موسكو وطهران ودمشق وبغداد: استعادة حماس وحسم مع «داعش» بلا واشنطن حزب الله لا يرى حلولاً… وتفاوض صعب مع ملفات المحكمة ولوائح الإرهاب
كتب المحرر السياسي:
تهيئة المنصات السياسية التفاوضية يستمرّ باندفاعات متتالية، في كلّ الملفات والساحات المفتوحة، من حوار حزب الله وتيار المستقبل في لبنان، الذي لا يبدو أنه أكثر من منصة وهوائيات جاهزة لتلقي إشارات يبدو أنها لا تزال بعيدة، مثله مثل الحوار الأوكراني – الأوكراني الموضوع على نار باردة حيناً ونار حامية أحياناً، مثله مثل الحوار الذي تستعدّ موسكو لاستضافته بعد شهر بين كلّ من الحكومة السورية ووفد معارض، يتموضع تحت سقف البحث عن مصالحة وطنية مع الدولة، بعنوان أولوية الحرب على الإرهاب، بعدما تولت مصر وراثة دور أنقرة والدوحة والرياض في فك وتركيب المعارضة، لترتيب البيت المعارض بما يتناسب مع العناوين الجديدة، من دون أن يكون بعد ثمة خريطة طريق واضحة لبلوغ التسوية التي يُفترض أن تحمل تزامناً بين إقفال حدود دول الجوار لسورية أمام تسريب السلاح والمسلحين من جهة، وظهور حكومة وحدة وطنية سورية تضمّ بعض رموز المعارضة الجديدة، من جهة ثانية، وتشهد فكفكة المناخات الدولية والإقليمية المعادية لسورية ديبلوماسياً واقتصادياً من جهة ثالثة.
بالتزامن مع تحضير المنصات وتجهيز الهوائيات، يبدو الارتباك الأميركي عائقاً أمام إقلاع التسويات المرتقبة على رغم نضوج معطياتها، وسبب الارتباك خشية أميركية على مكانة متداعية مع تصاعد الدور الروسي، فتتحوّل إجراءات وسياسات الحصار لروسيا مصدر تفخيخ وتخريب للتسويات، كما ينتج الارتباك من كلفة التسويات في زمن التنافس الداخلي الانتخابي ومعه شروط التسويات المتصلة بالعقوبات والقوانين الصادرة عن الكونغرس، ومن جهة مقابلة يرتب الوضع الحرج لحلفاء واشنطن بنتيجة أي تسوية سبباً للتردّد والارتباك، بينما الحرب على «داعش» لا تنتظر نضج من في البيت الأبيض ليخطو الخطوة الحاسمة نحو حلف يتناسب مع المهمة، بعد فشل الحلف الذي تشكل من حواضر البيت تلافياً للنتائج المترتبة على الحلف الجدي الفعال ودور الشركاء الجدد، خصوم الأمس حلفاء الغد.
في مواجهة هذا الارتباك الأميركي وتداعياته من ازدواج المواجهة والتفاوض، وإعداد منصات التسويات، تبلورت إرادة روسية إيرانية عراقية سورية بالتعاون مع قدرة المقاومة الاستراتيجية، خوض الحرب على «داعش» من دون الالتفات إلى ما تفكر به واشنطن وما تحضره في هذا السياق، وتمّ البدء بمرحلة جديدة تشهد سورية والعراق نتائجها، في الغارات التي كثفها الجيش السوري في الرقة ودير الزور، والهجمات البرية الفعالة التي بدأها الجيش العراقي وبدأت إنجازاتها بالظهور في محافظة صلاح الدين بعد استرجاع مدينة بلد والدخول إلى الضلوعية.
الاستعداد للتفاوض الصعب عبّر عنه رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني في كلامه من بيروت بنفي أيّ تفاهمات مع أميركا، وأيّ تحالف حول الحرب على الإرهاب، وتأكيده أنّ ما يجري على الجبهة السورية في الأمن والسياسة والاقتصاد هو تفاهم روسي إيراني سوري، وأنّ ترميم ما تصدع في حلف المقاومة من علاقة بحركة حماس يبدو على سكة الحلحلة، لأن مشوار فلسطين هو الأساس، والمشوار طويل، والتفاوض شائك ومعقد ويستدعي الحفاظ على كل أوراق القوة، وفي هذا السياق يبدو أن تتويج هذا الترميم والحشد سيتمثل بزيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قريباً إلى طهران، بناء على وساطة من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي رعى زيارة الوفد القيادي لحماس برئاسة محمد نصر إلى إيران، والإفراج عن موازنات مجمدة لحركة حماس من الدعم الإيراني منذ الخلاف على تموضع حماس في الأزمة السورية.
في لبنان، يبدو حزب الله الشريك اللبناني في الحلف الدولي الإقليمي، الذي يواجه الهجمة والارتباك الأميركيين، مستمراً بمدّ الجسور وإعداد المنصات لكن بلا أوهام حول سرعة النتائج، مع جرعة تحذير من التفاؤل المفرط بالحلول، فما يدور على مجمل الساحات يوحي بالمواجهة المستمرة ولو لتحسين الأوضاع التفاوضية، وتبدو المؤشرات المحيطة بوضع الحزب في هذه المعادلات مدعاة للحذر سواء ما يتصل بملف المحكمة الدولية، أو ملف تصنيفه أو تصنيف ما سُمّي بجناحه العسكري على لوائح الإرهاب، أو المواجهة مع «داعش» و«النصرة» في عرسال وجرود السلسلة الشرقية.
عرسال والجيش والمسلحون
في الأثناء، وبينما الجيش شدد من إجراءاته الأمنية لتضييق الخناق على المسلحين في جرود عرسال، فارضاً الاستحصال على تصريح للتنقل بين البلدة والجرد الأمر الذي دفع برئيس بلدية عرسال علي الحجيري الملقب بـ«أبو عجينة» والشيخ مصطفى الحجيري أبو طاقية إلى تحريض أهالي عرسال ضد هذا الإجراء.
وقطع الأهالي طريق عين الشعب بالإطارات المشتعلة وتجمع أكثر من 200 شخص احتجاجاً على التدابير الأمنية التي اتخذها الجيش اللبناني لتضييق الخناق على المسلحين، كما تجمهر عدد من الأهالي وأصحاب الكسارات بالقرب من حاجز الجيش في وادي حميد، إلا أن الجيش عمد إلى تفريق المتجمهرين.
وفيما أكدت المؤسسة العسكرية، أن إجراءات الجيش المستحدثة على الطرق المؤدية إلى الجرد، تهدف إلى حماية أهل عرسال من تنقل الإرهابيين، اعتبرت مصادر عسكرية لـ«البناء» أن «هذه الإجراءات تأتي في سياق ما يجب أن يقوم به الجيش ميدانياً لعزل عرسال عن جرودها وتعطيل وظيفة هذه البلدة كقاعدة لوجستية للإرهابيين، إذ من غير المقبول أن يستمر الجيش بالسماح بتمرير ما يحتاجه الإرهابيون من أجل الاستمرار في خطف العسكريين».
وفي السياق، اعتبرت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن رد فعل «أبو طاقية» و«أبو عجينة» يأتي خارج الإطار القانوني وخدمة للإرهابيين». وسألت المصادر لماذا السكوت من جانب الدولة عن هذين الرجلين اللذين يجاهران علناً بدعمهما للجماعات الإرهابية».
وفي إطار أمني آخر ضمن الحملة الاستباقية التي تشنها الأجهزة الأمنية ضد الإرهابيين، وبعد توافر معلومات حول نشاط مشبوه لمجموعة في الشمال، أوقفت شعبة المعلومات في الأمن العام في جبل البداوي المدعو «و.» الذي وصف بأنه «رئيس أخطر شبكة إرهابية تتواصل مع تنظيم داعش». وقد بوشر التحقيق مع الموقوف حول مجموعته والمهام الأمنية والعسكرية المكلف بها.
حزب الله: لا حلول قريباً في لبنان والمنطقة
سياسياً، لفتت مواقف لحزب الله استبعد فيها حل الملفات العالقة في المدى المنظور، رابطاً هذا الأمر بالتطورات المعقدة في المنطقة.
وأكد نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم «أن المنطقة اليوم في حالة مراوحة، فلا حلول ولا غلبة ولا إنجازات، وبمعنى آخر لا حل قريباً في سورية ولا في مواجهة «داعش» ولا في العلاقات السعودية الإيرانية ولا في مجموعة من المشاكل الموجودة في منطقتنا، ومن ضمنها لا حل قريباً في لبنان لكثير من القضايا العالقة لارتباطها بالمشروع الموجود في المنطقة».
وأكد قاسم خلال رعايته لقاءً خاصاً مع رؤساء وأعضاء الاتحادات والمجالس البلدية والهيئات الاختيارية في صور، أن «حوار حزب الله وتيار المستقبل الذي انطلق مفيد للبنان، لأنه يقرّب وجهات النظر في معالجة بعض القضايا. وفيما أشار إلى أن «اللقاء الأول كان إيجابياً»، اعتبر أن «مسار الحوار هو المسار الصحيح في هذا البلد».
و أكد رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة «أن توجهنا إلى الحوار مع حزب الله هو من أجل إفساح المجال لإعادة إحياء فكرة التمسك بلبنان الوطن وبحريته وسيادته واستقلاله، وبدولته القادرة والعادلة ومن أجل إعادة تفعيل وتعزيز وحماية مؤسساته الدستورية».
وشدد خلال إحياء تيار المستقبل والمجلس البلدي لبلدية بيروت الذكرى الأولى لاغتيال الوزير السابق محمد شطح في شارع عدنان الحكيم في محلة ميناء الحصن في بيروت على «أن الحوار هو أيضاً من أجل وقف التدهور المستمر أمنياً واقتصادياً ومعيشياً والذي يطاول كل لبنان وليس منطقة بعينها وكل اللبنانيين وليس فريقاً منهم. والحوار يأتي من أجل الإسهام في تخفيف الاحتقان والتشنج والتطلع إلى الأمام بحثاً عن توافق من أجل تجاوز مأزق الشغور الرئاسي الذي يجب العمل بجدية وبمثابرة للخلاص منه، لأن استمراره يفتح الباب على تفاقم السلبيات وتعاظم الأخطار والشرور».
وكان رئيس الحكومة تمام سلام أكد «الحرص على تدعيم أجواء الحوار بما يؤمِّن الحدّ الأدنى المطلوب من الاستقرار والهدوء»، داعياً إلى الاستفادة من أجواء الحوار والتهدئة.
وقال سلام بعد لقائه أول من أمس رئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة: «اطلعت على الجهود التي يبذلها الرئيس بري في هذا المجال، وهي والحمد لله واعدة، ونأمل أن يكون هناك مطلع العام المقبل مزيد من هذا الحوار وأن يؤدي إلى نتائج طيبة».
متهمون جدد في اغتيال الحريري؟
وفي السياق، شددت مصادر مطلعة في «8 آذار» لـ«البناء» على «أن الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله سيحدث انفراجات شعبية ويعالج الاحتقان السني الشيعي، لكن لا يتوقع منه أن يسجل خروقاً، أو حلولاً للملف الرئاسي وقانون الانتخابات». لكن أوساطاً أخرى ذهبت أكثر من ذلك، معتبرة «أن غاية الحوار الرئيسة هي خفض مستوى التشنج للحؤول دون أي انفجار داخلي يخطط له من قبل الأجهزة الأجنبية، لا سيما أن هذا الانفجار من شأنه أن يضر بمصلحة لبنان ككل ومصلحة الطرفين على حد سواء».
وفي هذا الإطار، لفتت الأوساط إلى «أن هناك معلومات نقلتها أوساط دبلوماسية غربية وأحد النواب، بأن هناك عملية اتهام مباشر لقيادة حزب الله من قبل المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري قد تتوج باستدعاء بعض عناصره من الصف الأول خلال الشهرين المقبلين»، مشيرة إلى «أن الكل يعلم خطورة هذا الأمر».
وأكدت المصادر «أن هذا النائب نقل هذا الجو إلى أحد رؤساء الكتل الوسطية الذي يستعد بدوره للمثول أمام الشهادة، والذي أبدى خشيته الكبيرة من هذا التصرف وخطره على الوضع في لبنان».
الراعي يعزي بشهداء الجيش بقاعاً
إلى ذلك، زار البطريرك الماروني بشارة الراعي منطقة البقاع حيث قدم واجب العزاء لعائلات شهداء الجيش: محمد معروف حمية في سهل طليا، عباس مدلج في الصوانية وعلي البزال في البزالية. وأكد الراعي في تصريحات له «أن دماء كل الشهداء الذين سقطوا هي الضمانة الأساسية لحماية لبنان».
وفيما دعا خاطفي العسكريين لأن يطلقوا سراحهم كي يعودوا إلى عائلاتهم، سأل الله «أن تكون 2015 سنة سلام، وأن يحمي الله الجيش والمقاومة وكل من يبذل من أجل لبنان وشعبه وكيانه».