كيف أثبتت المرأة الأديبة نفسها في ظلّ الممنوع والمسموح… وهل أنصفها الأدب أم ضمّ صوته للمجالات الأخرى؟
} رانيا مشوِّح
هي حواء، حواء المُساندة، ضلع القلب والنصف الثاني، أنوثتها سلبتها حقوقها، فلم تكن النصف الأول ولم تحظَ على مكانة القلب وشغفه، كانت المساندة، لكنها لم تكن البادئة، في المجتمع الشرقي تختلف تصنيفاتها من دور مهم وصولاً إلى اللادور في بعض البيئات المتغلغلة بيننا، أثبتت قدرتها وقيادتها واتقادها في كلّ المجالات لكن أنوثتها ظلّت تحاصرها فلا تتمكّن من تجاوز أسوار المحرّمات وعلّ هذه المحرّمات تقيّدها هي فقط على عكس آدم المتجول في غياهب الممنوعات والخطوط الحمراء التي فرضت على حواء. ومن المجالات الأساسية التي وضعت حواء بصمات مؤثرة فيها كان الأدب. فهل أتاح لها الغوص في أغوار ما لم تستطعه في مجالات أخرى وأتاح لها التغريد خارج السرب الأنثوي وأعطى لمخيّلتها الخيال والمساحة لترسم كلماتٍ مجازفة وتسبح عكس التيار السائد!
قائمة المحظورات المفروضة على الأدباء و الشعراء بشكل عام «المسموح والممنوع».
وعن هذه القائمة التي تطول حدثتنا الروائية والشاعرة ليزا خضر وقالت: لا أعتقد أنه ثمة حالياً محظورات على الأديب في عصر الميديا والوصول السريع للمنتج الأدبي وتعدد وسائطه، خصوصاً أن الأديب لطالما كان مناوراً ممتازاً في إظهار الفكرة التي يريد طرحها حتى لو كانت تلك الفكرة من ضمن المحرّمات في مجتمعنا، وأقصد بالمحرّمات: الدين والجنس والسياسة، لتقع المرأة الأديبة أكثر من غيرها في مطبّات ضرورة الإماهة لكونها الأكثر عرضة لمجاهر الشرقيين وحتى الشرقيات المناهضات للمرأة، لكن عموماً وبقليلٍ من الحنكة والإبداع في اللغة تصل الفكرة، كما أن مساحة اللعب الأدبي تزداد رحابة يوماً بعد يوم مع تحرّر المبدعة داخلياً من مأزق التعاطي مع العقد الاجتماعيّة.
في حين رأت الكاتبة والروائية الدكتورة أماني محمد ناصر أن لا شيء يقف في وجه الأدب والأديب المستسلم لخيالاته وقلمه الإبداعي وقالت: لا توجد محظورات مفروضة على الكاتب. فالكاتب لا يستطيع أن يبدع إذا شعر أن هناك شيئاً مفروضاً عليه اتباعه أو عدم اتباعه في الكتابة، كمثال رواية «وليمة لأعشاب البحر» للكاتب حيدر حيدر بقيت لسنوات عديدة لم يتنبه لها أحد في العالم العربي عندما كتبت في الجزائر في بداية السبعينيات من القرن الفائت وعندما أراد طباعتها ثانية في دولة أخرى في ثمانينيات القرن الفائت تنبّه أحدهم للمحظورات الموجودة فيها فحاكموه بمسطرة دينية وليست أدبية، وبالرغم من ذلك زاد الطلب على الرواية فلا توجد محظورات ومعوّقات تقف في وجه الكاتب، لذا يجب أن نكسر حاجز المحظورات والممنوعات في الأدب .
وعن رأي الكاتبة أريج سعود حول ذلك فتقول: وجود المحظور في الأدب هو المحظور عينه، فالأدب هو المساحة الوحيدة من الحرية الّتي لا يمكن إخفاؤها، أمّا في مجتمعاتنا العربيّة يظهر للكاتب ممانعات وحواجز تتمثّل بصورة رئيسة بثالوث «الجنس والدين والسّياسة»، وقد تزداد في بعض الأحيان لتصل للعادات والأعراف والأسرة، وبحكم الالتصاق بين الكاتب ومجتمعه، الإبداع يكمن في الخروج من هذه القوقعة وتوظيف المفردة بشكلها الآمن، بحيث تخرج إلى النّور حرّةً غير خادشة وتحرّره من الممنوع بحدّ ذاته.
أما عن المقيّدات التي تعيق تقدمّ المرأة الأديبة في مجتمعنا فقالت ناصر: برأيي لا يوجد أدب نسائيّ وأدب خاص بالرجل. فالرجل غالباً يكتب عن الأنثى بطريقة أجمل من كتابتها عن نفسها، خير مثال عن ذلك الشاعر نزار قباني الذي أبدع في الكتابة عن المرأة ومكنوناتها، والكاتبة أحلام مستغانمي التي غاصت في الكتابة عن الرجل ومكنوناته ومن ناحيتي لا أحبذ التفكير بالمقيدات لأنها تعوقني شخصياً.
وأضافت: غيرت في بعض المرات في كتاباتي لا خوفاً من التعليقات القاسية إنما احتراماً للقارئ الذي أصبح مالك الرواية بعدما خرجت من جعبتي إليه .
أما سعود فعبّرت عن المقيّدات الموروثة جيلاً بعد جيل والتي طالت يدها مجال الأدب واعتبرت أن الإبداع هو روح متمرّدة والفصل على مستوى الأدب بين الجنسين هو ترسيخ متعمّد للسّلطة الذّكوريّة، فأصابع الإدانة دوماً ما تكون جاهزة لتشير للمرأة المبدعة، فهي تُجابَه بالموروث الدّيني والأسرة والاستقلال المادّي ومحاولات التّهميش والخضوع وحصر التّفكير بالحياة الزّوجيّة والأطفال و الجمال، وغالباً ما يكلّفها هذا التمرّد أكثر من مجرّد محاربتها لتبقى آلة تفريخ وطهي وكسب رضا الرّجل. فهي وإن أبدعت ونجحت في تعرية الممنوعات وتوظيف التّسميات بما يخدم إبداعها هناك دوماً مَن يحاول تأطير هذا الإبداع في صورة نمطيّة مشابهة لإبداعات غيرها من النّساء و بالتّالي إبقاؤها في حالة الرّكود والتخلّف عن المبدع الرّجل.
وأضافت سعود عن محاولاتها التماشي مع الموروثات المجتمعية في كتاباتها الأدبية من جهة والحفاظ على إبداعاتها من جهة أخرى لتحقيق التوازن بينهما حيث قالت: الأمر أشبه بالولادة، التّغيير على مستوى توظيف المفردات والأسلوب والتقاط الصّورة الأجمل بحيث تخدم هدف العمل والابتعاد عن الابتذال أمر طبيعي، أما التّغيير مخافة الولوج بالمحظور مرفوض لديّ لأنّني على ثقة بأن المولود سيكون مشوّهاً بالخوف والتردّد، ومن جهة أخرى الفهم الجيّد لنسيج البيئة الثّقافيّة حاليّاً يجعل تقبّل الانتقادات اللّاذعة والجارحة أحياناً أمراً سهلاً وقد تعرّضت كثيراً لهذه الحالة.
وفي الإطار نفسه حدثتنا خضر قائلة: الشروع في الكتابة الروائية يكون قراراً حتى اللحظة التي نمسك فيها بالكلمة الأولى، وبعدها يصبح العمل هو الذي يصرخ منادياً عليك حالما تلحّ عليك الأفكار ويحتدم حديث الشخصيات والأشياء والأماكن في داخل الكاتب، في روايتيَّ الاثنتين ما كان عليّ سوى رمي نفسي في بحر الأفكار لتأخذني الأمواج إلى حيث تريد، ولكن في كل أسفاري كانت لديّ منارة واحدة تدلّني إلى حيث تقف امرأة محاولةً الصراخ، وكنت ألتقط صوتها لنبحر سوياً وأسكبه في النهاية بطريقةٍ لائقة على الورق، وبما أن لكل شاطئ روّاده فسوف نرى ونسمع الكثير من التصفيق أو الصفير أو الزعيق أو التهديد أو الضحكات الساخرة أو الابتسامات الراضية أو الرايات البيضاء، وما علينا كأدباء وأنا منهم إلا الإنصات والتجديف والامتلاء من دون أن نتوقف عن النجاة .
الإيمان بحواء الأديبة وحقيقته على أرض الواقع
إيصاد أبواب دور النشر في وجه الأديبات وتفاوت نسبة المبيعات الأدبية بين الأديب والأديبة كان لهما حصة في معركة التاريخ الأزليّة وعن هذا قالت سعود: لا يمكن لنا أن ننكر أنّ تسويق المنتج الأدبي يتأثّر بجنس الأديب ويتبع ذلك للمعارف والأقارب والشللية والمجاملات وغيرها، ولكن مع مرور الوقت كلمة الفصل الأخيرة هي للعمل الجميل والبقاء للإبداع الحقيقي بغض النّظر عن جنس الأديب.
لا يمكن لي الجزم بأمر دور النّشر ولكن المستوى المتدنّي لبعض الأعمال المطروحة يُظهر بعض الحماس تجاه السيّدات السّاعيات للشّهرة في الوسط الأدبي بأقل مقوّمات الإبداع عبر أبواب بعض دور النّشر.
كما حدثتنا خضر مُبينّة أنه في الحالات السويّة لا تختلف نسبة مبيعات الكاتب عن الكاتبة وهذا ما يجب أن يكون، لأن المؤثرات في نسبة المبيع متعددة كشهرة الكاتب أو المواضيع التي يتناولها أو شهرة دار النشر ونشاطها وسمعتها أيضاً، طبعاً لن أخوض في الحالات الاستثنائية التي تنتج عن علاقات شخصية غير مهنية.
وأضافت: بالنسبة لتفضيل دور النشر الكاتب على الكاتبة، فهذا يخضع إلى معايير مختلفة أيضاً، وقد يكون تفضيلهم لنشر الأدب الأنثوي أحياناً ناجماً عن قلّة الأصوات الأنثوية أو الفضول في استشفاف القضايا من وجهة نظر الأنثى العربية ثم لتشجيع وصول صوتها وفي الوقت نفسه توق الكثيرين لسماع هذا الصوت.
وفي الإطار عينه عبّرت ناصر قائلة: من الصعوبات التي واجهتني في حياتي الأدبية هي غلاء قيمة وسعر نشر وطباعة أي عمل. فأغلب دور النشر هدفها الربح المادي فقط، إضافة إلى اهتمامها بكتّاب معينين دوناً عن غيرهم وعن اهتمامها بالكاتب الجديد، بعض دور النشر تتبنى كتّاب معينين حققوا لها ربحاً كبيراً وتتهاون في حق غيرهم فلا تقوم بالتسويق بالشكل المتوازن والعادل لكلا العملين. فبعض الدور لا تعتني بمحتوى الكتاب بالقدر الذي يعني لها اسم الكاتب الذي تسوِّق له .
العقبات التي تعرقل سير الإبداع!
لكل جوادٍ كبوة فكيف إذا كانت هذه الكبوات مُعدّة مُسبقاً في قوالب العادات والتقاليد والأعراف والسائد وفي هذا استحضرت خضر المعوقات المهنية التي تعرضت لها ووقفت عائقاً في رحلة تقدّمها في معرض حديثها مُسدية نصحها لأديبات المستقبل. أما عن المعوقات التي تعرضت لها وربما تتعرض لها معظم الكاتبات العربيات فتتلخص بضيق الوقت وعدم القدرة على التفرغ كالرجل للأدب كونهنّ مضطرات لأن يكنّ كُلّاً في واحد: أنثى ـ أمّ ـ ربة منزل ـ عاملة خارج المنزل – زوجة – قارئة – أديبة، ولن أعدّ محاربة المجتمع للمرأة الكاتبة من حيث النقد الاجتماعي شيئاً مهماً لأن المرأة حالياً قادرة على تجاوزه علماً أنه أمرٌ يتناقص تدريجياً ونأمل أن يختفي في يومٍ ما، لذلك تألقي أيتها المبدعة بكل ألوان الألق، يليق بك النجاح وأكثر.
وكان لسعود عدد من الصعوبات التي واجهتها في مسيرتها، حيث عبّرت عنها قائلة: تعيش بلادي ظروف الحرب المدمّرة، فقدان الأمان والاستقرار وصعوبة السّفر والتّنقل، تدهور الاقتصاد والعيش بأقلّ الإمكانات، الأسرة وعملي كمهندسة، كلّها عوامل تحكّمت إلى حدّ ما بالعديد من مشاريعي الأدبيّة. وأضافت سعود متوجهة للأديبات المبتدئات قائلة: الإبداع نفسه يخلق للمبدع الطّريقة الّتي يرغب أن يظهره بها للعيان، ومتعة الطّريق للهدف أكبر من متعة تحقيق الهدف، أتمنّى أن تمتلك كلّ حالمة الثّقة لإيجاد طريقتها الخاصّة لاكتشاف الجمال المخبّأ تحت وعورة الدّرب مهما كان طويلاً. فهذه هي المتعة والنّجاح الحقيقي، أن تقرأ جدّاً وتعرف لغتَها ولغة غيرها، وأخيراً أن تتحرّر فتكتشف قوّة الأنثى الحقيقيّة في داخلها وتتمرّد لأجلها بقدر ما تبدع .
أما ناصر فقدّمت بعض النصائح والخبرات التي تزودت بها في مسيرتها الأدبية للكاتبات الجديدات حيث قالت: نصيحتي للكاتبات المستجدات هي القراءة ثم القراءة ثم القراءة قبل الكتابة والتحلّي بالشجاعة عند التفكير بالعمل الأول ومراجعة هذا العمل مراراً وتكراراً قبل طرحه للسوق الأدبية ومعرفة الهدف من الكتابة وما الرسالة التي تردن توجيهها إلى القارئ. فالرواية عندما تخرج إلى القارئ تصبح ملكاً له لا ملك الكاتب كما نوّهت سابقاً .