الجغرافية السياسيّة لفيروس «كورونا»…
د. جمال زهران*
تُعرّف الجغرافية السياسية في أبسط معانيها، بتلك العلاقة بين المكان أو الموقع، والأهمية الاستراتيجية له، فأضحت الجغرافية السياسية تمثل إطاراً تحليلياً لظواهر تبدو وكأنها بلا علاقة بالسياسة. وبمتابعة أزمة «فيروس كورونا»، وانتشارها كوباء على المستوى العالمي، تلاحظ ارتفاع وتيرة انتشار هذا الفيروس في مناطق من دون أخرى، وقارات من دون أخرى، بل ودول من دون أخرى. الأمر الذي يتساءل معه الناس والمهتمّون، لماذا حدث ويحدث ذلك؟
الأمر الذي أميل له في سياق نظرية المؤامرة، أنّ هذا الفيروس وانتشاره ليس طبيعياً، وإنما هو صنيعة تخليق صناعي مدروس بعناية، ولكنه خرج عن سيطرة المخطّطين لانتشاره، فاكتوى بنيرانه مَن أشعله. ومع ذلك تبقى تفسيرات مهمة في الانتشار المدروس لهذا الفيروس، وعدم فعاليته في بعض المناطق، كما أنّ البدايات التي تحركت من الصين إلى إيران ثم إيطاليا، على وجه الخصوص، وكلّ هذا لا يعفي المتآمرين من ارتكاب الجريمة، ومع ذلك يبقى التساؤل، وتظلّ الإجابة عالقة، وتحتاج إلى مجهودات في التفسير إلى جوار نظرية المؤامرة.
ويمكن أن تتضح الإجابة الأفضل، بقراءة الخريطة العالمية، قراءة جغرافية، ومنها يمكن قراءة الأمر من زاوية الجغرافية السياسية، لا الجغرافية فحسب.
أولاً: اتضح أنه بقراءة خريطة توزيع وانتشار فيروس الكورونا على مستوى القارات ما يلي:
1- أنّ قارة أوروبا بدءاً من إيطاليا ومروراً بكلّ الدول الكبرى في أوروبا، قد سجلت أعلى الإصابات في العالم بنسبة 46% بما يعادل (1.040) مليون، بينما عدد الوفيات (97.000) ألف، ونسبة الشفاء نحو 50% بما يعادل (294.000) ألف حالة.
2- أن قارة أميركا الشمالية، بلغ عدد الإصابات (761.000) مواطناً (أيّ ثلاثة أرباع مليون)، بنسبة 34% من مصابي العالم، بينما عدد الوفيات نحو (40) ألفاً، بنسبة 26%، من ضحايا الفيروس في العالم، بينما لم تتخط نسبة الشفاء 13% بما يعادل (77.32) ألفاً.
3- بجمع عدد المصابين في أوروبا وأميركا الشمالية، يتضح أنّ عدد المصابين يقترب من (1.8) مليون شخص بنسبة (80%) من المصابين في العالم، بينما عدد الوفيات نحو (140) ألفاً، وبنسبة 88%ٌ من إجمالي عدد ضحايا الفيروس في العالم.
4- أنّ قارة آسيا، بلغ عدد المصابين فيها، بما فيها الصين التي بدأ انتشار الفيروس فيها أولاً، (363.000) ألفاً، بنسبة 16%، بينما عدد الضحايا حوالي (5000)، وبنسبة 9% من إجمالي الضحايا، بينما بلغ عدد الاستشفاء (173000) بنسبة (30%).
5- أنّ قارة أفريقيا، فقد بلغ عدد المصابين نحو (21) ألفاً، بنسبة 1%، وعدد الضحايا نحو (1029) شخصاً فقط، بينما نسبة الشفاء 1%، وعددهم (1698) شخصاً.
6- أن قارة أميركا الجنوبية، بلغ عدد المصابين فيها نحو (73.000) ألفاً، بنسبة 3%، بينما بلغ عدد الضحايا (3.354) شخصاً، ونسبة الاستشفاء 5%، بإجمالي عدد (27.000) شخص.
7- بضمّ أعداد المصابين في القارات الثلاث آسيا، وأفريقيا وأميركا اللاتينية، فقد بلغت نسبتهم نحو (20%)، وأعدادهم لا تتجاوز (456) ألفاً، بينما الضحايا فقد بلغ عددهم نحو (19.4) ألفاً، بنسبة 12%، ونسبة الشفاء في حدود 36%. أي أنّ نسبة القارات الثلاث لا تتجاوز خمس العالم في الإصابات، 12% نسبة الضحايا، وذلك على عكس القارتين (أوروبا وأميركا الشمالية)، فقد بلغت نسبة المصابين 80%، بينما بلغت نسبة الضحايا 88% من الإجمالي على مستوى العالم. وبالتالي نسبة الضحايا في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية محدودة، حيث لا يتجاوز 12%.
ثانياً: أنّ دولاً كبرى تواجه أزمة متفاقمة في التعامل مع فيروس الكورونا، سواء في عدد المصابين أو عدد الوفيات، أو حتى نسب الشفاء! حيث اتضح ما يلي:
1- أنّ الولايات المتحدة هي الدولة الأكبر والأولى في عدد الإصابات وتقترب من (800) ألف مصاب، بينما عدد الوفيات نحو (40) ألفاً وقد تتجاوزه، إلا أنّ نسبة الشفاء لا تتجاوز 8% من نسبة الإصابات!
2- أنّ إيطاليا الدولة الأوروبية هي الدولة الثانية في عدد الوفيات، حيث اقتربت من (25) ألف شخص، واقتربت الإصابات من (200) ألف مصاب، ونسبة الاستشفاء حوالي 20%!!
3- أنّ أسبانيا هي الدولة الثالثة، في عدد الوفيات، حيث تجاوزت الـ (20) ألف شخص، واقتربت الإصابات أو تجاوزت الـ (200) ألف مصاب، ونسبة الشفاء حوالي 35%!!
وهكذا فرنسا ثم بريطانيا، ثم ألمانيا، ثم بلجيكا، ثم هولندا، والسويد إلخ…
والملاحظ أنّ دولاً كبرى مثل الصين، توقفت إصاباتها عند العدد (83) ألفاً، والوفيات نحو (4632) فقط، بينما نسبة الشفاء تقترب من 80%، وهي الدولة التي بدأ انتشار المرض فيها. أما روسيا كدولة عظمى أيضاً، فقد بلغت الإصابات نحو (40) ألفاً، ولكن عدد الوفيات لم يتجاوز الـ (300) شخص إلا قليلاً، ونسب الشفاء عالية!
ثالثاً: أنّ دولاً هامة للغاية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، جميعها، فإنّ عدد إصاباتها وعدد الوفيات محدودة، باستثناء «إيران» الدولة الأكبر إقليمياً، حيث تجاوزت الوفيات لديها الـ (5) آلاف، بينما عدد الإصابات يقترب من (85) ألفاً، ونسب الاستشفاء مثل الصين مرتفعة للغاية بنسبة (70%) وأكثر. فأكبر الإصابات بالدول ذات الوزن إقليمياً، وعدد الوفيات، لدول هي: الجزائر، ثم مصر، ثم المغرب، ثم العراق، وهي دول أربع هامة للغاية.
إذن ما هو تفسير ذلك الانتشار الجغرافي الملحوظ والذي أشرت إليه؟ الإجابة عندي أنّ الدول الأقل إصابة ووفيات، هي الدول المدارية حول خط الاستواء إلى خط السرطان شمالاً، وإلى خط الجدي جنوباً، وخارج هذا النطاق المداري، كلما اتجهنا شمالاً نجد أوروبا وأميركا، وهي الدول الأكثر برودة، والأكثر إصابة (80%)، من إجمالي إصابات العالم، والأكثر وفيات (88%)، والباقي موزع على العالم كله.
وهذا يفسّر محدودية الإصابات والوفيات والانتشار في المنطقة المدارية في أفريقيا والشرق الأوسط وأسيا وأميركا الجنوبية.
على الرغم من أنّ هذه الدول الأوروبية والأميركية، لديها نظم علاج قوية ومتقدّمة وشاملة جميع المواطنين!
إذن، يمكن أن نرتكن إلى مرجعية التحليل الجيوسياسي في تفسير ذلك الانتشار الجغرافي لفيروس الكورونا، ومن ثم فإنّ الرهان على ازدياد درجات الحرارة، لانحسار الفيروس تدريجياً، مع الدخول إلى فصل الصيف، دون تباطؤ في إجراءات الوقاية والعلاج وزيادة نسب الاستشفاء للمصابين. وأيضاً دون إهمال أو تجاهل الدور التآمري لدول كبرى في تصنيع ونشر هذا الفيروس الذي أضحى يهدد العالم كله.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.