الويلات في الولايات
د. كميل حبيب*
دأب الدكتور عصام نعمان على إطلاق تسمية الويلات المتحدة الأميركية عند مناقشته لسياسة أميركا الخارجية تجاه القضية الفلسطينية، أو تجاه أية قضية أو أزمة عربية من سورية إلى العراق واليمن… فمنذ تقرير لجنة كينغ كراين نقلت واشنطن سياستها الشرق أوسطيّة من الحياد إلى لعب دور الحليف الملتزم الدفاع عن أمن «إسرائيل» إلى أن أصبحت هذه الأخيرة في الواقع تمثّل الولاية الحادية والخمسين من الاتحاد الفدرالي الأميركي. ولقد ظهر ذلك جلياً في 30 تشرين الثاني عام 1981 عندما وقع الجانبان «ميثاق التعاون الاستراتيجي».
تجدر الإشارة إلى أنّ المسح الشامل للدعم الاقتصاديّ والعسكريّ والسياسيّ الأميركي لـ«إسرائيل» يدفعنا إلى القول بأنه لم يعد من الممكن مقاربة العلاقات الأميركية – الإسرائيلية مع أية علاقات بين أيّ دولتين، إنها علاقات أكثر من مميّزة في تاريخ العلاقات الدولية لدرجة أنها أضحت ذات طبيعة استثنائية لا يمكن مقاربتها مع علاقات أيّ دولتين في العالم.
إنّ المواقف الأميركية العدائية تجاه القضايا العربية قد بانت بوضوح خلال حكم إدارة دونالد ترامب. اعترف ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وعلّق المساعدات الأميركية لمنظمة الأونروا الخاصة باللاجئين، كما اعترف بضمّ هضبة الجولان إلى «إسرائيل» في مراسم احتفالية في البيت الأبيض. وكأنّ ترامب بذلك لا يعير أيّ أهتمام لكلّ ما هو عربي.
وهكذا، مشروع «الشرق الأوسط الكبير» لم يكن نهاية المطاف في مسلسل الصراع مع الصهيونية فنظرة الإدارات الأميركية المتعاقبة لفلسطين كقضية شرق أوسطية هي في جوهرها امتداد للمشروع الصهيونيّ الأساسيّ الهادف إلى إلغاء كلّ ما هو عربي: رابطة، جامعة، سوقاً مشتركة.. وإسرائيل لن تمانع في أن تصبح عضواً في جامعة الدول العربية شرط إلغاء اسمها وميثاقها ومقرّرات مؤتمرات القمم العربية. ولقد جاء اليوم الذي يواجه فيه كلّ قطر عربي قراراً من مجلس الأمن، أو من محكمة دولية، لتسهيل المقايضة بين النظام والأرض، وكلّ ذلك لحماية «إسرائيل». فإسرائيل ومَن وراء «إسرائيل» هم مَن جلبوا كلّ هذا الويل على أمتنا.
للرئيس الأميركي نظرته الخاصة للعلاقات الدولية فهو يرى فيها المنطلق الرئيس لكسب المال أو لجني الأرباح لقد أخطأت كوندليزا رايس في ما مضى عندما ظنّت أنّ العلاقات بين الدول تتمّ من خلال التعاون الاستخباري والأمني. ومخطئ الرئيس ترامب في إدارته للملفات الدولية كرجل أعمال يبتز الأنظمة ويفرض العقوبات الاقتصادية، ويأمر باغتيال القادة العسكريين، متماهياً بقدرته على فعل ذلك غير آبه بقواعد القانون والتعاون الدولي.
إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان، إنه فيروس كورونا المستجدّ الذي يهدّد بالقضاء على الجنس البشري على سطح الأرض. وها هي الدولة العظمى وجدت نفسها أنها لم تعد كذلك. لقد فاق تعداد الوفيات في العالم الغربي كلّ التوقعات. وتبدو واشنطن في أمسّ الحاجة لمساعدة دول العالم لوقف الجائحة القاتلة. نعم، إنّ عالم ما بعد كورونا لن يكون كما قبلها، فقد نلحظ تغيّرات جذرية حتى داخل الدول تعدّل في آليات عملها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهذا ما قد يؤثر بشكل أو بآخر على سياستها الخارجية. ولو لم ينسحب برني ساندرز من السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض لكانت الولايات المتحدة الأميركية أمام فرصة تاريخية لتغيير سياستها الخارجية بعد ترامب.
لا شك في أنّ ويلات كورونا قد أصابت كلّ دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة التي يبدو أنها ستدفع الثمن الأكبر. «ومعاذ الله أن نصوغ هذا الكلام من باب الشماتة» فمن منطلق إنساني وإيماني وأخلاقي نتمنّى للشعب الأميركي كما لكلّ شعوب العالم، الخير والازدهار.
إننا على يقين أن تغيّراً جذرياً سوف يطرأ على سياسة واشنطن الخارجية بعد سقوط ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة. فأميركا، الدولة الصناعية الكبرى، تبدو عاجزة عن مواجهة وباء كورونا، وهي بالتالي لن تتمكّن من الإيفاء بالتزاماتها الدولية، خاصة تجاه الكيان الصهيوني. فالصهاينة منشغلون في وضع السيناريوات لعالم ما بعد كورونا، قد يكون عالماً فوضوياً أو متعاوناً مع أو من دون سياسة خارجية فاعلة للولايات المتحدة. لكنه سوف يكون عالماً خالياً من الجرثومة الصهيونيّة، ومَن يعشْ يرَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية.