير شيئاً، فمشكلة الرئاسة لن تحل مسيحياً، لأن أياً من الأقطاب لا يريد أن يتنازل لمصلحة العماد عون».

وإذ شددت على أن حظوظ رئيس تكتل التغيير والإصلاح في ارتفاع، وأن هناك شبه اقتناع عند المسيحيين بأن عون هو الشخص المناسب لرئاسة الجمهورية في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة، رأت المصادر أن الكرة في ملعب رئيس اللقاء الديمقراطي النائب جنبلاط، فمن باستطاعته إرضاء جنبلاط هو من سيكسب الرئاسة».

أما على صعيد الحوار بين حزب الله و»المستقبل» المنتظر أن تعقد الجلسة الثانية منه مطلع العام المقبل، فقد حدد عضو وفد «المستقبل» وزير الداخلية نهاد المشنوق الغاية الرئيسة منه وهي «تخفيف الاحتقان السني الشيعي، بعد انتشاره من اليمن إلى العراق وسورية»، مؤكداً أنه «داخل تيار «المستقبل» وهو تيار سياسي كبير ومنتشر هناك وجهات نظر متعددة ولكن الغالبية المسيسة ترى في الحوار قاعدة أساسية لتخفيف الاحتقان».

وشدد المشنوق على أن «الحوار لن يكون حول اسم الرئيس أو الاتجاه السياسي للرئيس، بل في إمكان التوافق حول رئيس له طبيعة وفاقية».

ورأى أن «الوقت حان لتخلي 8 آذار عن مرشحه وتخلي 14 آذار عن مرشحها والدخول في منطق يحدد الطبيعية الوفاقية للرئيس».

وأكد المشنوق أننا «سنستكمل في كل وقت الحوار مع عون لأن هذا له علاقة بالتماسك السياسي والوطني».

إلى ذلك، نقل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان عن الرئيس سعد الحريري الذي التقاه في السعودية، حرصه على إنجاح الحوار الذي بدأ مع حزب الله. ولفت دريان إلى أننا نعول على هذا الحوار «في أن يخرج هذا البلد من حال التشنج المذهبي القائم إلى مرحلة الانفتاح بين المذاهب وتغليب الوحدة الإسلامية على غيرها من المصالح»، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الحوار الذي بدأ، سيؤسس لحوارات أخرى أشمل وأعمق بين كل اللبنانيين وبين الأفرقاء اللبنانيين.

قضية العسكريين تراوح مكانها

وفي عطلة الميلاد، راوحت مفاوضات تحرير العسكريين المحتجزين لدى «داعش» و»جبهة النصرة»، مكانها فيما أكد نائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي أن «المطالب التي نقلها من «داعش» وصلت إلى الحكومة، وسيحدَّد موعد لخلية الأزمة قريباً، وهي التي ستبت الأمر. وسأنقل جواب الخلية فور تبليغي إياه، إلى داعش». ولفت إلى أن «لا جديد يذكر في الملف، ولم أبلغ رسمياً بأي جديد، ربما لأننا في فترة أعياد». وزار وفد من أهالي العسكريين معراب حيث التقوا جعجع الذي دعا الحكومة إلى إيجاد حل لقضية العسكريين اليوم قبل الغد، مهما كان الثمن والمقاربة والمقايضة». وكان الأهالي التقوا أول من أمس مصطفى الحجيري «أبو طاقية» في عرسال، الذي أشار إلى أنه سيتابع جهده لإطلاق العسكريين بمبادرة شخصية على رغم أن «جبهة النصرة» لم تكلفه بذلك رسمياً.

إلى ذلك، أصدر المجلس العدلي أمس حكمه في ملف القضية رقم 28 المتفرعة من قضية «نهر البارد»، وقضى فيه بإنزال عقوبتي الحبس سنة واحدة والغرامة مليون ليرة لبنانية بكل من بلال الحسيان وعبد المحسن عجيج والحبس أربعة اشهر والغرامة مليون ليرة لبنانية بالظنين بري العبد الله، والحبس مدة ثمانية أشهر والغرامة مليون ليرة لبنانية بالظنين يعقوب حسيان، وذلك بعد أن ثبت للمجلس إقدام كل من هؤلاء على تهريب الأشخاص من وإلى الأراضي اللبنانية.

كما أصدر المجلس العدلي حكمه في قضية الاعتداء على أمن الدولة الداخلي الحاصل بتاريخ 31/12/1999 في منطقة جرود الضنية ومحيطها. وكانت دعوى الحق العام في هذه القضية الأخيرة قد سقطت عملاً بقانون العفو العام 2005 فانحصرت القضية في دعاوى الحق الشخصي المقدمة من بعض المتضررين الشخصيين وبعض ورثة الضحايا الشهداء من الجيش. وقد انتهى المجلس إلى الحكم بإلزام المتهمين في هذه القضية بدفع تعويضات مالية بلغ مجموعها خمسمئة وخمسة وعشرين مليون ليرة لبنانية إلى المدعين الشخصيين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى