إذا أصاب رئيس الحكومة له أجران وإذا لم يصب فله أجر…
} علي بدر الدين
الصدمة التي أحدثتها كلمة رئيس الحكومة حسان دياب من قصر بعبدا بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ما زالت تتفاعل سياسياً وشعبياً محلياً وخارجياً وتتسيّد المشهد السياسي والاقتصادي والمالي والنقدي بتأثيرها الآني والمرحلي وبردود الأفعال الإيجابية والسلبية عليها وخاصة أنها فاجأت الجميع ولم يكن أكثر المتفائلين يتوقع ان يقدم دياب قبل انتهاء المائة اليوم وهي المدة الزمنية التي حدّدتها الحكومة ورئيسها للحكم على أدائها وأفعالها وماذا أنجزت على توجيه الاتهامات وتحميل المسؤوليات لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة عن كلّ ما له علاقة بالمالية العامة والارتفاع الخطير في سعر صرف الدولار، وانعكاس ذلك على الليرة اللبنانية وتفلّت الأسعار بسبب هندساته المالية وتواطئه مع قوى سياسية سلطوية وأصحاب المصارف بعدما أدرك رئيس الحكومة انّ استمرار تأزّم الأوضاع المالية والفلتان غير المسبوق في السوق السوداء والتلاعب بمصير العملة الوطنية ومدّخرات المواطنين والمودعين ومعيشتهم والخشية من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية والمعيشية الذي سينعكس حتماً على الحكومة التي حاول البعض ولا يزال يصوّب عليها واستهدافها لإسقاطها أو أقله لزعزعة ثقة اللبنانيين فيها وتشويه صورتها.
المعطيات التي اصبحت بين يديه استدعت منه المواقف الجريئة التي أطلقها من القصر الجمهوري وبعد جلسة مجلس الوزراء للدلالة على أهميتها والإجماع عليها خاصة إطلاق سهام الاتهام بالمباشر الى حاكم مصرف لبنان وهو الحلقة المالية الأقوى وكبير المهندسين الماليين وحامل الأسرار والملفات، ومن حول أمواله الى الخارج وأين هي مزاريب الهدر ومن أهدرها وكيف، ولأنّ سلامة كان عصياً على اي تناول او اتهام وممنوع الاقتراب منه لقوة سلطته ونفوذه المالي والمصرفي وهو كاتم وشريك والصفقات والسمسرات ويتمتع بحمايات داخلية وخارجية وبسياج من المصالح والتنفيعات والخدمات الخاصة وتمرير الصفقات للطبقة السياسية الحاكمة منذ ثلاثة عقود والذي توّج حاكماً في أول حكومة شكلها الرئيس الراحل رفيق الحريري وقد تمّ التجديد له في كلّ العهود والحكومات من اول رئيس للجمهورية والحكومة بعد اتفاق الطائف.
هذا يعني انه حظي بثقة هذه الطبقة لانها كانت مستفيدة من وجوده او خوفا من تهديد قد يأتي من خارج الحدود. ويبدو انّ رئيس الحكومة أراد من فتح المعركة وتصفية الحسابات مع سلامة والتصويب المباشر عليه لأنه بمثابة حجر الزاوية وانهياره سيؤدّي إلى سقوط الهيكل على رؤوس المتورّطين والفاسدين وأنه سيضرب عصفورين بحجر واحد وسيتشظى منه كلّ شركائه وحماته وعلى قاعدة «بحكيكي يا جارة لتسمعي يا كنة»، وانّ إسقاط هالة الحاكم التي منحتها له الطبقة السياسية ستعني إضعافها او وقوعها في الفخ او الخطأ.
أعتقد انّ دياب تحمّل مسؤولية رجل الدولة وقام بواجبه الوطني على أكمل وجه وقال كلمته في مكانها وزمانها الصحيحين بكلّ جرأة، والكرة التي رماها باتجاه الهدف الذي يعتبره مكمن الهدر والفساد نزلت برداً وسلاماً على اللبنانيين وزوّدهم بجرعة تفاؤلية مطلوبة في ظلّ معاناتهم وخوفهم من فيروس كورونا الى الفقر والمجاعة والكثير من الأزمات والمشكلات الاجتماعية الخطيرة بنتائجها وتداعياتها، وهم اصبحوا كالغريق الذي يتعلق بقشة وقد طووا صفحة معاناتهم الحالية والسابقة وهللوا وصفقوا ورفعوا الرايات والصور والإشادات بأوّل رئيس حكومة تجرأ على فتح معركة واتهام طبقة سياسية مالية بالفساد ونهب المال العام وبتهديدها بالمحاسبة وإعادة ما نهبته من أموال عامة وخاصة، من حق الناس ان تحلم وتتأمّل وتطمح الى زمن أفضل ووطن عادل يحكمه الدستور والقانون والى مؤسسات فاعلة ومنتجة ولكنهم لم يتعلموا من تجارب حكم وتحكم الطبقة السياسية التي تهدم ولا تبني وتأخذ ولا تعطي وتسرق حتى الكحل من العين وهي ليست بوارد رفع الراية والاستسلام بل قادرة على المناورة وسياسة الاحتيال والالتفاف والتهدئة الملغومة، وها هي تداعت بعد كلام رئيس الحكومة لإعادة الإمساك بزمام الأمور والإطاحة بانتفاضة دياب وقراراته والعودة بالأمور الى المربع الأول، وهي تتوهّم بقدرتها على استيعاب ما حصل والفوز بالجولة الأولى وهذا يتوقف على مدى استمرار الحكومة ورئيسها وفي ترجمة ما تقرّر والسير به الى النهاية رغم صعوبة المواجهة وشراستها مع قوة النفوذ والسلطة والمال وامتلاكها أسلحة طائفية أو مذهبية تلجأ لها في الوقت المناسب لخدمة سلطتها ومصالحها وهي تراهن دائماً على العقلية التسووية اللبنانية للخروج من مأزقها وعلى الاتفاقات برعايات خارجية مع انها معطلة في زمن كورونا وحسابات سياسية أخرى، ومن الأمثلة اتفاقا الطائف والدوحة والتسوية الرئاسية الحكومية التي صمدت ثلاث سنوات وأطاحت بها انتفاضة ١٧ تشرين الاول من العام الماضي.
لا نريد صدمة جديدة للبنانيين المقهورين والمعذبين والمظلومين من طبقة سياسية لا تعرف الرحمة ولا تملك الضمير ولا تتحمّل أيّ مسؤولية تجاه الوطن والشعب والدولة والمؤسسات، وان لا يبالغ كثيراً في توقعاته وأحلامه وألا يكبر حجر لا قدرة له على حمله، الواقعية هي المطلوبة لانّ المعركة ضد الفساد والفاسدين وناهبي المال العام والخاص لم تنطلق فعلياً بعد وانْ بدت مؤشراتها في مواقف الرئيس حسان دياب الصادق في وعده للبنانيين، والذي أثبت انه رجل دولة ومؤسسات ويجب عدم الضغط عليه لأنه لا يحمل عصا سحرية، وهو حكماً لن يألو جهداً او تضحية إلا سيبذلها لتحقيق أحلام شعبه بالوطن الذي يرغبون به.
انّ يداً واحدة لا تصفق، وان رئيس الحكومة أو أيّ مسؤول آخر لا يقدر وحده على مواجهة ٣٠ سنة عجاف والمطلوب تماسك الجميع لإسقاط المنظومة السياسية المتماسكة لإفشال أيّ إصلاح أو تغيير وانّ الحلّ لا يكون بين ليلة وضحاها… ورئيس الحكومة الذي قرّر هذه المواجهة قد يكون من الصعب عليه التراجع والانكفاء، وينطبق عليه القول إذا أصاب له أجران وإذا لم يصب له أجر واحد…