رغم الظروف الصعبة تتابع رسالتها المعرفيّة المدرّبة سارة أفيدكيان تقيّم الخبرات الحياتيّة وتنشرها لتفيد الآخرين
يوسف الخضر*
«ابحث أنت عن المعرفة، فالمعرفة لا تبحث عن أحد»، قالَ أناتول فرانس.
لذلك لسنا بصدد سرد مقدّمة عن المعرفة لأن المقدّمة عن المعرفة هنا هي تحصيل حاصل فلا أحد يجهل معنى هذا المصطلح وإن كان ليس ضليعاً في كل شيء، حسبه أنه ينظر من حوله ويفكّر، ليكون بهذا قد انضم إلى البشر، الكائنات التي تفرّدت باحتكار هذا المصطلح وما يحمله من معنى. إلا أن للمعرفة طرقاً متشعبة منها ما يفضي إلى الخلاص والنور ومنها ما يفضي إلى الظلمة والهلاك، باختصار يمكننا القول إن المعرفة شعلة ولحاملها الخيار في أن ينير الطريق أو أن يحرق الغابة.
«البناء» كان لها لقاء مختصر مع سارة أفيديكيان إحدى حاملات شعلة المعرفة لمناقشة طريقتها الخاصة في حصولها على المعرفة وتمريرها للآخرين. ويجدر الذكر هنا، أن أفيدكيان تستخدم صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» لنشر مقاطع فيديو تتراوح مدتها بين الـ4 دقائق والـ15 دقيقة. تتضمن تلك المقاطع المصوّرة بشكل عفوي ودون مؤثرات بصرية أو سمعية على نصائح في الدعم النفسي والعاطفي وذلك عبر مناقشة بعض التجارب الشخصية التي عاشتها وكان لها أثر مباشر أو غير مباشر على حياتها ونفسيتها. وأيضاً عبر الخوض في تجارب أشخاص آخرين من كتّاب وفنانين وعلماء وفلاسفة على اختلاف توجّهاتهم العلمية والمعرفية، ممن كان لتجاربهم أثر كبير على نظرتنا للنفس البشرية بشكل عام وأنفسنا بشكل خاص.
تستخدم أفيديكيان لغة مبسّطة يفهمها الجميع، وهذا بغرض إيصال الأفكار للجميع على اختلاف ثقافاتهم واختصاصاتهم الدراسية والحياتية، على حدّ تعبيرها.
ما نوع المعرفة التي تعملين على إيصالها إلى الناس ؟
ـ أهتم بمواضيع عديدة. معظمها لها علاقة بالدعم النفسي وأهمية التصالح مع الذات للحصول على السلام الداخلي. أحاول لفت انتباه الناس إلى أحداث ومواقف قد تصادفهم يومياً إلا أنهم يجدون صعوبة في فهمها والتعامل معها. لذا أطرح الأمر من ناحيتين، الأولى من وجهة نظر العلم والأخرى من وجهة نظري الشخصية استناداً على ما درسته أو قرأته أو مررت به من تجارب سابقة. أقوم بتصوير ما أود قوله في مقاطع فيديو قصيرة وأشاركها على صفحتي الشخصية على “فيس”.
في ظل تسارع عجلة الحياة وابتعاد معظم الناسعن الكتب. هل ما تقومين بنشره من فيديوات قصيرة، يسدّ قليلاً من رمق الجوع الفكري الناتج عن قلة المطالعة؟
ـ أعتبر أن مقاطع الفيديو التي أنشرها هي وسيلة أخرى إلى جانب القراءة. دعنا نقل أنني أحاول أن أثير فضول الآخرين وأحفّزهم على اكتشاف متعة البحث عن المعرفة. بغض النظر عن الوسيلة المتبعة في ذلك. ودعنا لا ننسى هنا أن البشر بطبيعة الحال مختلفين في قابليتهم لتلقي المعرفة. فمنهم من يفضّل الاستماع للأشياء ومنهم مَن يفضّل مشاهدتها ومنهم أيضاً من يفضل تجربة الأشياء بشكل مباشرـ غير أنني أعتقد في نهاية المطاف، أن لا شيء يغني عن قراءة الكتب.
يقال إن التعليم الممنهج يقتل الإبداع. إلى أي مدى يبدو لك هذا القول صحيحاً؟ وهل يمكن للتعلم الذاتي وتنمية المواهب أن يكونا بديلاً عن المنهاج التعليمي الذي يفرضه النظام التعليمي المتبع؟
ـ التعليم الممنهج هو يشبه تماماً أن تضع طفلاً في صندوق وتحدّثه عن الفضاء الخارجي، في حين أنه بحاجة للوقوف خارجاً والنظر إلى السماء الصافية. ناهيك عن كون معظم المدارس والجامعات لا تراعي الاختلافات الجذرية في طبيعة كل طالبة من الناحية البيولوجية والعاطفية والنفسية، لهذا أعتبر أن النظام التعليمي الحالي يصنع أجيالاً متشابهة مكرّرة ويقتل التميّز في الأفراد. بينما التعلّم الحرّ يتيح لك اكتشاف قدراتك ومواهبك مما يعطيك دافعاً وشغفاً للارتقاء بنفسك وتحقيق أهدافك.
كصانعة محتوى له علاقة بالصحة والسلامة النفسيّة وفي ظلّ الحجرالمنزلي، ما هي نصيحتك للمحجورين في منازلهم في ما يتعلق بالحفاظ على صحتهم وسلامتهم النفسية؟
ـ قيل الكثير في ما يخص التعامل مع الحجر المنزلي، سواء من نصائح وقائية أو تدابير لقتل الملل الناتج عن المكوث لفترة طويلة في المنازل، بالنسبة لي انها فرصة لنفكر بأنفسنا وبأشياء مؤجلة في داخلنا وطبعاً للقيام بأشياء مفيدة كالقراءة أو تعلّم مهارات جديدة.
هل تشجّعين ذوي الاختصاصات على إنشاء مبادرات شبيهة بالمبادرة التي تقومين بها؟
-أشجع الأشخاص على القيام بمبادرات كهذه اذا كانوا هم أنفسهم يستمتعون بفعل ذلك، لأن الأمر يحتاج إلى شغف والشغف في الغالب يكون صلة الوصل بين صاحب المبادرة والمتلقي. وبشكل عام أنا مع أي وسيلة جيدة لتبادل المعلومات والأفكار بين البشر.
بكلمات موجزة، كيف تصفين تجربتك الخاصة في نشر المعرفة؟
-تجربة ممتعة ومفيدة؛ وهذا لأنني أفكر بصوت عالٍ وأتشارك أفكاري مع أناس آخرين لديهم اهتمامات وتوجهات مختلفة ولا يقتصر الأمر على كوني أفيد غيري، بل إنني أنا أيضاً أحاول أن أستفيد من خلال ردود الافعال والأفكار التي أتلقاها من المشاهدين.
ما هي المصادر التي تستندين عليها في انشاء محتوى الفيديوهات التي تقومين بنشرها؟
-أستند بشكل أساسي على الكتب والمراجع التي قرأتها، وأيضا من خلال المعلومات التي حصلت عليها من الدورات التدريبة التي شاركت بها. بالإضافة إلى مخزون التجارب التي عايشتها في حياتي أو شاهدتها لدى الأخرين. ناهيك عن الأفلام واللوحات والمسرحيات التي شاهدتها وحتى المواقف والتفاصيل اليومية التي مررت بها .
*سارة أفيديكيان، هي خريجة كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية / قسم المسرح. ولديها ثلاث شهادات عن دورات تدريبية في علم النفس والعلاج بالتنويم المغناطيسي. سافرت إلى تايلند مطلع العام 2018 وتعمل حالياً مدرسة لمادتي اللغة الإنجليزية والعلوم الإجتماعية في قطاع التعليم في تايلند.
*روائي سوري.