قالت له
قالت له: هل تلفت انتباهك مثلي كمية الأشياء التي تسابق الناس على اقتنائها وأنفقوا عليها ثروات واستدانوا لأجل شرائها على رواتبهم وتعويضاتهم وهي اليوم بلا جدوى.
قال لها: أشعر بالرضا لأننا لم نكن من ضمن هذا السباق على المقتنيات فلا سيارات حديثة الطراز أغوتنا ولا ثياب تتكدّس على الموضة ولا عمليات تجميل استنفدت مدخراتنا. وهذا يجعلنا معاً في حال فرح، لكن ثمة ما يلفتني أكثر وهو مقارنة ما كانت عليه أحوال بيت جدي وجدتي مقارنة بأحوال بيوت عائلات اليوم؟
قالت: وماذا تجد؟
قال: كان البيت مستعداً دائماً مليئاً بالمؤن، من الطحين والحطب والزيوت والسمون والحبوب واللحوم المقورمة إلى الألبان والأجبان وحول البيت حاكورة للخضار وبضعة أشجار مثمرة وعدد من الطيور والخراف.
قالت: والعبرة؟
قال لها: كانت الأساسيات وحدها تشغل بال الناس، والشعور بالأمان كان يتقدم على السعي للشعور بالتميز في الشكل واللباس والمظاهر، فكان الحب لا يمرّ بمعابر البوتوكس والسيليكون والماركات الشهيرة ومقابلها السيارة الجديدة واللباس المنمّق وتصفيفة الشعر وبطاقة الائتمان.
قالت: المبالغة في الاتجاهين مشكلة فقد وفرت لنا التقنيات موارد تجميل وتحسين لرفاهنا وإهمالها كالإدمان عليها وجعلها محور الحياة.
قال: لكنني أراك اليوم بلا مساحيق أجمل وبثوب الرياضة تلاعبين ورود الشرفة وتعدين طعاماً حُرمنا من روائحه الزكية ونكهاته المميزة طويلاً.
قالت: وأنا أراك ألطف وأنت تجلس مع كتاب تستمع للموسيقى وتمارس الرياضة قليل الكلام والتدقيق والانتقاد، تنتظر نداء طاولة الطعام بلطف ونعومة نتبادل الحديث اللطيف وتقرأ لي أشعار الغزل.
قال لها: أتشتكين بطريقة مواربة من تدخلاتي وتتناولين بالتنمر جلوسي أمام التلفزيون، وتدخلاتي في المطبخ وشكواي من بعض أصناف الطعام وسوء إعدادها، فلم يكن ينقص إلا أن تذكري عزفي على البيانو ليلاً، وأنا لا أفعل شيئاً مما قلت؟
قالت: ولا أنا أسقي وروداً، وأمهر في الطبخ، ولا ألبس ثوب الرياضة، بل أتجمل أمام مرآتي كما أذهب كل يوم للعمل، فلم عليّ الصمت على انتقادك المبطن واللاذع؟
قال: تعالي نجرّب أن يكون ما ذكرناه جدول أعمال بديل.
قالت: لا أمانع شرط أن تجرب البقاء صامتاً ليوم كامل.
قال: لا أمانع شرط أن تبقي خارج غرف النوم والجلوس كل النهار.
قالت: اتفقنا سأذهب لأصنع قهوتي وأبدأ.
قال: وقهوتي؟
قالت: تعدّها بنفسك.
قال: حسناً سأبدّل ملابسي لأبدأ رياضتي.
قالت: ومشتريات الطعام؟
قال: تجلبينها بنفسك.
قالت: إذن تُعدّ طعامك لنفسك.
قال: وهل يُعقَل؟
قالت: هل كانت جدّتك تتسوق حاجات البيت؟
قال: لا.
قالت: إذن قم أيّها الفارس النبيل إلى العمل فقد أعجبني جدّك وجدتك مثالاً.
فقال لها: اربطي لي حذائي.
قالت: وما أبشع هذا الطلب.
قال: لقد كانت جدتي تربط حذاء جدّي وتدعو له بالتوفيق كلما غادر المنزل.
قالت: وهل كانت تقبّله كلما دخل المنزل او خرج منه؟
قال لها: يبدو أنهما كانا يطبّقان تقاليد زمن الكورونا، حيث لا عناق ولا قبل.
قالت: بلا عناق ولا خناق. هل اتفقنا؟
قال: اتفقنا… وعلى جدي وجدتي تفوقنا.
قالت: وتلاقينا بعدما تفرّقنا.
قال: وقبل أن نتفرّق اشتقنا.
قالت: وعشقنا.
قال: واستفقنا.
قالت: إفرقنا.
قال: احترقنا واخترقنا واستبقنا وتمرتقنا فلم تجد على القافية إلا إفرقنا؟
قالت: أعجبتني.
ضحك وقال: وأتعبتني.
وضحكا معاً ومضى صباح من صباحات الكورونا.