اجتماعان في بعبدا لبحث سبل مكافحة الفساد عون: الإصلاح خيارنا الاستراتيجي ولن نحيد عنه دياب: الرهان على مؤسسات الرقابة تحت مظلة حماية الحكومة
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أن «أي تصد لآفة الفساد لا يمكن أن يكون ظرفياً أو جزئياً أو انتقائياً أو استنسابياً»، معتبراً انه «لا بدّ أن تتوافر مجموعة من العناصر كي تؤدّي عملية مكافحة الفساد المستدامة أهدافها وأغراضها، ومنها توسيع دائرة اختصاص هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان للقيام التلقائي بالاستقصاءات اللازمة لكشف مكامن الفساد، وإنشاء محكمة خاصة لمكافحة الفساد، على ألا يعفى أحد من المثول لديها عندما يتعلق الأمر بالمال العام». وشدّد الرئيس عون على «ضرورة استهداف الفساد السياسي بصورة خاصة وعدم التركيز فقط على الفساد الإداري على خطورته».
من جهته، أكد رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب أن «هذه الحكومة، أخذت على عاتقها مكافحة الفساد، والعمل على ترشيق الإدارة»، معتبراً أنّ «الرهان هو على مؤسسات الرقابة التي يجب أن تقوم بواجباتها، وأن تبذل جهوداً مضاعفة، كي تستطيع ضرب الفساد والفاسدين، وأن تستفيد من مظلة الحماية التي تؤمنها هذه الحكومة».
موقفا عون ودياب، جاءا خلال ترؤس الأول اجتماعاً للجنة الوزارية لمكافحة الفساد التي تضمّ نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر، وزراء: البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار، الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي، الصحة الدكتور حمد حسن، والعدل ماري كلود نجم. كما حضر الاجتماع وزراء الصناعة عماد حب الله، المال عماد وزني، الزراعة والثقافة عباس مرتضى، والإعلام منال عبد الصمد.
وانضم إلى الاجتماع رؤساء الهيئات الرقابية: رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران، رئيسة مجلس الخدمة المدنية القاضية فاطمة الصايغ، رئيس إدارة التفتيش المركزي القاضي جورج عطية، رئيسة الهيئة العليا للتأديب القاضية ريتا غنطوس.
وحضر الاجتماع أيضاً: الوزير السابق سليم جريصاتي، والمدير لعام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير، والقاضي يحيى الكركتلي.
استهل رئيس الجمهورية الاجتماع بكلمة أشار فيها إلى «أن من عناوين هذا العهد الأساسية، على ما ورد في خطاب القسم، هو الإصلاح الذي هو المدخل الأساس لإرساء دولة القانون والمؤسسات على جميع الصعد والمستويات. إلاّ أن الإصلاح يبدأ بمعالجة الآفات التي يعاني منها النظام اللبناني وترتد سلباً على مشروع قيام الدولة بمقوماتها السيادية كافة لا سيما بوجود أزمة اقتصادية ونقدية واجتماعية ومعيشية موروثة ومعقدة، تفاقمت مع جائحة كورونا».
أضاف «الآفة الأخطر هي الفساد، وهي آفة مجتمعية دولية، عابرة للحدود والقارات، ولا تقتصر على دول من دون سواها، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بانهيار كامل أو جزئي لسلم القيم في المجتمعات التي تعاني منها. إلاّ أنّ التصدي لآفة الفساد ومكافحتها أمران حتميان في الدول التي يسود فيها القانون ومنطق المحاسبة والمساءلة على أنواعهما، مع التأكيد أنّ أيّ تصدّ لهذه الآفة لا يمكن أن يكون ظرفياً أو جزئياً أو انتقائياً أو استنسابياً، فنقع في المحظور الأخطر المتمثل بعدم المساواة في المساءلة بين المفسدين والفاسدين من جهة، وتسلّح هؤلاء بالمرجعية الروحية أو السياسية للتفلت من تلك المساءلة، من جهة ثانية، في بلد كلبنان لا يزال المعيار الطائفي فيه معمولاً به عند نشوء السلطات وإيلاء المواقع والمناصب لمتولي الخدمة العامة».
وتابع «لذلك، لا بدّ أن تتوافر العناصر التالية مجتمعة كي تؤدي عملية مكافحة الفساد المستدامة أهدافها وأغراضها، التي تصب في النهايات السعيدة بإرساء مداميك الدولة القوية باستقرارها وتطورها وازدهارها:
ـ توافر منظومة قانونية متكاملة وفاعلة وسارية المفعول في انتظامنا القانوني ومؤلفة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها لبنان أو القوانين الداخلية المعمول بها أو التي ننشد في سبيل استكمال هذه المنظومة على أفضل وجه. في هذا السياق، إن حجر الزاوية لهذه المنظومة يتكون من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (…) ويتحقق ذلك بتوسيع دائرة اختصاص هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان للقيام التلقائي بالاستقصاءات اللازمة لدى أصحاب النفوذ والقائمين بخدمة عامة من دون تمييز لكشف مكامن الفساد إن وجدت في ذممهم المالية بعناصرها كافة».
ـ وجود سلطة رقابية مقتدرة ومحترفة وعادلة ومستقلة وشفافة وعصية على الاستتباع السياسي أو الطائفي أو المذهبي أو المناطقي، تقيم العدالة وتنطق بالحق وتقتص من المفسد والفاسد معاً. من هنا ضرورة إنشاء محكمة خاصة لمكافحة الفساد، حيث كنا قد تقدمنا باقتراح قانون لإنشاء محكمة خاصة للنظر في الجرائم المالية (…) وبانتظار إنشاء هذه المحكمة، المطلوب تفعيل النيابات العامة وقضاء التحقيق وقضاء الحكم في إطار مكافحة الفساد، مع توسيع دائرة الجهات القضائية المعنية بهذه المكافحة وعدم حصرها بمرجعية مركزية واحدة عندما تتيح النصوص القانونية ذلك.
ـ استهداف الفساد السياسي خصوصاً وعدم التركيز فقط على الفساد الإداري على خطورته، ذلك أن ملاحقة كبار المسؤولين السياسيين يعطي المثال الصالح بأن الملاحقة لا تقتصر على من هم أدنى مرتبة في مراتب المسؤوليات الوطنية العامة
4- إن الفساد في القطاع العام والفساد في القطاع الخاص وجهان لعملة فاسدة واحدة. من هنا ضرورة انضمام لبنان إلى المعاهدات التي تضعها في هذا الشأن «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE»، لا سيما «اتفاقية مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية (…) هذا فضلاً عن إقرار قانون مكافحة الفساد في القطاع الخاص.
وأشاد في هذا الإطار «بتصديق مجلس النواب في 21 الجاري على مشروع «قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، بعد الأخذ بالملاحظات التي أبدينا بمعرض ردّنا للقانون المصدق بصيغته السابقة».
5 ـ إقرار لبنان مشروع القانون العربي الاسترشادي لمكافحة الفساد بعد وضع الملاحظات عليه.
6- توحيد المقاربات القانونية وتنقية النصوص المرعية والمعنية بمكافحة الفساد من أوجه التضارب والتناقض في ما بينها، فيأتي التطبيق منسجماً وفاعلاً وغير استنسابي، مع الإشارة إلى أنه يمكن تفعيل هذه النصوص بحالتها الراهنة، سواء تلك الواردة في قانون العقوبات وقانون مكافحة تبييض الأموال وقانون الإثراء غير المشروع وقانون حماية كاشفي الفساد وأخيراً قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
7- إقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والعمل على تطبيقها بسنّ ما يلزم من نصوص واتخاذ التدابير العملانية الناجعة وفقاً لنصها وروحها.
وختم مؤكداً أنّ «الإصلاح خيارنا الاستراتيجي ولن نحيد عنه ما بقينا».
بدوره قال دياب «على مدى عقود، بقيت عملية الإصلاح تدور في حلقة مفرغة، كنتيجة طبيعية لـ»تسييس» التوظيف في الإدارة العامة، خدمة لمصالح حزبية وفئوية ومصالح انتخابية. للأسف، تحول الإصلاح، مع الوقت، إلى مجرد شعار جميل يطرح للإستهلاك، من دون أن تأخذ ورشة الإصلاح طريقها إلى التنفيذ، وهذا ما ساهم في ترهل الإدارة اللبنانية، بل وأفسد قسماً كبيراً منها، وعطّل دورها، بعد أن طيّفها، ومذهبها، وأفقدها وظيفتها».
وأكد أنّ «الفساد متضخم في لبنان، ويتمتع بحماية السياسة والسياسيين، والطوائف ومرجعياتها. لكن، وعلى الرغم من الفساد الذي تسلل إلى كلّ شريان في الدولة، ليس هناك فاسد تمّت محاسبته، إلاّ من كان مرفوعاً عنه الغطاء، أو تمرّد وفتح على حسابه، فتتم محاسبته من باب التأديب على خيانته وخروجه من تحت مظلة الحماية». وقال «اليوم لم يعد ممكناً إدارة الظهر لهذا الفساد المتجذّر، ولذلك بات ضرورياً معالجة هذه الآفة، ومعاقبة الفاسدين، لأنّ الدولة أصبحت الحلقة الأضعف، ولأنّ الفساد صار سمة الإدارة اللبنانية، بمختلف قطاعاتها».
وأعلن أنّ «هذه الحكومة، أخذت على عاتقها مكافحة الفساد، والعمل على ترشيق الإدارة، لأنّ الإصلاح الحقيقي لا يستقيم من دون محاسبة وإدارة فاعلة ورشيقة»، مشدّداً على أنّ «الرهان هو على مؤسسات الرقابة التي يجب أن تقوم بواجباتها، وأن تبذل جهوداً مضاعفة، كي تستطيع ضرب الفساد والفاسدين، وأن تستفيد من مظلة الحماية التي تؤمنها هذه الحكومة، كي نتمكن من عصرنة الإدارة، وجعلها في خدمة اللبنانيين، وليس في خدمة السياسة والسياسيين».
ودعا إلى «ورشة جدية، للمساهمة في إنقاذ الإدارة اللبنانية، عبر تكثيف الجهود في الرقابة والمحاسبة، من دون مظلة على أحد، ومن دون تدخل السلطة السياسية»، معتبراً أنه «لم يعد ممكناً الاستمرار في نهج التراخي، فنحن أمام تحديات كبيرة، ولا بد لقطار الإصلاح أن ينطلق».
وعلى الأثر، عرضت وزيرة العدل الخطوط العريضة للإجراءات التنفيذية الواجب اتخاذها في الإدارات والمؤسسات العامة لمكافحة الفساد، والتدابير المقترحة على هذا الصعيد.
وناقش الحاضرون الأفكار والاقتراحات التي ستُدرس خلال جلسة مجلس الوزراء اليوم في السرايا الكبير.
هيئات الرقابة
وكان الرئيس عون رأس قبل الاجتماع الموسع، وفي حضور الرئيس دياب، اجتماعاً لرؤساء الهيئات الرقابية القضاة محمد بدران، وفاطمة الصايغ، وجورج عطية، وريتا غنطوس، حضره جريصاتي، تم خلاله التداول في الأوضاع الإدارية والوظيفية في الإدارات والمؤسسات العامة، وسبل مكافحة الفساد. وعرض رؤساء ديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية وإدارة التفتيش المركزي والهيئة العليا للتأديب، أوضاع إداراتهم والصعوبات التي تواجهها خلال قيامها بعملها الرقابي. وقدم رؤساء الهيئات الرقابية مقترحات لتطوير عمل إداراتهم وتفعيلها.